الأثنين 2020/11/02

صحيفة “لوموند” الفرنسية: ماكرون أصبح “ضحية” تصريحاته

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريراً، قالت فيه إن عاصفة الغضب على فرنسا لا تزال متواصلة في العديد من الدول الإسلامية، بينما يحاول الرئيس إيمانويل ماكرون تفسير مواقفه وتصريحاته، والدفاع عن النموذج الفرنسي.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمه موقع "عربي21"، إن فرنسا تخوض حالياً معركة على الصعيد الداخلي وأخرى على الصعيد الخارجي. إذ أنها بعد يومين من مقتل المدرس صامويل باتي في 16 أكتوبر/ تشرين الأول، كان مصدر رفيع المستوى في قصر الإليزيه قد عبر عن قلقه من آثار تلك التطورات على العلاقات الخارجية لفرنسا، خاصة بعد تقديم الرئيس لمشروع قانون مكافحة النزعات الانفصالية.

وتنقل الصحيفة عن هذا المصدر قوله للرئيس: "يجب علينا تقديم رواية مضادة في مواجهة ما يقال عن فرنسا، خاصة خارج حدود البلاد، من ادعاءات بأن تصريحات الرئيس ماكرون موجهة ضد المسلمين"، وقد بدت هذه المسألة مهمة للمسؤولين الفرنسيين لدرجة أنه تم تناولها في نفس ذلك اليوم، في اجتماع مجلس الدفاع المنعقد في القصر الرئاسي.

وتضيف الصحيفة أن هذه الإجراءات لم تمنع تنامي عاصفة الغضب في العديد الدول الإسلامية، خاصة منذ أن كرر ماكرون تصريحاته في 21 أكتوبر/ تشرين الأول، وتأكيده أن فرنسا لن تتخلى عن تلك الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم-.

وفي إيران تم تشبيه ماكرون بالشيطان، وتم الدعس على صوره بالأقدام في مظاهرات في الضفة الغربية، وإحراق دميته في بنغلاديش. كما تعرض لهجمات لاذعة من مسؤولين كبار في باكستان وإندونيسيا ودول أخرى. وقد صدرت دعوات لمقاطعة البضائع الفرنسية، شجعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

تصريحات ماكرون:

وقالت الصحيفة إن ماكرون أراد إطفاء هذه الحرائق المشتعلة، والاستجابة لما يعتبره طاقم مستشاريه حملة ممنهجة ضد فرنسا ورئاستها، ولذلك قرر إجراء حوار مطول يوم السبت 31 تشرين الأول/ أكتوبر مع قناة "الجزيرة"، وقد اختار هذه الوسيلة الإعلامية بسبب انتشارها الواسع، حيث أن عدد متابعيها يتراوح بين 35 و40 مليوناً، دون نسيان الرسائل التي تم بثها مؤخراً عبر هذه القناة فيما يتعلق بالرئيس الفرنسي.

وتمحورت تصريحات ماكرون في هذه المقابلة حول التأكيد على أنه ضحية للكثير من الكلام الخاطئ، وأنه يرغب في بعث رسالة تهدئة وسلام، ويحترم شعور البعض بالاستياء من الرسوم الكاريكاتورية. ولكنه أكد أنه لن يقبل أبداً أن يكون ذلك تبريراً للعنف الجسدي، وسيدافع دائماً عن حرية التعبير والكتابة والتفكير والرسم.

وقد شدّد الرئيس الفرنسي في نفس الوقت على أن هذه الرسوم ليست صادرة عن الحكومة الفرنسية أو الرئاسة.

اختلاف مع الولايات المتحدة وكندا:

وأكدت الصحيفة إلى أن ماكرون حاول أيضاً الرد على انتقادات جزء من الصحافة الأمريكية. حيث أن واشنطن بوست على سبيل المثال اعتبرت أن فرنسا تبدو أكثر حرصا على "إصلاح الإسلام" من محاربة العنصرية الممنهجة التي تحدث على أراضيها.

وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن هذا الانقسام في المواقف بين فرنسا ودول أخرى غربية، جعل باريس تشعر بضعف الدعم المقدم لها من زعماء بينهم رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، على إثر الهجمات التي وقعت على أراضيها. إذ أن ترودو اعتبر في تصريحاته أن حرية التعبير ليست بلا حدود ولا يجب أن تؤدي لإيذاء الآخرين بشكل اعتباطي وغير بنّاء. ولذلك فقد اعتبر أحد مساعدي الرئيس ماكرون أن هناك تبايناً في وجهات النظر والأولويات بين البلدين فيما يخص التعامل مع الأقليات والمشاكل الاجتماعية.

في نفس السياق اعتبر فرنسوا هايسبورغ المستشار الخاص في المؤسسة الفرنسية للأبحاث الاستراتيجية أن الاختلاف في وجهات النظر بين الطرفين سببه أن الولايات المتحدة وكندا لا تنظر إلى ما يحدث في فرنسا إلا باعتباره مرآة لما يحدث عندها، وبالتحديد في علاقة بحركة حياة السود مهمة التي برزت في الفترة الأخيرة.

رسائل للداخل:

وترى الصحيفة أن حوار ماكرون مع قناة الجزيرة لا يهدف فقط لإيصال رسائل للمشاهدين في الخارج، بل أيضاً للفرنسيين في الداخل، حيث حاول إظهار إصراره على الدفاع عن سيادة النموذج الفرنسي و"اللائكية"، قائلا إن "اللائكية" لم تؤدّ إلى قتل أي شخص.

أما حول مسألة تشكيك البعض في مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة بناء على مواقف دينية، فقد اعتبر ماكرون أن هذا الأمر لن يحدث فوق الأراضي الفرنسية، وقال: "إن الناس الذين يؤمنون بعدم المساواة بين الرجل والمرأة يجب أن يذهبوا لتطبيق هذا الفكر في مكان آخر وليس على الأراضي الفرنسية."

وفي الختام اعتبرت الصحيفة أن ماكرون حاول الظهور في ثوب الحامي، في وقت يعتبر فيه كثيرون أن فرنسا تتعرض للهجوم بشكل غير مسبوق في الداخل والخارج.