الجمعة 2022/06/03

انكسارات السوريين بين السبب والنتيجة

لم تكن الركلة التي تلقتها السيدة السورية "ليلى" المقيمة في غازي عنتاب التركية، الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة في سياق انكسارات السوريين أينما حلو وكيفما رحلوا. ليس في تركيا فحسب بل في كل أماكن وجودهم، وإن اختلفت الصورة أو المشهد أو الأداة أو الطريقة.

ولا يمكن لعاقل أن يعيب على السوريين تضامنهم وتعاطفهم مع هذا النمط من الحوادث، وبغض النظر عن وصفها بحالات فردية أو في سياقات حدوثها المختلفة، فهي تحمل في مضمونها اعتداءً وانتهاكاً لكرامة المُعتدى عليه وهو الذي فرَّ بكرامته من جحيم الاعتداء بكل أشكاله من بلده الذي صار مرتعاً لاحتلالات كثيرة مباشرة وغير مباشرة، وأسوأ هذه الاحتلالات هو استمرار هذه الطغمة الحاكمة في السلطة وهي تجر على السوريين الويلات والصفعات من كل حدب وصوب.

ومهما حاولنا التحلي بالواقعية السياسية والاقتراب من أرض الواقع الصادمة والتخلي عن شعاراتنا الحالمة بالتحرر والعدالة والعيش الكريم، مستندين إلى تصوراتنا – التي يبدو أنها وهماً – عن حقوق الإنسان ومناصرة المظلوم ضد الظالم والتضامن الإنساني العالمي، لا يمكن لنا ولا يحق لنا أن نرمي اللوم على الملايين من السوريين، ونوجه الاتهام لشعب أكثر من نصفه بين مشرد ومعتقل ومقتول، وحتى لا نفقد صوابنا كما فقدنا حقوقنا علينا أن نعرف السبب الجذري لمشكلاتنا المتراكمة والمتلاحقة.

من أين يبدأ الحل؟

انطلاقاً من القاعدة العلمية بأن لكل مشكلة أكثر من حل ولكل حل ثمن، يمكننا القول بأن التشخيص الدقيق لمشكلة انكسارات السوريين وتعرضهم لكثير من الاعتداءات يقتضي منا أن نحدد السبب الرئيس لكل ما يحدث ولا نخلط بين سبب المشكلة ومظاهرها، وكما يُقال على لسان الأطباء "التشخيص نصف العلاج".

يتلقى السوري الصفعات والركلات في مناطق سيطرة حكم النظام كل يوم وبطرق وأشكال مختلفة، ويعيش انكساراته على طابور الخبز والغاز والمياه والبنزين والديزل وتدني مستوى الخدمات عموماً، ويعاني من ظلم الاعتقال والتعذيب والتضييق على حريته وأنفاسه.

والسوريون في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام ليسوا أفضل حالاً، فهم يعيشون انكساراتهم الخاصة بهم في سياق سيطرة قوى أمر الواقع من غربي سوريا إلى شرقها وشمالها، يواجهون الصفعات من المتحكمين بهم وبلقمة عيشهم وخيرات بلادهم، من فصائل مسلّحة تجنبت مواجهة خصمها الأساسي وهو "قوات النظام ومرتزقته من الميليشيات"، تمارس شهوة الحكم على مجاميع بشرية مُهجّرة قسرياً من جميع أنحاء سوريا، ومن منظمات العمل المدني الإنساني، التي تعتاش على آلامهم واحتياجاتهم وتستخدم حالتهم المزرية في استجداء التمويل لمشاريعها الكرتونية التي لا تصمد أمام عواصف الأمطار وزمهرير الشتاء ولا تقِ من حر الصيف وجفافه، بالإضافة إلى نمو طبقة من الانتهازيين هم شركاء أمراء الحرب يعملون في تجارة المعابر، ولا تختلف سلوكياتهم عن سلوكيات "أبو علي خضر وجزماتي وشاليش ومخلوف".

أما السوري المهاجر واللاجئ خارج الحدود، لربما يتفوق على إخوانه ببعض الشروط المادية للحياة، إلا أنه يعيش انكساراته الخاصة به ووفق سياقات معيشته.

