السبت 2019/06/22

تصريحات “يلدريم” حول السوريين.. قراءة تتوخى الإنصاف

تصريحات وُصفت بالصادمة لـ"بن علي يلدريم" مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لرئاسة بلدية إسطنبول، قال فيها بحسب عدة وكالات أنباء تركية، إنه يعتزم ترحيل اللاجئين السوريين من ولاية إسطنبول في حال فوزه بالانتخابات المزمع إجراؤها يوم غد الأحد.

تلك التصريحات التي ترجمها موقع "الجسر تورك" عن وكالة "إخلاص" للأنباء، أثارت ضجة واسعة في الأوساط الإعلامية السورية وغيرها، ولا سيما أنها جاءت قبل ساعات من انتخابات الإعادة لرئاسة بلدية إسطنبول.

بدايةً ومن نافلة القول أن عدة وكالات تركية عريقة نقلت تصريحات يلدريم التي أدلى بها خلال إجابته عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالشأن التركي وانتخابات إسطنبول، وليست القضية الآن حول صحة الترجمة من عدمها، أو حول وجود هذه التصريحات أصلاً، فهذا مما يُعد جدلاً في الفراغ، وإضاعة للوقت من غير طائل.

الأجدى أن يدور النقاش حول التصريحات نفسها، وما سر إطلاقها في هذا الوقت؟، ولا سيما أنها صدرت عن مرشح "العدالة والتنمية"، ذاك الحزب الذي دافع خلال ثماني سنوات عن السوريين كما كان يدافع عن الشعب التركي تماماً، بل إنه الحزب التركي الذي تصدَّر في الدفاع عن قضايا المظلومين في كافة أنحاء العالم.

لا يختلف اثنان على أن تصريحات "يلدريم" جاءت في وقت أصبحت فيه قضية اللجوء السوري -مع الأسف- ورقة انتخابية في كل مكان لجأ إليه السوريون وإذا أردنا الإنصاف والمنطق، فإن ورقة اللجوء السوري لم تكن على أجندة حزب "العدالة والتنمية" كورقة سياسية قطّ، بل إن حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومسؤولي الحكومة الحزب الحاكم، اتخذت قضية اللاجئين السوريين من جانب إنساني بحت، ولا ينسى أحد أن أردوغان صرّح مباشرة بعد نهاية الانتخابات التي جرت نهاية آذار الماضي بأنه سيواصل دعم السوريين واحتضانهم إلى النهاية، في معرض رده على أحد الفائزين بمنصب "رئيس بلدية" توعد بقطع المساعدات عن اللاجئين السوريين والتضييق عليهم في بلديته.

تصريحات مرشح العدالة والتنمية الذي شغل لسنوات منصب رئيس الحكومة، لا تمثل بالنسبة للسوريين الجانب الحقيقي من سياسة الحزب المعروفة تجاه اللاجئين السوريين، والتي شكّلت مثار إعجاب لدى هيئات الأمم المتحدة، بسبب احتضان تركيا أكثر من 3 ملايين لاجئ، وتقديمها نموذجاً راقياً للتعامل مع احتياجاتهم وكرامتهم الإنسانية. إضافة إلى ذلك فإن "يلدريم" صرح كثيراً عزمه على ضبط الأمور في إسطنبول من خلال التعامل بحزم مع اللاجئين المخالفين للقانون، ومنهم السوريون، وقد تكون تصريحاته الأخيرة في هذا السياق تماماً.

نعم.. لا يمكن أن ينسى السوريون أن رئيس تركيا ومسؤولي حزبه والحكومة لم يرتضوا يوماً ما أن يطلقوا على السوريين وصف "لاجئين"، بل إنهم اعتبروهم "مهاجرين" وفدوا إلى إخوانهم "الأنصار"، هرباً من براميل الموت والهجمات الكيماوية وسياسة الإبادة الجماعية التي مارسها "بشار الأسد" ضد السوريين منذ 2011.

ماذا وراء تصريحات يلدريم؟:

ليست قضية اللجوء السوري في الواقع هي الهم الوحيد الذي يؤرّق الأتراك، أمام الحرب متعددة الأطراف التي يتعرضون لها، بدءاً من محاولة الانقلاب الفاشلة،  مروراً بمحاربة الاقتصاد التركي المنافس، وليست المواجهة مع واشنطن حول منظومة الصواريخ إس400 نهاية تلك الضغوطات.

لا ينبغي على أية حال تسليط الضوء فقط على تصريحات يلدريم، فهي في غالب الظن موجهة إلى الناخب التركي، الذي جرى توجيه رأيه من قبل بعض أحزاب المعارضة على أن مشكلة اللجوء السوري هي السبب في تراجع الاقتصاد التركي، وليس هذا مجالاً لمناقشة هذه الذريعة.

المهم في الأمر أن تصريحات مرشح العدالة والتنمية لم يكن المقصود منها – غالب الظن – سوى قطع الطريق على تصريحات أحزاب المعارضة، التي قالت للأتراك زوراً إن الحكومة تقوم بصرف راتب شهري للسوريين!، وكأن "يلدريم" أراد أن يقول للناخب التركي بطريقة غير مباشرة: إذا كانت مشكلتكم في إسطنبول مع اللاجئين السوريين فإنهم سيرحلون إلى بلادهم عاجلاً أو آجلاً. وهذه حقيقة يؤمن بها السوريون قبل الأتراك، هم في نهاية المطاف ضيوف، ولا بد أن يعودوا إلى بلادهم عند توفر الإمكانيات لذلك.

السوريون المنصفون لا يمكن أن ينسَوا ما فعلته تركيا منذ بداية تغريبتهم القاسية، بسبب تصريحات لا يمكن قراءتها إلا في سياق انتخابات يواجه فيها الحزب الحاكم سلسلة من الافتراءات الواهية. السوريون المنصفون مطالبون اليوم باحترام القانون التركي، وباحترام ما تفضي إليه الانتخابات أياً كانت نتيجتها، إضافة إلى ذلك.. يدرك السوريون بمختلف أطيافهم أنهم يجب أن يكونوا عند حسن ظن تركيا المضيافة، وعلى ذلك فإنهم لا يرتضون يوماً من الأيام أن يشكّلوا أي عائق أمام استقرار تركيا ونهضتها المنشودة، ولو تطلب هذا الأمر خروج جميع السوريين من الأراضي التركية مقابل ذلك، فإن أحداً منهم لن يتردد في المغادرة.