الأحد 2017/12/24

اسبانيا قد تسير نحو نظام فيدرالي لحل مشاكل كتالونيا وباقي القوميات الأوروبية

السؤال السياسي العريض: ما العمل الآن ومستقبلا؟ هو التساؤل الذي تردده الطبقة السياسية والرأي العام في اسبانيا بعدما حققت الأحزاب القومية المنادية بالجمهورية الفوز في الانتخابات التشريعية التي شهدها إقليم كتالونيا الخميس 21 كانون الأول/ديسمبر الجاري، وتزيد الوضع السياسي الخاص بالقوميات في اسبانيا ومجموع أوروبا تعقيدا.

طيلة 2017 عاشت اسبانيا على إيقاع ملف كتالونيا الذي استأثر باهتمام الرأي العام أكثر من ملفات أخرى مثل البطالة التي يكتوي بها الشباب، أو الإرهاب الذي يخيم على البلاد. وعمليا، فقد شهدت سنة 2017 ثلاثة أحداث هامة ومتسلسلة، ويتجلى الحدث الأول في استفتاء تقرير المصير يوم فاتح تشرين الأول/أكتوبر الماضي الذي مر في ظروف استثنائية، ثم إعلان الجمهورية الكتالانية يوم 27 من الشهر نفسه. وبهذا ترجمت الأحزاب القومية الكتالانية تهديدها الذي تلوح به منذ السبعينات: أي الانفصال أو الاستقلال عن اسبانيا. ويبقى الحدث الثالث هو تدخل الحكومة المركزية لتطبيق الفصل 155 من الدستور الاسباني الذي ينص على حل حكومة الحكم الذاتي في حال قيام الأخيرة بما يخرق الدستور ويهدد وحدة البلاد. وحدث هذا لأول مرة بعد الانتقال الديمقراطي في البلاد منذ أواسط السبعينات بعد رحيل الجنرال فرانسيسكو فرانكو.

وجرت الانتخابات يوم الخميس من الأسبوع الماضي في إطار ثنائية المواجهة بين الجمهورية التي ينادي بها القوميون في مواجهة الدستور الاسباني وخاصة الفصل 155 منه الذي جرى تطبيقه خلال حل حكومة الحكم الذاتي. وراهنت الحكومة المركزية في مدريد والأحزاب الوحدوية ومنها الحزب الاشتراكي على حرمان الأحزاب القومية الكتالانية من الفوز بالأغلبية المطلقة في برلمان كتالونيا، لأن هذا سيحرم هذه الأحزاب من التحدث باسم الكتالانيين، كما سيمنح لاسبانيا المشروعية السياسية للمضي قدما في منع قيام الجمهورية الكتالانية. في الوقت ذاته، كان الاتحاد الأوروبي يأمل في خسارة القوميين لكي تتراجع مطالب القوميات الأخرى في القارة العجوز، وهي المطالب التي تهدد وحدة هذا الاتحاد.

لكن النتائج حملت مجددا فوز الأحزاب القومية وبالأغلبية المطلقة، حيث حازت الأحزاب الثلاثة وهي جميعا من أجل كتالونيا، والحزب الجمهوري الكتالاني وحزب ائتلاف وحدة الشعب على 70 مقعدا، بينما لم تتجاوز مقاعد الأحزاب الوحدوية وهي اسيودادانس والحزب الاشتراكي والحزب الشعبي 57 مقعدا. وبين الطرفين حزب بوديموس اليساري في نسخته الكتالانية الذي حقق ثمانية مقاعد، ولا يميل لهذا الطرف أو الآخر.

هذه النتائج أضعفت كثيرا خطاب الحكومة المركزية لاسيما بعد حصول الحزب الشعبي الحاكم في مدريد على ثلاثة مقاعد في كتالونيا، وهي أضعف نسبة في تاريخ هذا الحزب في انتخابات الحكم الذاتي. وفي المقابل، عززت النتائج من قوة خطاب الأحزاب القومية وعلى رأسها حزب جميعا من أجل كتالونيا، حيث قال زعيمه كارلس بويغدمونت في تصريحات صحافية «نتيجة الانتخابات سواء المقاعد أو الأصوات تسمح بإجراء استفتاء تقرير المصير». وكان بويغدمونت رئيس حكومة الحكم الذاتي حتى يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث لجأ إلى بروكسيل هربا بعدما أصدر القضاء مذكرة اعتقال في حقه، واعتقل وزراء آخرون كانوا في حكومة الحكم الذاتي.

وهناك طريقان لا ثالث لهما، الأول وهو استمرار حكومة مدريد في رفض مطالب الأحزاب القومية وعدم فتح أي حوار معها حول المطالب التي تطرحها وأساسا قيام الجمهورية الكتالانية. وقد صرح رئيس حكومة اسبانيا ماريانو راخوي أن المفاوضات المقبلة ستكون في إطار الدستور الإسباني. وهذا الطريق سيؤدي إلى مواجهة مجددا لن تتحمل نتائجها اسبانيا.

ويتجلى الطريق الثاني في احتمال تفاهم بين الحكومة المركزية وحكومة الحكم الذاتي المقبلة من أجل استفتاء تقرير للمصير متفق عليه كما جرى في اسكتلندا سنة 2014. وطالب كارلس بويغدمونت بلقاء راخوي خارج اسبانيا للتفاهم على خطة طريق تقود إلى هذا الاستفتاء المتفق عليه.

ويرى الحزب الاشتراكي، ثاني قوة سياسية في البلاد بضرورة قيام رئيس الحكومة راخوي بإيجاد حل للمشكل الكتالاني لأنه يهدد مجتمع كتالونيا ويهدد الاقتصاد الاسباني. ويطرح الفيدرالية حلا سياسيا والبداية مع تعديل الدستور الاسباني.

وبعد انتخابات 21 كانون الأول/ديسمبر 2017 لم يعد الملف الكتالاني اسبانيا محضا بين قومية تريد الاستقلال ودولة مركزية تحافظ على وحدة البلاد، بل أصبح ملفا أوروبيا بامتياز. وتشير المعطيات التي حصلت عليها جريدة «القدس العربي» ببدء مطالبة أصوات أوروبية لحكومة مدريد بالتفكير العميق في حل نزاع كتالونيا بعيدا عن طريق القضاء، بل بالرهان على الحوار السياسي لتفادي إيقاظ باقي القوميات في مجموع أوروبا.

ويعتبر الاتحاد الأوروبي انتعاش القوميات الأوروبية هو الخطر الأكبر على مشاريع الاتحاد الأوروبي نحو مزيد من التكامل والاندماج الكلي على شاكلة كيان فيدرالي ضخم. ولهذا، توجد خلية دراسة مرتبطة به تدفع نحو ضرورة جعل اسبانيا تتبنى الفيدرالية نظاما لحل مشاكل كتالونيا ثم باقي قوميات اسبانيا مثل بلد الباسك وتكون نموذجا يقتدى به لحل مطالب باقي قوميات أوروبا التي بدأت تنتعش بقوة خلال السنوات الأخيرة.