الخميس 2016/03/24

مراقبون: روسيا تستخدم “سافتشينكو” كورقة تفاوض مع أوكرانيا

يتوقع مراقبون أن تستخدم روسيا، قائدة الطائرة الأوكرانية، ناديا سافتشينكو، التي حكم عليها القضاء الروسي بالسجن 22 عاما، ورقة تفاوض مع أوكرانيا، على اعتبار أن قرار المحكمة عزز من موقف الكرملين في مواجهة كييف.

ويرى المراقبون أن روسيا قد تسعى لمبادلة سافتشينكو بالجنود الروس الأسرى لدى أوكرانيا.

وفي الوقت الذي كان المسؤولون الروس يرفضون فيه التعليق على قضية سافتشينكو، بحجة عدم التأثير على المسار القضائي، فإن تطورات سير المحاكمة، ألقت الضوء على طريقة عمل النظام القضائي في روسيا، خاصة مع تمديد فترة اعتقال ومحاكمة الطيارة الروسية، بحجة نقص الأدوات المكتبية.

والملازم أول سافتشينكو، هي قائدة الطائرة الأنثى الوحيدة في الجيش الأوكراني، وكانت تقود مروحية من طراز Mi-24.

وكانت سافتشينكو توجهت إلى "دونباس" شرقي أوكرانيا، عقب اندلاع الاحتجاجات على رفض الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش عملية الاندماج مع الاتحاد الأوروبي، وعملت على تدريب عناصر كتيبة "أيدار" للمتطوعين التابعة لوزارة الداخلية الأوكرانية.

وأسر الانفصاليون شرقي أوكرانيا، سافتشينكو، يوم 17 يونيو/ حزيران 2014، خلال قيامها بنقل جنود أوكرانيين جرحى، من قرية "ميتاليست" بالقرب من "لوغانسك".

وبعد ساعات من أسر سافتشينكو، قُتل الصحفيان الروسيان إيغور كورنيلوك، وأنطون فولوشين، نتيجة سقوط قذيفة مدفعية بالقرب من قرية ميتاليست.

وبقيت سافتشينكو لفترة أسيرة في يد كتيبة "زاريا"، التابعة للانفصاليين. وأراد الانفصاليون في البداية استخدام سافتشينكو في عملية لمبادلة الأسرى، وسمحوا لها بالتواصل مع عائلتها، إلا أن أخبار سافتشينكو انقطعت بداية من 23 يونيو/ حزيران 2014، ثم ظهرت في مدينة فورونيج الروسية في 8 يوليو/ تموز من العام ذاته.

وقالت سافتشينكو في إفادتها، إن وزير دفاع ما يطلق عليه الانفصاليون جمهورية لوغانسك الشعبية، قام بنفسه بنقلها إلى روسيا.
وأصدر الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، تعليماته إلى وزارة الخارجية والادعاء العام الأوكرانيين، لفعل ما يلزم من أجل إعادة سافتشينكو.

إلا أن روسيا بدأت في مقاضاة سافتشينكو، بتهمة التسبب في مقتل الصحفيين الروسيين إيغور كورنيلوك، وأنطون فولوشين، عبر إبلاغها الجيش الأوكراني بموقع وجود الصحفيين، ومن ثم قام الجيش بقصف الموقع.

ونُقلت قضية سافتشينكو، العام الماضي، إلى محكمة مدينة "دونتيسك"، التابعة لمنطقة "روستوف". وقررت المحكمة في جلسة عقدتها في 15 سبتمبر/ أيلول 2015، تمديد اعتقال سافتشينكو، حتى 15 مارس/ آذار 2016، ورفضت قبول اعتراضات محاميها.

كما وجهت إلى سافتشينكو، في 15 يناير/ كانون ثاني 2015، تهمة عبور الحدود الروسية بشكل غير قانوني، في حين أن الانفصاليين الأوكرانيين هم من قاموا بنقلها إلى روسيا.

وطالب الادعاء، في جلسة محاكمة سافتشينكو، التي عقدت في 2 مارس/ آذار الجاري، بالحكم عليها بالسجن 23 عاما، وتغريمها 100 ألف روبل. واعتبر الادعاء أنه لا يمكن لسافتشينكو، الاستفادة من حصانة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، لأن التهمة التي تحاكم بشأنها ارتكبت قبل انتخابها لعضوية البرلمان.

واعتبرت سافتشينكو أنه لم تُقدم أدلة على ارتكابها الجريمة التي تسند إليها، مؤكدة أنها أدت فقط مهامها باعتبارها جندية أوكرانية. وبدأت سافتشينكو إضرابا على الطعام، احتجاجا على عدم منح المحكمة لها حق الكلمة الأخيرة، وقيامها بتأجيل المحاكمة إلى 9 مارس/ آذار.

واعتبر الرئيس الأوكراني بوروشينكو، أن سافتشينكو أصبحت أيقونة لأوكرانيا، ونظمت مظاهرات مطالبة بإطلاق سراح سافتشينكو في عدة مدن أوكرانية.

وأعلنت المحكمة في جلستها التي عقدت في 9 مارس/ آذار، أن الحكم على سافتشينكو سيصدر في الجلسة التي ستعقد يومي 21 و 22 مارس/ آذار، وفي تلك الجلسة حكمت المحكمة على سافتشينكو بالسجن 22 عاما، وغرامة قدرها 30 ألف روبل، لعبورها الحدود الروسية بشكل غير قانوني.