ومن بعض انكسارات السوري في تركيا هي الحالة القانونية غير المستقرة ومشكلة الأوراق وتجديدها ودوامة السيستم، وطابور الانتظار المُهين أمام مقر قنصلية النظام السوري، وحالات الفساد والسمسرة، وكذلك دخول ملف الوجود السوري في مضمار التجاذبات السياسية بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة التركية، وبروز حالات اعتداء متكررة على السوريين أو على مقار عملهم وإقامتهم.

وساهم الكلام المتناقل السلبي على وسائل التواصل الاجتماعي في تعظيم أثر هذه الحوادث في صفوف المجتمع التركي المضيف وفي صفوف السوريين أنفسهم، مما أورث حالة قلق مستمر وشعور بعدم الارتياح والتفكير بحلول بديلة ممكنة لدى السوريين، يترافق ذلك مع حالة انعدام ثقة وانقطاع صلة بين مؤسسات المعارضة الرسمية العاجزة والسوريين عموماً، ونمو طبقة من أدعياء السياسة المنتفعين من نعومة تنظيرهم وآرائهم ومواقفهم التي أول ما تصيب ابن جلدتهم السوري.

وإذا رصدنا حال اللاجئين السوريين في دول الاتحاد الأوروبي فنجد أن لديهم نوعا آخر من التحديات والانكسارات أبرزها: تدني مستوى القبول المجتمعي لوجودهم مع تنامي بروز تيارات اليمين المتطرف، وضعف قدرة الأغلبية منهم على التأقلم والاندماج وفق رؤى الدول التي يقيمون فيها، ومواجهة ما يسمى بـ"الصدمة الحضارية" وهي حالة مركبة من متغيرات اجتماعية ودينية ونفسية وثقافية، تصيب اللاجئ في بداية وصوله بحالة من عدم التوازن وعدم اليقين، يضاف إلى ذلك عدم تطابق تصوراتهم المسبقة وافتراضاتهم مع الواقع الذي وجدوه هناك.

ويتزامن ذلك مع غياب تام لأي نشاط سياسي منظم لمؤسسات المعارضة السورية الرسمية من أجل تعزيز ومساندة عدالة قضية السوريين، ويقتصر الأمر على جهود فردية للناشطين والمهتمين والمؤثرين والباحثين، وفيها كثير من الإبداع والتميّز، ولكنها تظل فردية وصداها مؤقت.

ما هو العامل المشترك فيما سبق؟

العامل المشترك بين كل الانكسارات التي يعيشها الشعب السوري وهو الذي يجسد السبب الأساسي وراء كل مصائبه، هو وجود نظام حكم مستبد، تسبّب في تشظي المجتمع ودفعه بالقوة ليفرز هذه المجاميع البشرية بين نازح داخلي ومهجّر قسري ولاجئ، في سبيل الحفاظ على سلطته في حكم سوريا ونهب مواردها وخيراتها. وكل ما عدا ذلك هي مظاهر وارتدادات ونتائج وليست أسبابا للمشكلة.

أين ينتهي الحل؟

ينتهي الحل عندما تتم معالجة السبب الأساسي للمشكلة، وذلك بالتوصل لحل واقعي وتسوية حقيقية من خلال الدول الفاعلة في ملف القضية السورية وبمشاركة سوريين فاعلين لم تلوثهم مصالحهم الخاصة ولا مشاريع الدول المرتبطين بها.

وهذا الحل يقضي بإزالة هذه الطغمة الحاكمة وإتاحة السبل الكفيلة بعودة السوريين إلى ديارهم آمنين وبكرامتهم، وهذا الحل لن يأتي عبر اجتماعات اللجنة الدستورية وهيئة التفاوض، ولا كواليس جنيف التي تبيع الوهم للسوريين وتهدر أعمارهم في بلاد الاغتراب.

وفي الختام كل صفعة يواجهها سوري وكل حالة انكسار هي وصمة عار وذل على جبين مغتصبي السلطة في سوريا، هذا إن بقي لديهم جبين، وفي أعناق ممثلي المعارضة الرسمية إن بقي في أعناقهم مساحة.

 

المصدر: تلفزيون سوريا