الأحد 2020/03/08

نفط دير الزور.. من مخابرات الأسد إلى “هفالات” ب ي د

في عهد الأسد الأب والابن:

قبل اندلاع الثورة السورية كانت شركات النفط مرتعاً للأسد والمقربين منه، إذ كان معظم المتحكمين والقائمين على آبار النفط من المدعومين مخابراتياً وذلك لتحقيق السيطرة التامة على مقولة (النفط بأيادٍ أمينة) والتي كان ينقصها تتمة ( ولاحق لأحد في السؤال عن عائداته).

أضرار النفط الصحية والجيولوجية كلها دفع ثمنها أهالي المنطقة التي تقع فيها آبار النفط فالهواء الملوث والدخان المنبعث من حقول النفط لم يكن له مكان سوى رئة المواطن الديري، ما أدى لانتشار أمراض لم تكن مستوصفات قرى وبلدات دير الزور أهلاً لعلاجها، بل على العكس تماماً.. كانت لتجيير أمراض ناتجة عن النفط ومخلفاته وآثاره إلى أي شيء آخر كالتخلف والجهل وقلة النظافة والاهتمام بالصحة وهو ما يروج له نظام الأسد منذ تولي حافظ الأسد حكم سوريا.

(خ . ع ) موظف سابق في شركة الفرات للنفط قبل اندلاع الثورة رفض الكشف عن اسمه لأسباب تخص سلامته وأسرته من سطوة النظام قال: "كان العلويون مسيطرين تماماً على كل المفاصل المالية في الشركة، ويديرون عمليات نقل النفط والمدخلات والمخرجات المالية كلها بيدهم ولا يمكن لأحد أن يتدخل فيها، وهم مدعومون من عناصر المخابرات في الفروع الأمنية بدير الزور، وتقام بشكل شبه يومي سهرات السكر والعربدة في مكاتبهم الواقعة بريف دير الزور الشرقي بمنطقة الجزيرة".

وأضاف أن أبناء المنطقة الشرقية وتحديداً أبناء دير الزور توكل إليهم المهمات التي تحتاج لجهد عضلي ويتحمل العامل فيها أخطاراً صحية نتيجة احتكاكه المباشر بالنفط، وهي الأكثر خطورة إذ توفي العديد من العمال الديريين بسبب حرائق تدلُّ على أن العامل يتعرض للموت في سبيل لقمة العيش دون أدنى مراعاة لظروف السلامة على عكس مايكون الوضع فيه لأصحاب الواسطات والأجانب.

 

سيطرة الثوار وجبهة النصرة والعشائر على نفط دير الزور:

 

أما بعد الثورة وسيطرة الثوار على حقول النفط فقد وصفت بالفترة بالذهبية إذ استفاد معظم أبناء المناطق المحيطة من النفط من خيرات أراضيهم ولكنّها في ذات الوقت شهدت أخطاءً كان على رأسها تحكّم بعض الفصائل فيه ولاسيما "جبهة النصرة" على بعض الآبار واستيلاء بعض العشائر على آبار أخرى ولم يشترك كل أبناء العشائر في جريمة الاستيلاء على النفط بل رفضوا العمل فيه أو أخذ أي مال تدره آبار النفط.

كما شهدت هذه الفترة مواجهات بين فصائل الثوار للسيطرة على النفط، واستحواذها عليه بالكامل دون توزيع العائدات على بقية الفصائل الثورية المقاتلة في دير الزور، بحجة أنّ النفط من حق الفصيل المسيطر عليه.

 

تنظيم الدولة وآبار النفط:

نفط دير الزور أسال لعاب تنظيم الدولة وكان بمثابة خزان مالي للتنظيم كي تقوى شوكته مادياً ما يعني زيادة قوته العسكرية، وكان له ذلك بعد سيطرته على ديرالزور، وعيّن بعد إحكام السيطرة على المنطقة أشخاصاً برتبة وزراء للإشراف على المصدر الرئيسي المعلن لتمويله.

وعلى خطا الأسد.. كان النفط في زمن التنظيم تابعاً بالاسم للمحافظة والمدنيين أما عاداته والثروات الطائلة التي تأتي من ورائه تعود لقيادات التنظيم ولا يستطيع أحد السؤال عنها أو المناقشة والمطالبة فيها.

"ب ي د" أسوأ من أدار حقول نفط دير الزور:

انتهت سيطرة تنظيم الدولة على آبار النفط أولاً قبل أن تنتهي سيطرته على المدن والقرى والبلدات المحيطة به وذلك لأن سياسة المليشيات الكردية والتحالف الدولي كانت تعتمد على تجفيف منابع تمويل التنظيم فبدأت العمليات القتالية بدير الزور أوائل 2017 لتتساقط آبار النفط بيد التحالف و"ب ي د" تباعاً بداية بالحقول الواقعة في ريف دير الزور الغربي وصولاً إلى حقول النفط في منطقة الشعيطات ولعلّ أكبر مكسب لـ "قسد" في تلك المرحلة هو سيطرتها على حقل العمر ومعمل غاز كونيكو شرق دير الزور.

بعد سيطرة مليشيات "ب ي د" على منطقة الشامية بريف دير الزور عموماً وإحكام قبضتها على آبار النفط سملت إدارتها المالية للأكراد دون أن تأخذ بعين الاعتبار أي شهادة أو خبرة لأبناء المنطقة الذين يعملون في هذه الحقول والآبار منذ سنوات.

أصبحت حقول النفط في زمن سيطرة "قسد" أشبه بالثكنة العسكرية والعاملون فيها هم أشبه بالجنود الذين يتعرضون للضرب والشتم والسجن من قبل المسؤولين الأكراد عن هذه الآبار.. هذا ما قاله (ع . أ) الذي يعمل في حقل العمر النفطي ورفض الكشف عن اسمه خوفاً من بطش "ب ي د" به، واستدلّ على كلامه بأن المدعو "هفال إبراهيم" الذي يدير شؤون حقل العمر النفطي وبّخ مهندساً للنفط من أبناء المنطقة أمام العمال وتلفّظ بألفاظ نابية عليه وشتمه ولم يستطع المهندس وصاحب الشهادة الردَّ عليه خوفاً من الاعتقال والتعذيب الذي يتعرض له كل من يحاول أن يرفع عينه في وجه "الجلاد أو الهفال إبراهيم".

يضيف (ع . أ) بحسرة: ساعات العمل طويلة جداً ومليئة بالشتائم والاحتقار من قبل "هفال إبراهيم" الذي أصبح كابوساً يطاردني حتى في المنام، وأشار إلى أن الراتب الشهري لعمال النفط 150 ألف ليرة سورية أي أقل من 150 دولاراً تقريباً، وهو غير متناسب مع الجهد المبذول والأخطار التي نتعرض لها خلال العمل.

وعند سؤالنا له عن دور القوات الأمريكية وما إذا كان بإمكانها مساعدة العمال وردّ الظلم عنهم من قبل عناصر "ب ي د" الأكراد أجاب أن القوات الأمريكية لا تتدخل نهائياً في عملنا وليس من المسموح لنا الاحتكاك أو التحدث معهم، وتقتصر مهمتهم على حماية أنفسهم في المنطقة.

ختم ( ع . أ ) بالقول "كنا نظنّ أن وضع العمل سيتحسن بعد ما رأيناه من ظلم على يد من سيطروا سابقاً على النفط في دير الزور.. لكننا لم نر حتى اليوم ظلماً كالظلم الذي يمارس علينا اليوم من قبل مليشيات "ب ي د".