الخميس 2017/09/28

تحقيق لرويترز…أوراق الشجر طعام من تبقوا بمنطقة “التطهير العرقي” في ميانمار

على الطريق الرئيسي الذي يمتد لمسافة 40 كيلومترا شمالا من بلدة مونجداو في ولاية راخين التي يمزقها العنف في ميانمار تحولت كل القرى التي كانت تأوي عشرات الآلاف ذات يوم إلى رماد باستثناء واحدة.

تتجول مئات الأبقار وسط المساكن المهجورة وحقول الأرز المحترقة. تأكل الكلاب الجائعة العنزات الصغيرة. أما بقايا المساجد والأسواق والمدارس التي كانت تعج بمسلمي الروهينغا في يوم من الأيام فيخيم عليها الصمت.

وعلى الرغم من القيود المشددة على دخول شمال ولاية راخين فإن رويترز سافرت بصورة مستقلة إلى أجزاء من المنطقة الأكثر تضررا في أوائل سبتمبر أيلول لتقدم أول نظرة مفصلة يلقيها صحفيون من داخل المنطقة التي تقول منظمة الأمم المتحدة إن قوات الأمن في ميانمار مارست فيها التطهير العرقي.

وقتل نحو 500 شخص وفر 480 ألفا من الروهينغا منذ 25 أغسطس آب حين أدت هجمات على 30 موقعا للشرطة وقاعدة عسكرية نفذها مسلحون مسلمون إلى إطلاق الجيش حملة شرسة.

ورفضت الحكومة اتهامات وجهت لقوات الأمن بممارسة الحرق العمد والاغتصاب والقتل.

قال سيد إسلام (32 عاما) من قرية يا خات شوانج جوا سون قرب المنطقة التي زارتها رويترز شمالي مونجداو ”كنا نخشى أن يطلق علينا أفراد الجيش أو الشرطة الرصاص إذا وجدونا... فهربنا من القرية“. وكان يتحدث هاتفيا من مخيم للاجئين في بنغلاديش بعد أن فر من قريته عقب الهجمات.

وقال سكان من قريته إن قوات الأمن أحرقتها في عملية سابقة ضد مسلحين من الروهينغا أواخر العام الماضي. ويعيش من لم يفروا منذ ذلك الحين في أكواخ بدائية ويأكلون الطعام الذي توزعه وكالات الإغاثة.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك إن صورا التقطتها الأقمار الصناعية أظهرت تدمير آلاف المنازل في شمال راخين في 214 قرية. ورصدت منظمة الأمم المتحدة مساحة 20 كيلومترا مربعا من المباني المتهدمة.

وقالت الحكومة إنه تم إشعال النار في أكثر من 6800 منزل. وتلقي باللائمة على القرويين الروهينغا وجماعة (جيش إنقاذ الروهينغا في أراكان) التي نفذت هجمات 25 أغسطس آب.

وقال زاو هتاي المتحدث باسم زعيمة ميانمار أونج سان سو كي ”المعلومات التي حصلنا عليها تشير إلى أن الإرهابيين هم من مارسوا الحرق“.

وقام صحفيو رويترز برحلتين إلى شمال ولاية راخين فزاروا مونجداو وبوتيدونج وراتيدونج ثم اتجهوا من مونجداو عبر المنطقة الأكثر تضررا على الطريق الرئيسي شمالا إلى بلدة كين تشونج.

وأجرى الصحفيون أحاديث مقتضبة مع السكان لكن نظرا لخوف كثيرين من رصدهم وهم يتحدثون إلى غرباء أجريت معظم المقابلات عبر الهاتف من خارج منطقة عمليات الجيش.

الطعام ينفد

لم تصل مساعدات تذكر إلى شمال راخين منذ اضطرت الأمم المتحدة لتعليق العمليات بسبب القتال وبعد أن قالت الحكومة إن الأغذية التي تقدمها المنظمة الدولية تساعد في استمرار وجود المسلحين.في سيتوي عاصمة الولاية أوقف راخين عرقيون معادون قوافل نظمها الصليب الأحمر مرتين وفتشوها.

