الأربعاء 2018/12/26

ليس “ب ي د” فقط.. هؤلاء أيضاً تلقوا صفعة الانسحاب الأمريكي

إذا كان الرابحون من الانسحاب الأمريكي من سوريا، إن تمَّ "كُثراً"، فإن الخاسرين كثرٌ أيضاً، إذْ شكل الانسحاب ثمرةً وفرصة للبعض وضربةً قاصمة ونكسة للبعض الآخر، في مقدمة الرابحين ستكون تركيا تليها روسيا وإيران ونظام الأسد، كلٌ يرى في الانسحاب أنه أزاح عنه هماً ثقيلاً، فتركيا ترى به أن أيام "ب ي د" باتت معدودة، وهؤلاء يعتبرون القوات الأميركية العثرةَ الأكبر في طريق السيطرة على الخارطة السورية، ويتصدر الخاسرين بالطبع المليشيات الكردية والأذرع التابعة لها، إضافة إلى الدول التي كانت تدعمها سراً وتعول عليها لأحقاد وعداوات لجهات محددة.

"إذا كانت تريد بقاءنا فعليها أن تدفع".. ذلك هو التصريح الذي أدلى به الرئيس الأمريكي قبل شهور مخاطباً السعودية، معلناً أنه سيسحب قوات بلاده من سوريا، ويطالبها بأن تدفع التكاليف إن كانت تريد بقاء القوات لمواجهة إيران، وبالفعل حصلت صفقة بين السعودية وترامب تراجع على إثرها الرئيس الأمريكي عن قرار الانسحاب، أي إنّ ترامب حصل بالفعل في ذلك الوقت على المال المطلوب من السعودية وحليفتها الرئيسية الإمارات لتمويل القوات الأمريكية على المدى البعيد، خاصة أن ابن سلمان طالب بأن تبقى القوات الأمريكية لفترة أطول.

قد يختلف سببُ بقاء القوات الأمريكية في سوريا بالنسبة لواشنطن من جهة، والرياض وأبو ظبي من جهة أخرى، فالأولى على سبيل المثال كانت تريد من البقاء "وفق ما تقول" محاربة تنظيم الدولة والتوصل لحل سياسي، أما بالنسبة للأخيرتين، فلا يخفى محاولتهما العبث بالأمن القومي التركي من خلال دعم مليشيا "ب ي د" الكردية الانفصالية الذارع السوري لمليشيا "ب ك ك" عدو تركيا الأول، إلى جانب اتكالهما -وخاصة الرياض- على واشنطن في سبيل مواجهة إيران ومنع تمدُّدها.

أدراج الرياح ذهبت الأموال التي قدمتها السعودية والإمارات للولايات المتحدة في سبيل بقاء قواتها في سوريا، كما قدمتا دعماً مالياً للمليشيات الكردية في سوريا بهدف تشكيل "جيش الحدود" على حدود تركيا نواته مليشيا "ب ي د"، وكان هناك حراك سعودي إماراتي واسع في المنطقة كالزيارات التي قام بها مسؤولون سعوديون وإماراتيون إلى مناطق في الشمال الشرقي لسوريا التقوا خلالها بقياديين من "ب ي د"، وكان يعول حلف "أبو ظبي الرياض" على الوجود الأمريكي لمواصلة الكيد ضد تركيا على مواقفها من القضايا التي تتعارض مع التوجهات التي تنتهجانها، ووجدا في ترامب خيرَ معين لهما في الوصول إلى تلك الخطوة، لكن غاب عنهما في الوقت نفسه أنه لا توجد ثوابت لدى الرئيس الأمريكي خاصة مع عدم تراجع تركيا خطوة واحدة إلى الوراء عن موقفها من الدعم الأمريكي للمليشيات الكردية في سياسة ظلت أنقرة ثابتة عليها رغم كل المحاولات العربية الأمريكية الأوروبية التي أرادت الصلح بين الطرفين والتوصل إلى صيغة تفاهم مشتركة تجعل من "ب ي د" جزءاً من المكون السياسي في سوريا، ولعل ذلك ما دفع ترامب خلال المكالمة التاريخية مع أردوغان إلى التوصل إلى تفاهم حول الانسحاب؛ نواته الاعتماد على الدعم التركي في مواجهة تنظيم الدولة الحجة الأكبر للمليشيات الكردية في تلقي الدعم الغربي والعربي في سبيل تأسيس المشروع الانفصالي رغم تعثره مرات ومرات بسبب الخطيئة نفسها، ولم يبالِ ترامب بما سيجره قراره من تداعيات على المستوى الداخلي الأمريكي والتي بدأت باستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس تبعها مبعوث التحالف بسوريا بريت ماكغورك وربما يلحق بهم آخرون، ومن غير المتوقع أن يبالي ترامب بذلك خاصة أنه يرى بالقرار تطبيقاً لوعد انتخابي قطعه على نفسه خلال الحملة الانتخابية، لكنه تأخر في اتخاذه لابتزاز دول معينة وتحصيل ما أمكن من خزائنها، وهذا ما تم بالفعل.

لسنا في معرض انتقاد المليشيات الكردية في اعتمادها على واشنطن، فمثل ذلك المصير كان متوقعاً في يوم من الأيام كما حصل مع جميع تجارب الانفصال السابقة، لكننا نشير إلى تداعيات الانسحاب بالنسبة لأعداء وأصدقاء "ب ي د"، ونبين أن السياسة التركية تختلف جذرياً عن نظيرتها السعودية الإماراتية، فبينما تجد في الأولى الثبات تجاه قضايا معينة، تجد في الثانية التقلب الفج، ولاسيما في الملف السوري. تحوّلت الإمارات إلى داعم حقيقي لإيران من خلال دعم بشار الأسد بشكل سري، كان آخر ذلك زيارة وفد اقتصادي إماراتي إلى دمشق مؤخراً، بهدف إقامة مشاريع استثمارية جديدة في المرحلة المقبلة، بالتزامن مع نية أبو ظبي إعادة فتح سفارتها بدمشق، ينطبق الحال أيضاً على السعودية، فهي دعمت "ب ي د" عدو الجيش الحر الذي كانت تدعمه سابقاً لغايات معينة، غير أن التحول الأكبر في الموقف، كشف عنه ترامب في تغريدة قال فيها إن السعودية وافقت على تمويل إعادة إعمار سوريا، فتحت أي مظلة يا تُرى ستعيد السعودية الإعمار بعد رحيل أمريكا وبوجود إيران الطويل الأمد وعدم تحقق أي غاية أرادتها بأموالها التي أنفقتها بسوريا؟.