الأحد 2022/06/26

تفاقم القلق الأردني من التمدد الإيراني في الجنوب السوري

يطرح تجديد العاهل الأردني عبد الله الثاني، التعبير عن مخاوف بلاده مما يجري على الحدود مع سوريا، لجهة ازدياد حضور المليشيات المدعومة من إيران، وتصاعد عمليات تهريب المخدرات التي تشرف عليها تلك المليشيات، تساؤلات حول الأسباب الكامنة خلف التركيز الأردني على ذلك، خصوصاً بظل تكهنات حول مساع أردنية لتشكيل تحالف إقليمي ودولي، لمواجهة هذه المخاطر، التي يتشارك الأردن القلق حيالها مع إسرائيل، لدواع أمنية، ودول الخليج العربي، الوجهة النهائية لتجارة المخدرات القادمة من سوريا.

 

وقال العاهل الأردني إن بلاده تواجه المزيد من المشاكل مع المليشيات على حدودها مع سوريا، وتتمثل بتهريب المخدرات والأسلحة وعودة تنظيم "داعش"، بعد تراجع نفوذ روسيا في سوريا بسبب انشغالها في الحرب الأوكرانية.

 

 

وأضاف، في مقابلة مع قناة "سي إن بي سي" نشرت مقتطفات منها أخيراً، أن بلاده تنظر إلى الوجود الروسي في سوريا كعنصر إيجابي ومصدر استقرار، إلا أنه منذ بدء الصراع في أوكرانيا، تراجع حجم هذا الوجود.

 

نهج جديد في المنطقة

وفي السياق الإقليمي، تحدث العاهل الأردني عن نهج جديد تشهده المنطقة، قائم على التعاون وإيجاد أرضيات مشتركة، في ظل تحركات عربية ولقاءات سياسية "غير مسبوقة" أجراها قادة عرب، في إطار تحسين العلاقات والتنسيق لتوحيد المواقف قبيل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للشرق الأوسط منتصف الشهر المقبل.

 

وقال إن اللقاءات التي عقدها، هذا الأسبوع، هو وقادة المنطقة، منها مشاركته في القمة الثلاثية في شرم الشيخ، مع الرئيس المصري وملك البحرين، وزيارته الخميس الماضي إلى الإمارات، وجولة ولي العهد السعودي إلى مصر والأردن وتركيا، هدفها بحث "كيفية مساعدة بعضنا بعضاً، وهذا قد يكون توجهاً مختلفاً عن المرات السابقة بالنسبة لدول المنطقة، وهو ما نحتاج إليه لخدمة شعوبنا".

 

 

 

وأعرب الملك الأردني عن تأييده لفكرة تشكيل حلف عسكري في الشرق الأوسط يشبه حلف شمال الأطلسي، حتى لو لم تكن الدول المشاركة في الحلف تتشارك العقلية ذاتها، حسب تعبيره. وأشار إلى أن الأردن يعمل "بشكل فعال مع حلف شمال الأطلسي، ولهذا يعتبر نفسه شريكاً لهذا الحلف.

 

وقال: "أود أن أرى المزيد من دول المنطقة، وهي تدخل ذلك التجمع، كما أود أن أكون من بين أوائل الأشخاص الذين يصادقون على قيام حلف ناتو شرق أوسطي"، مشدداً على أن مثل هذا الحلف "ينبغي أن يكون بغاية الوضوح، وإلا فإنه سيربك الجميع".

 

لا أحد يريد الحرب

ورغم التوقعات بأن هدف مثل هذا الحلف هو مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، إلا أن الملك عبد الله حاول عدم الإيحاء بذلك. وقال: "لا أحد يريد الحرب، ولا أحد يرغب بالنزاع، وما ينتظره الجميع في الشرق الأوسط هو العمل على خلق رؤية يصبح معها الازدهار عنواناً للمرحلة" بحسب وصفه.

 

ومع تكرار التصريحات الأردنية المحذرة من تزايد التمدد الإيراني في الجنوب السوري، وعلى الحدود مع الأردن، في ضوء الانشغال الروسي في أوكرانيا، تشير تقديرات إلى أن الخطاب الأردني يعكس استياء من سلوك النظام في الجنوب، وعدم قدرته أو رغبته في منع نشاط المليشيات الإيرانية، التي ازداد عدد المواقع التابعة لها في درعا والسويداء منذ فبراير/شباط الماضي، بتسهيل وتعاون من "الفرقة الرابعة" التابعة للنظام، التي تشترك مع تلك المليشيات في عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية.

 

وكانت القوات الروسية قد أخلت في الـ24 من الشهر الماضي، مواقع جديدة لها في ريف محافظة درعا، لكن من دون ورود معلومات بشأن حلول قوات موالية لإيران محلها. وسبق ذلك، تخلي الشرطة العسكرية الروسية عن دعم "اللواء الثامن" نهاية العام الماضي، وتولي "المخابرات العسكرية" التابعة للنظام الإشراف عليه، وهو ما أفقدها ذراعاً مهمة تمتلك العتاد والمقاتلين.

 

المليشيات الإيرانية تحصن مواقعها على الحدود الأردنية

وقال ضابط منشق عن قوات النظام، عمل مع فصائل المعارضة السورية، إن المليشيات الإيرانية عمدت إلى حفر أنفاق وعمليات تحصين المواقع التي انتشرت بها أخيراً في محافظة درعا، خصوصاً على الحدود السورية مع الأردن، ومنعت المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في تلك المناطق.

