الثلاثاء 2019/04/09

لماذا تصر موسكو على إعادة أطفال مقاتلي تنظيم الدولة إلى بلدانهم؟

بقلم: سامويل راماني

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


تعهد الزعيم الشيشاني، رمضان قديروف، في 31 آذار/ مارس الماضي بإعادة جميع الأطفال الشيشان الذين قاتل آباؤهم لصالح تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا. يعتبر قديروف حليفا مقربا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. جاء هذا القرار بمثابة تأكيد للانتقاد العلني الذي وجهته وزارة الخارجية الروسية للدول الغربية الرافضة لهذه السياسة. إذ تصر روسيا على أن إعادة أطفال مقاتلي تنظيم الدولة السابقين من مراكز الاحتجاز في سوريا هو التصرف الصحيح.

لماذا تصر روسيا على القيام بهذا الأمر؟

يمكن لأطفال مقاتلي تنظيم الدولة العائدين إلى أوطانهم، والذين لُقّنوا إيديولوجيا تنظيم الدولة وفقدوا أفرادا من عائلاتهم بسبب التدخل العسكري الروسي في سوريا، أن يشكلوا تهديدا على أمن روسيا في الداخل على المدى الطويل. يدرك الروس هذا الأمر بشكل جيد فقد عانت البلاد العديد من الهجمات الإرهابية خلال العقد الماضي.

يركز البحث الذي قمت به على الكيفية التي يتخذ بها الساسة الروس قرارتهم حول التدخل الروسي في سوريا، ويسلط هذا البحث الضوء على بعض الاستنتاجات.

يسعى الساسة الروس إلى إضفاء طابع الإنسانية على بلادهم وتصويرها كدولة لها مساهماتُها في السياسات الدولية المتعلقة بحقوق الإنساني. إن الهدف من هذا هو تمكين روسيا من استعادة موقعها كدولة عظمى.

إظهار اهتمام روسيا بحقوق الإنسان:

على الرغم من انتشار الاستبداد في روسيا منذ انتخاب بوتين لأول مرة عام 2000، فقد حاولت الحكومة الروسية التأكيد على اهتمامها بمجال حقوق الإنسان في المنتديات الدولية. فعندما انسحبت الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة العام الماضي، أعلنت روسيا ترشحها لتولي المنصب.

قوض الدعم الذي قدمته روسيا لبشار الأسد من مصداقيتها في مجال حقوق الإنسان. يقول مراقبون حقوقيون إن موسكو قد قتلت ما لا يقل عن 18 ألف مدني سوري خلال الغارات الجوية التي شنَّتها، كما تستّرت على استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية على شعبه. منعت هذه الادعاءات روسيا من المشاركة في الانتخابات العضوية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2016 وأثرت على صورتها في المجتمع الدولي.

ردا على ذلك، أكدت روسيا أن سياستها الخارجية لها طابع أخلاقي وأنها تهتم بملف حقوق الإنسان. في أواخر عام 2017، أشاد بوتين بجهود موسكو لإعادة أطفال مقاتلي تنظيم الدولة إلى موطنهم واعتبر الأمر "مشرفا"، كما اعتبر هؤلاء الأطفال غير مسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت من طرف عائلاتهم.

عزز ألكساندر بورتنيكوف، مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، "فسب"، من القضية الأخلاقية التي يحاول بوتين تسويقها عبر القول بأنه خلال إعادة أطفال مقاتلي تنظيم الدولة إلى بلادهم، فإن روسيا تحول بينهم وبين تحولهم إلى انتحاريين أو إرهابيين. كما أكد أن الحكومة الروسية تستطيع إعادة دمج هؤلاء الأطفال في المجتمع الروسي، وسهّلت عمليات التبني، لتشجيعهم هؤلاء الأطفال على الابتعاد عن التطرف.

أثنى العديد من الصحفيين والحقوقيين على سياسة روسيا الخاصة بإعادة توطين أطفال مقاتلي تنظيم الدولة. فقد أثنت تانيا لوكشينا، مديرة برنامج "هيومن رايتس ووتش" في أوروبا وآسيا الوسطى، على روسيا مؤخرا لبذلها المزيد من الجهود لإعادة أطفال مقاتلي تنظيم الدولة إلى وطنهم مقارنة بالدول الغربية، كما أشادت بهذه الخطوة وسائل إعلام في العالم العربي، انتقدت في السابق السياسة الروسية في سوريا.

استخدمت موسكو هذا الثناء لتقديم نفسها كداعم لحقوق الإنسان، وللمساعدة في تعزيز موقعها كمفاوض رئيسي في عملية السلام بسوريا، وذلك من خلال محادثات السلام في كل من أستانا وسوتشي.

تقدم روسيا نفسها كلاعب أساسي في السياسة الدولية بخصوص المساعدات الإنسانية، من خلال إعادة أطفال مقاتلي تنظيم الدولة الموجودين في كل من العراق وسوريا، تحاول روسيا المساعدة بشكل نشط في صياغة السياسة الدولية بخصوص المساعدات الإنسانية. على الرغم من أن العقوبات الغربية والركود الاقتصادي حالا دون أن تصبح هذه الأخيرة جهة مانحة رئيسية للمساعدات الإنسانية، فإنها لا تزال تحاول التأثير على سياسة المساعدات الإنسانية الدولية من خلال اتخاذ مواقف بشأن قضايا حقوق الإنسان التي تميل الولايات المتحدة إلى التقليل من أهميتها أو تجاهلها.

على سبيل المثال، خلال العام الماضي، باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ضغطت روسيا على السعودية لإنهاء الحصار الذي تفرضه على مدينة الحديدة اليمنية. كما حاولت بدء مباحثات ثنائية مع القوى الغربية حول الاستثمار في مساعدة الأسد على إعادة بناء سوريا. لكن هذه الجهود لم تنجح في كل مرة. لم يكن لروسيا تأثير كبير عندما توصلت الحكومة اليمنية، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى اتفاق مع الحوثيين لوقف الأعمال القتالية، تحت ما أطلق عليه اتفاقية ستوكهولم. رفضت الولايات المتحدة اقتراح موسكو لإعادة الإعمار، لكن إعادة أطفال مقاتلي تنظيم الدولة إلى الوطن يتيح لروسيا فرصة الاستمرار في تقديم نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة.

في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، التقى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بآنا كوزنتسوفا، مفوضة الرئيس الروسي لحقوق الطفل، حيث توصل إلى اتفاق مع موسكو يقضي بفصل "القضايا الإنسانية" عن "الجرائم الإرهابية". جعل هذا الاتفاق من روسيا الدولة الوحيدة التي تعمل مع كل من سوريا والعراق على إعادة أطفال مقاتلي تنظيم الدولة وجعل من موسكو لا غنى عنها في حل معضلة إنسانية حاسمة بعد الصراع.

في الوقت نفسه، يقوم الرئيس الأمريكي ترامب بالضغط على الدول الأوروبية لإعادة مقاتلي تنظيم الدولة السابقين إلى بلدانهم، حتى تتمكن الولايات المتحدة من تسريع انسحابها من سوريا. على الرغم من أن روسيا قد حصرت عمليات إعادة التوطين على أطفال المقاتلين السابقين في تنظيم الدولة، إلا أن موسكو تعتبر إخلاء مراكز الاحتجاز التي تديرها "قوات سوريا الديمقراطية" الخطوة التالية في مخططها، وترى أمر توليها لهذه المهمة وسيلة للحصول على اعتراف كبير من الولايات المتحدة.