الجمعة 2020/11/20

ما مصير اتفاق السلام بين واشنطن وطالبان في عهد بايدن؟

كثيرة هي الملفات التي ستكون على طاولة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن في السياسة الخارجية بعد توليه الحكم بشكل رسمي في الولايات المتحدة، ومنها قضية المفاوضات مع حركة "طالبان" والخروج من أفغانستان.

ولم يعرف بعد توجه الرئيس المنتخب حول ملف المفاوضات التي قادتها دولة قطر، وتوجت بتوقيع "طالبان" وواشنطن اتفاقاً تاريخياً لانسحاب أمريكي تدريجي من أفغانستان وتبادل الأسرى.

وشمل البرنامج الانتخابي لبايدن قبل توقيع الاتفاق بين بلاده وحركة طالبان الأفغانية إنهاء الحرب في أفغانستان، وبألا تصبح مرة أخرى ملجأ للإرهاب، وبمنع ظهور تنظيم القاعدة أو الصعود من جديد لتنظيم الدولة.

ونادى البرنامج بطي صفحة عقدين من عمليات الانتشار العسكري الواسعة النطاق والحروب المفتوحة في الشرق الأوسط، لكنه أشار إلى أن "ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة ستتخلى عن المنطقة ولا عن شركائنا، حيث إنه لا تزال لدينا مصالح دائمة فيها".

إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعمل بشكل سريع على تنفيذ الاتفاق مع طالبان، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، الثلاثاء 18 نوفمبر/تشرين الثاني، سحب 2000 جندي من أفغانستان و500 من العراق.

وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة كريستوفر ميلر، أكد عزم بلاده تسريع الانسحاب من أفغانستان والشرق الأوسط.

وقال ميلر في أول رسالة له للقوات المسلحة الأمريكية، السبت (14 نوفمبر الجاري)، منذ أن عينه الرئيس المنتهية ولايته ترامب وزيراً للدفاع بالوكالة: "حان وقت العودة إلى الوطن".

وأضاف ميلر: "جميع الحروب يجب أن تنتهي، وكثيرون تعبوا من الحرب، وأنا واحد منهم، لكنها المرحلة الحاسمة التي نحوّل فيها جهودنا من دور قيادي إلى دور داعم".

وشدد على أن الولايات المتحدة مصممة على دحر تنظيم القاعدة بعد 19 عاماً على هجمات 11 سبتمبر، وأنها "أوشكت على إلحاق الهزيمة" بالتنظيم.

وأشار إلى أن إنهاء الحروب يتطلب تنازلات وشراكة؛ "وواجهنا التحدي، وبذلنا كل ما بوسعنا. الآن حان وقت العودة إلى الوطن".

ومع بدء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ينخفض عدد الجنود الأمريكيين في هذه الدولة من 4500 إلى 2500، وهو ما يضع تحديات أمام بايدن في حال أراد التمركز بشكل واسع بها بعد توليه الرئاسة.

حركة طالبان الأفغانية بدورها دعت بايدن إلى الالتزام باتفاق السلام الموقَّع في الدوحة بين الحركة وإدارة الرئيس المنتهية ولايته ترامب، مع تأكيدها أن سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان سيكون في "مصلحة كلا الشعبين والبلدين".

وفي بيان لها قالت الحركة: إن "اتفاق الدوحة وثيقة ممتازة لإنهاء الحرب وتحقيق مستقبل أفضل لكلا البلدين".

وجاء في بيان الحركة: "يتعين على الرئيس والإدارة الأمريكية المستقبلية توخي اليقظة من دوائر الترويج للحرب والأفراد والجماعات الذين يسعون إلى إدامة الحرب وإبقاء أمريكا غارقة في الصراع؛ من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية والسيطرة على السلطة".

ويأتي بيان "طالبان" في وقت تُواصل فيه الحكومة الأفغانية "تحميل مسلحي الحركة مسؤولية التصعيد وشن هجمات إرهابية في عموم البلاد".