- فوز سافتشينكو بالانتخابات البرلمانية:

وتمكنت سافتشينكو خلال فترة توقيفها في روسيا، من الفوز بعضوية البرلمان الاوكراني، في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي خاضتها تحت سقف حزب الوطن الأم الأوكراني، حيث قدّمت استقالتها من القوات المسلحة الاوكرانية، وأدّت اليمين الدستوري، بصفتها نائبة برلمانية، من خلال رسالة بعثتها عبر محاميها، إلى البرلمان الأوكراني، الذي قبِل بدوره يمين سافتشينكو.

وفي 25 كانون الأول/ ديسمبر من عام 2014، تقلدت سافتشينكو منصب عضو الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي.

وقام حزب الوطن الأم، بإعداد قائمة عقوبات على روسيا، أطلق عليها اسم "قائمة عقوبات سافتشينكو"، ووجه نداءً إلى مجلس الدفاع والأمن القومي الأوكراني، بفرض عقوبات على الأسماء الموجودة في اللائحة، من بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، الكسندر بورتنيكوف، و33 آخرين.

- الإضراب عن الطعام تنديداً بقرار المحكمة:

ولجأت سافتشينكو خلال فترة توقيفها، إلى أسلوب الإضراب عن الطعام لمراتٍ عدّة، كأداة للتنديد بقرار المحكمة الروسية، وأعلنت الإضراب عن الطعام لأجل غير مسمى قبل فترة، احتجاجاً على عدم تقديم السلطات الروسية، الخدمات الصحية لها، عندما تعرضت لوعكة صحية.

وادعت جهات أوكرانية أنّ السلطات الروسية حقنت سافتشينكو بإبر الغليكوز، من أجل الحد من تدهور حالتها الصحية، فيما أقلعت الأخيرة عن الإضراب، بعد أن ساء وضعها الصحي أكثر، وقامت أوكرانيا بإرسال أطباء إلى روسيا من أجل الإشراف على معالجة سافتشينكو وتقديم الخدمات الصحية إليها.

وفي الثالث من آذار/ مارس الجاري، بدأت سافتشينكو بالإضراب عن الطعام مجدداً احتجاجاً على عدم سماح المحكمة لها بالدفاع عن نفسها للمرة الاخيرة، فيما أعلنت خلال جلسة النطق بالحكم قبل يومين، أنها ستستمر في إضرابها، وذلك عبر محاميها.

- اهتمام الرأي العام:

استحوذت قضية إضراب سافتشينكو عن الطعام، على اهتمام الرأي العام في المنطقة، وإلى جانب أوكرانيا، بدأت الأصوات تتعالى في روسيا نفسها، مطالبةً بإطلاق سراح سافتشينكو، حيث قامت مجموعة بجمع تواقيع مطالبين بالحرية لسافتشينكو، من أجل تقديمها إلى الرئيس بوتين.

وتمكنت المجموعة من جمع 11 ألف و500 توقيعاً، وقدّمت اللائحة إلى مكتب الرئيس بوتين في الكرملين.

وعلى المستوى العالمي جاء التنديد الاول لتوقيف سافتشينكو، من قِبل منظمة العفو الدولية، في 10 أيلول عام 2014، حيث وجهت المنظمة نداءً طالبت فيه بإخلاء سبيل سافتشينكو، أو تسليمها إلى دولة ثالثة، وذلك خلال 24 ساعة، من توليها منصب عضوية الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي.

كما طالبت الناطقة السابقة باسم الخارجية الامريكية، جين بساكي، السلطات الروسية بإخلاء سبيل سافتشينكو مباشرةً، واصفةً عملية توقيفها بـ "الأسر"، فيما دعا، روبرت كولفيل، المتحدث باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، السلطات الروسية لإخلاء سبيل سافتشينكو، لدواعٍ إنسانية.

وخلال اجتماع منظمة الامن والتعاون في أوروبا، الذي جرى العام الماضي في العاصمة الفنلندية "هلسنكي"، دعا المجتمعون إلى إطلاق سراح سافتشينكو، وباقي الأوكرانيين الذين تمّ توقيفهم في الأراضي الأوكرانية التي ضمتها روسيا.

وبالتزامن مع جلسة المحاكمة التي جرت في 9 آذار/ مارس الجاري، طالب 57 عضواً في البرلمان الأوروبي، بفرض عقوبات على 29 شخصاً، بينهم الرئيس الروسي بوتين، بتهم تهريب النائبة سافتشينكو بطريقة غير شرعية، وسجنها، والضلوع في تلفيق أدلة مزوة بحقها.

ووجه رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، في 17 أذار/ مارس، نداءً بضرورة إخلاء سبيل سافتشينكو، وذلك عقب لقائه بالرئيس الاوكراني، بيترو بوروشينكو، في العاصمة البلجيكية بروكسل.

ورغم كل هذه الدعوات والنداءات الموجهة إلى موسكو بخصوص إخلاء سبيل سافتشينكو، إلّا أنها لم تغير من سير المحكمة الروسية، واكتفى الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بالقول: "إنّ التدخل الخارجي بشؤون القضاء الروسي، غير مقبول".