في يو شي كيا حيث اتهم السكان الروهينغا جيش ميانمار في أكتوبر تشرين الأول الماضي باغتصاب عدة نساء قال مدرس تحدث هاتفيا إلى رويترز من القرية إنه لم يتبق هناك سوى 100 أسرة من جملة 800.

ويلعب من تبقوا لعبة القط والفأر مع الجنود الذين يأتون إلى القرية في الصباح مما يدفع السكان للاختباء في الغابة ثم يعودون في الليل.

وقال المدرس ”ليس لدينا طعام لنأكله الليلة. ماذا يمكننا أن نفعل؟ نحن قريبون من الغابة حيث توجد أوراق الشجر التي يمكن أن نأكلها وحيث نجد بعض المياه لنظل على قيد الحياة“. ورفض الكشف عن اسمه لأن السلطات حذرته من الحديث إلى الصحفيين.

وقال الرجل إن الهرب بين الأحراج تحت الأمطار الموسمية مع أبويه المسنين وأطفاله الستة وزوجته الحامل ليس خيارا.

وقال زاو هتاي إن الحكومة أعطت أولوية لتقديم المساعدات الإنسانية للمنطقة.

وأضاف ”إذا كانت هناك أي أماكن لم تصل إليها المساعدات بعد فعلى الناس أن يبلغونا وسنحاول الوصول إليهم في أقرب وقت ممكن“.

كما نزح نحو 30 ألفا من سكان شمال راخين من غير المسلمين أيضا.

وقبل موجة النزوح الأخيرة كان هناك نحو 1.1 مليون من مسلمي الروهينغا في ميانمار يعيش معظمهم في راخين حيث حرموا من الجنسية وتعتبرهم الأغلبية البوذية متطفلين.

”سعداء لأنهم رحلوا“

يقول الروهينغا الذين فروا إلى بنغلاديش ومنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان إن لجان أمن أهلية من الراخين العرقيين ساعدت الجيش في طرد السكان المسلمين.

كمال حسين (22 عاما) من أليل تان كياو جنوبي بلدة مونجداو قال إن قريته دمرت أوائل سبتمبر أيلول وإنه فر بعد ذلك إلى بنغلاديش حيث تحدث إلى رويترز.

قال حسين إن حشودا من الراخين ”سكبت البنزين على المنازل. ثم خرجوا وأطلق الجيش قنبلة على منزل لإشعال النار فيه“.

وقال المتحدث باسم الحكومة زاو هتاي إن الراخين العرقيين أحرقوا بعض المباني الخالية بالمنطقة. وأضاف ”طلبنا من الحكومة المحلية اتخاذ إجراءات بهذا الصدد“.

وتظهر المقابلات التي أجرتها رويترز وصور الأقمار الصناعية أن أكبر ضرر أحدثته الحرائق حل بمونجداو حيث وقعت معظم هجمات المسلحين. في معظم أنحاء المنطقة التي تمتد لأكثر من 100 كيلومتر وسط أشجار كثيفة وجداول ملأتها مياه الأمطار الموسمية احترقت معظم القرى.

أما في بلدة مونجداو نفسها التي كان يسكنها الراخين البوذيون والمسلمون وبعض الهندوس حتى وقت قريب يلزم من تبقوا من الروهينغا منازلهم.

وفي بلدة راتيدونج التي سكنتها أعراق مختلفة يقول سكان وعمال إغاثة إن 16 من جملة 21 قرية للروهينغا أحرقت.

قال سكان إن الناس في أماكن كثيرة لا يستطيعون الحصول على أدوية.

وتحدثت رويترز إلى مسؤولين من الراخين البوذيين أكدوا حجم الدمار.

وقال تين تون سو وهو مسؤول إداري من الراخين في شين خار لي التي تعرض فيها موقع أمني لهجوم إن رد الجيش كان سريعا وإن جميع الروهينغا أرغموا على الرحيل. وأضاف أن نحو 1600 منزل أحرقت في اليوم التالي للهجمات لكنه ألقى باللائمة في الحرائق على المسلحين.

وقال تين تون سو ”لديهم عدد كبير جدا من الناس. كنا سنخشى البقاء لو كانوا هنا. أنا سعيد جدا لأنهم رحلوا جميعا“.