وإلى جانب حركة طالبان حثَّ سروار دانيش، النائب الثاني للرئيس الأفغاني، الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن على إعادة النظر في محادثات السلام الجارية مع "طالبان".

**خيارات بايدن

الخبير في الشؤون الأفغانية روح الله عمر، يؤكد أن اتفاق الولايات المتحدة مع حركة طالبان في قطر يهدف إلى إخراج جميع القوات من أفغانستان بعد الخسائر التي لحقت بها خلال الحرب التي استمرت سنوات.

وسعى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي ينتمي للحزب الديمقراطي، وفق حديث عمر لـ"الخليج أونلاين"، إلى التواصل مع حركة طالبان وإنهاء الحرب وتوقيع اتفاقية، ولكنه استجاب لضغوطات الجنرالات ولم يذهب إلى الاتفاق.

وسيعمل بايدن، حسب عمر الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي أيضاً، إلى تجنب استمرار الحرب في أفغانستان، ومواصلة تنفيذ المعاهدة الموقعة بقطر؛ لكون استمرار الحرب وإرسال الجنود لن يجدي نفعاً، خاصة أن طالبان أصبحت قوية على الأرض، ولديها معنويات مرتفعة.

ولا يوجد خيار أمام بايدن -كما يرى عمر- إلا الخروج من أفغانستان وإكمال ما انتهى به ترامب، خاصة أن ذلك يعد إنجازاً لدى الأمريكان، وسيتم نسبه إلى الرئيس المنتخب بايدن وليس السابق.

ويستدرك الخبير في الشؤون الأفغانية: "وفق تقديري لن يخطئ بايدن في البقاء في أفغانستان، خاصة أن الولايات المتحدة تمر بظروف صعبة جداً بسبب جائحة كورونا، التي تركت تداعيات اقتصادية داخلياً، وقتلت الآلاف من الأمريكيين".

وتعد الاتفاقية التي رعتها قطر، وفق عمر، مفيدة للولايات المتحدة ولا تشكل أي ضرر عليها، خاصة أنها تنهي الحرب وليست اتفاقية اقتصادية، وكلها فائدة لها.

ويتوقع أن يبقي بايدن بعض القوات الأمريكية في أفغانستان لمحاربة تنظيم الدولة وتنظيم "القاعدة"، وتحت هذه العناوين من الممكن أن يضغط على طالبان لإبقاء بعض الجنود، ولكن لن تستجيب له الحركة الأفغانية.

**الحرب في أفغانستان

انطلقت الحرب الأمريكية في أفغانستان، في أكتوبر 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي تقوده واشنطن بحكم "طالبان"؛ لارتباطها آنذاك بتنظيم "القاعدة" الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر من العام نفسه، في الولايات المتحدة.

وخلال تلك الحرب خسر الجيش الأمريكي والتحالف الدولي آلاف الجنود، كما عانت أفغانستان من ويلات تلك الحرب التي تركت تداعيات اقتصادية واجتماعية على مواطنيها وحركة طالبان نفسها، وعلى الجيش الأفغاني.

وبعد سنوات الحرب الطويلة احتضنت الدوحة محادثات سلام جديدة بين الأمريكيين وممثلي حركة طالبان، حتى توصلت إلى توقيع اتفاق سلام بينهما حظي بإشادة دولية واسعة.

ومهد الاتفاق الطريق لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان تدريجياً في غضون 14 شهراً، مقابل ضمانات من الحركة، كما نص على أن تطلق كابل 5 آلاف من عناصر طالبان المعتقلين لديها، على أن تفرج الحركة في المقابل عن 1500 من القوات الأفغانية المحتجزين لديها، وهو ما تم بالفعل.

وبعد توقيع الاتفاقية بين الولايات المتحدة وطالبان ذهبت قطر لرعاية الحوار الأفغاني الأفغاني، حيث انطلقت في سبتمبر الماضي، بالعاصمة القطرية مفاوضات تاريخية بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، كخطوة أولى لإنهاء حرب استمرت أكثر من أربعين عاماً، وسط ترحيب دولي كبير.