الخميس 2021/08/19

ماذا لو انسحبت أمريكا من شرق الفرات في سوريا ؟ !

السيناريو الأفغاني فتح الأبواب على مصراعيها أمام التكهنات بتكراره في كل مكان تحلّ فيه أمريكا محل الحارس الضابط الذي "يحفظ الأمن" ويحمي فئة على حساب فئات تتربص بها، وتنتظر الفرصة للانقضاض على من يحتمي بالأمريكان وعلى الأرض التي يسيطرون عليها.

مناطق سيطرة مليشيات "قسد" مثال ربّما يكون الأقرب إلى أذهان الكثيرين ممن رأوا صورة الطائرة الحربية الأمريكية التي نقلت من كان يعمل مع حلف الناتو من الأفغان، وذلك لأن أمريكا تقف سدّاً في وجه الكثيرين ممن يستطيعون القضاء على هيمنة "قسد" بين ليلة وضحاها، ولاسيما مع كثرتهم، ولو استعرضناهم سنجد فرص البقاء لمليشيات "قسد" وقادتها معدومة، ولاسيما مع قوة القوى المتربصة بها.

تركيا

تعتبر القوة الأولى التي سيكون لها فرصة القضاء على خطر يهدد حدودها ولطالما أرادت بالحرب والسياسة إبعادها عن تلك الحدود وخاضت معارك ضدها ولاتزال، وذلك لأن "قسد" تعتبر ذراعاً لـ "بي كي كي" وإن أصرت على إنكار ذلك، ولكن الواضح للجميع أنها عكس ما تدّعي فهي التي تعتبر الأتراك أعداء وتحاول ما استطاعت أن تهاجم مناطق تدعم فيها تركيا الجيش الوطني السوري، وخلّفت هجماتها مئات القتلى المدنيين، بالإضافة إلى من قُتِل من الجنود الأتراك أو من الجيش السوري الحر.

المساحة المترامية الأطراف التي تحتك بها حدود مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، بالإضافة للحدود التركية الملاصقة للأراضي التي تسيطر عليها مليشيات "قسد" تعطى الأتراك فرصة للتوغل على طول الشريط الحدودي بالإضافة إلى المناطق التي تعتبر نطاقاً لعمليات الجيش الوطني السوري، ما يجعل تركيا المستفيد الأكبر في حال لم تتدخل في ذلك أطراف أخرى ربما تكون قريبة على تركيا سياسياً وليس لديها نزاع معها.

يضاف إلى القوة العسكرية التركية وجود العنصر البشري من عناصر الجيش الوطني السوري، وأبناء الجيش الحر المستعدين لأن يعملوا ما يستطيعونه لقتال مليشيات "قسد" التي حرمتهم بدعم من الولايات المتحدة من السيطرة على مناطق كانوا قد حرروها من سيطرة النظام لينتزعها بعد ذلك منهم تنظيم الدولة.

روسيا

تُعتبر روسيا قوة عظمى بالمنطقة وتسعى بدورها للسيطرة على مناطق سيطرة "قسد" لكونها راغبة في سيطرة النظام على كامل الخارطة السورية، وذلك في وقتٍ تتدخل فيه حالياً في مناطق سيطرة "قسد" كشرطي بدون صلاحيات كبيرة تمنحه القدرة على التصرف مثل الحارس الأمريكي، مع عدم إغفال أنها سعت مؤخراً لتثبيت موطئ قدم لها في شرق الفرات، مستغلة اتفاق "سوتشي" مع الجانب التركي بعد توقف عملية "نبع السلام" ضد "قسد"، ما يعني أن مناطق "قسد" ستكون عرضة للتدخل الروسي الذي سيكون ممهداً لدخول النظام مثلما جرى في تل رفعت ومنبج، وكذلك في منطقة شمال شرقي سوريا بعد عملية "نبع السلام".

إيران

تعتبر إيران متمثلة بمليشياتها على الأرض على طول الساحل الغربي لنهر الفرات الذي يعتبر حداً فاصلاً بين مناطق سيطرة النظام اسمياً عليها، ومناطق سيطرة "قسد"، تعتبر القوة الأكثر اهتماماً بالانقضاض على مناطق سيطرة "قسد" بعد تركيا، وذلك لما ستجنيه من مكاسب ليس أولها النفط، ولن يكون تثبيت حكم الآسد آخرها.