 

وأضاف الضابط، الذي فضَل عدم الكشف عن اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تلك الأنشطة تتركز في غرب جمرك درعا القديم، وبعض المخافر الحدودية، بالقرب من بلدة تل شهاب وبلدة خراب الشحم، وذلك بهدف حماية عمليات التهريب التي تنطلق من المنطقة باتجاه الأردن.

 

وفي السياق، ذكر "تجمع أحرار حوران" الذي يتابع تطورات المنطقة الجنوبية، أن المليشيات الإيرانية التي انتشرت في المنطقة أخيراً، منعت مجموعات الأمن العسكري والفرقة الرابعة من أبناء المنطقة من التمركز في تلك النقاط، وعهدت إلى قادة مليشياتها الإشراف المباشر عليها.

 

تعزيزات جديدة للمليشيات الإيرانية لمحافظة درعا

وكان التجمع قد أشار إلى أن المليشيات الإيرانية أرسلت مطلع الشهر الحالي تعزيزات عسكرية جديدة إلى محافظة درعا، توزعت على طول الشريط الحدودي مع الأردن، تتضمن آليات وسيارات مزودة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، إضافة إلى عناصر بلباس جيش النظام. كما عززت قوات النظام مواقعها بالقرب من الحدود السورية - الأردنية بآليات ثقيلة.

 

وجاءت هذه التعزيزات بعد مجموعة من التصريحات الأردنية تتهم قوات النظام وحلفاءه بالانخراط في عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود بين البلدين، حيث لا يكاد يمضي يوم من دون ضبط شحنة مخدرات قادمة من الأراضي السورية، ما دفع الأردن إلى فرض قواعد جديدة للاشتباك، وإعلان النفير شبه الدائم في المنطقة الشمالية على طول خط الحدود مع سوريا.

 

ويلفت متابعون للتطورات في الجنوب السوري إلى أن القوات الروسية في هذه المنطقة، وفي مجمل الأراضي السورية، ليست بأعداد كبيرة، ولن يشكل سحبها فرقاً كبيراً بالنسبة للحرب التي تخوضها موسكو في أوكرانيا.

 

غير أن "عدم الاكتراث" الروسي بالتطورات في الجنوب السوري، وبسعي إيران لتعزيز حضورها هناك، عبر مليشيات تتبع لها مباشرة، أو تنسق معها كما هو حال بعض التشكيلات العسكرية التابعة للنظام مثل "الفرقة الرابعة" "و"الأمن العسكري" و"المخابرات الجوية"، ربما يحمل رسائل سياسية، ليست موجهة للأردن بالضرورة، بل ربما موجهة إلى إسرائيل، وذلك بهدف دفعها إلى الطلب من روسيا المساعدة في لجم إيران ومليشياتها. وعندها قد يكون لموسكو بعض الطلبات من إسرائيل، تتصل بنشاطات الأخيرة في سوريا، خصوصاً غاراتها الجوية، وبالموقف الإسرائيلي من حرب أوكرانيا.

 

قلق إيراني من تحركات خفية

ورأى الباحث غازي دحمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تزايد الأنشطة الإيرانية في الجنوب، ربما يعكس مدى قلق إيران من وجود تحركات خفية يجري التحضير لها بواسطة الأردن وجهات أخرى، مثل قاعدة التنف الأميركية على مثلث الحدود الأردنية السورية العراقية. وأضاف دحمان أن التحركات الايرانية ربما تكون خطوة استباقية تحسباً لمثل هذه التطورات.

 

وكان الجيش الأردني قال، في وقت سابق، إنه يواجه تنظيمات إيرانية تأتمر بأجندات خارجية، وتستهدف الأمن الوطني الأردني. وقال مدير الإعلام العسكري في الجيش، مصطفى الحياري، في مقابلة تلفزيونية على قناة محلية في الـ23 من الشهر الماضي، إن القوات الأردنية تواجه "حرب مخدرات" على الحدود الشمالية الشرقية، حيث شهدت السنوات الثلاث الأخيرة مضاعفة لعمليات التهريب والتسلل.

 

ورأى الحياري أن القوات المسلحة تواجه هذا التهديد بالنيابة عن الشعب الأردني والأردن، وبالنيابة عن دول المنطقة، التي هي أيضاً مستهدفة، وبالنيابة عن دول العالم، حيث أشارت مؤخراً الكثير من التقارير إلى وصول المخدرات التي تُصنع في سوريا إلى الدول الأوروبية.

 

كما يخشى الأردن أن تتطور المواجهات مع "عصابات المخدرات" إلى مواجهة مع المليشيات، سواء التابعة للنظام أم إيران، ما يهدد بتعرض أمن الأردن الداخلي للخطر، عبر تصدير السلاح و"الإرهابيين" إلى الأردن، ما يستدعي حصول عمّان على دعم سياسي واقتصادي من الحلفاء لمواجهة مثل هذه الاحتمالات.

 

ورأى دحمان أن الأردن يحاول الاستثمار سياسياً واقتصادياً في هذا الجانب، من خلال تصوير المعركة ضد المخدرات والمليشيات كمواجهة أشمل، تخص كل دول المنطقة والعالم، لكنه في الوقت نفسه يحرص على ألا يكون في موقع المواجهة المباشرة مع إيران، خصوصاً بوجود ملفات أخرى يتعاون فيها مع طهران، مثل استضافة عمّان، اجتماعات اللجنة الإشرافية المعنية بمتابعة تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين، بين ممثلي الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي، إضافة لخشية الأردن من وضع فيتو إيراني على مشروع الشراكة التنموية بين الأردن ومصر والعراق، ومشروع تصدير الكهرباء إلى لبنان.