مصادر عدة تحدثت عن تحشيد إيران لأبناء العشائر للانضمام في صفوف مليشياتها لتهيئتهم لساعة تغادر فيها الولايات المتحدة المنطقة، وتمنّي النفس بقرب هذه الساعة، حيث ستفتح أمامها أبواب حدود كبيرة حرمت منها ولم تستطع الاستفادة منها في تثبيت نقاط قوة جديدة في طريقها إلى نصف الهلال الشيعي المار من إيران إلى العراق إلى لبنان عبر سوريا، وتعتبر إيران آبار النفط والغاز في مناطق شرق الفرات غنيمة تخفف الأعباء المادية التي تقع على عاتقها من خلال دعم نظام الأسد في ظل ظروف حصار مطبق عليه ولاسيما مع تنفيذ قانون قيصر، والذي أدى لانهيار الليرة السورية أمام الدولار.

وترى إيران في مليشيات "قسد" ولاسيما المكون العربي فيها، لقمة سائغة وسهلة التجنيد، إذ يسيطر مبدأ "اللا ولاء" إلا للحاكم في المنطقة هو السائد، ولن يؤثر كثيراً على العنصر الذي غيّر أعلاماً ورايات عدة، أن يضيف علماً جديداً على كتفه في سبيل الاستمرار في حالة السيطرة التي عاشها بعد أن كان مسحوقاً من قبل نظام الأسد، ليعود إلى تحت السباط العسكري للأسد عبر تجنيده بمليشيات إيران.

تنظيم الدولة

رغم الإعلان المتكرر عن القضاء عليه إلا أن الواقع على الأرض يقول غير ذلك تماماً، ويؤكد ناشطون من مناطق سيطرة المليشيات الكردية أن الحاكم ليلاً في شرق الفرات ولاسيما ريف دير الزور الشرقي هو التنظيم، إذ لايزال يفرض الزكاة واللباس الشرعي، ويحاسب ويهدد ويقتل كل من يثبت تعامله مع "قسد" عن طريق عمليات الاغتيال التي تنفذها خلاياه وأحياناً في وضح النهار وعلى مقربة من حواجز المليشيات الكردية.

ولعلّ الرعب الذي استفاد منه التنظيم سابقاً في السيطرة على كثير من المناطق دون قتال سيكون عاملاً مساعداً له، ولكن مهمته لن تكون سهلة في ظل وجود المنافسين الآخرين، الذين سيدخلون على الخط بعد انسحاب القوات الأمريكية.

نظام الأسد

ربّما لن يكون أكبر الرابحين ولكنه سيكون أكبر المستفيدين بلا شكٍّ من خروج الأمريكان من المنطقة، ولاسيما المساحة الجغرافية الكبيرة التي تسيطر عليها "قسد" ستصبغ ولو بالشكل بلون علم النظام، وستوضع صورة بشار الأسد على دوائرها بعد أن غابت عنها سنوات، حتى في مراكز يعتبر متنفذاً فيها كالمربعات الأمنية في الحسكة والقامشلي، وسيكون نظام الأسد كعادته ذنباً في هذه المعركة ولكن الإنجازات ستسجل باسمه، وسيستغل ذلك إعلامياً في ظل حاجته لأي أمر يستطيع من خلاله صرف نظر المدنيين بمناطق سيطرته عن الواقع الاقتصادي المرير الذي يعيشونه، في حين لم تؤثر العقوبات الأمريكية على أفراد آل الأسد وذلك لما لديهم من مخزون يستطيع أن يجعلهم يعيشون بحالة البذخ الذي يسمح لأسماء الأسد بالتسوق وشراء ما يحلو لها من لوحات فنية وملابس وأغراض من أجود الماركات العالمية.

"بي كي كي"

في النهاية يأتي دور عصابات "بي كي كي" وأذرعها العسكرية التي ستحاول تثبيت قدم لها ولو في منطقة صغيرة كالقامشلي مع استبعاد ذلك، لقربها من الحدود التركية وكونها منطقة استراتيجية أيضاً بالنسبة لنظام الأسد وإيران وروسيا.

 

العشائر

يستبعد أن يكون لها كلمة أو دور فيما سيجري بالمنطقة وذلك لما تشكل من تجارب سابقة لم يثبت فيها العنصر العشائري وجوده رغم تعاقب القوة المسيطرة على المنطقة.

 

المدنيون

يبقى المدنيون في النهاية الضحية الأضعف والخاسر الأكبر في كل تحرك يهز المنطقة، فهم وإن كانوا غير مؤمنين بمشروع "قسد" ويرفضون انتهاكاتها المتكررة وتمييزها العنصري؛ لكنهم يجدون في العيش بمناطقها التي تحت الحماية الأمريكية وسيلة للتخلص من العيش تحت حكم النظام والمليشيات الإيرانية.