الخميس 2018/11/29

واشنطن بوست: حرب أمريكا المنسية في سوريا

بقلم: آدم تيلور

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


تخوض الولايات المتحدة اليوم حربا في سوريا، وعلى الرغم من أنها موضع جدل قانوني، إلا أنها حرب حقيقية. وتقدر أعداد القوات الأمريكية التي تم إرسالها إلى سوريا على مدار العام الماضي بين 500 إلى عدة آلاف من الجنود.

من الناحية النظرية، على الأقل، فإن وجود القوات الأمريكية في سوريا جاء بهدف هزيمة تنظيم الدولة، وهي جماعة متطرفة كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق خلال السنوات الأخيرة الماضية، وقامت بعد ذلك بتنظيم وشنّ هجمات إرهابية في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية. تزعم الحكومة الأمريكية اليوم أنها على وشك القضاء على هذا التنظيم بشكل كامل.

ومع ذلك، فقد أعلنت إدارة ترامب أن القوات الأمريكية ستبقى في سوريا إلى أجل غير مسمى. فهل يعني هذا أن العدو لا يزال يشكّل خطرا؟ أم إن المهمة العسكرية هناك قد تجاوزت القضاء عليه؟ في هذه الحالة، قد يكون الجواب كليهما معاً.

فقَد تنظيم الدولة تقريباً جميع الأراضي التي كان يسيطر عليها عندما كان في أوج قوته بين عامي 2014 و2015. وهذا يرجع بشكل كبير إلى التدخّل العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة، وخاصة استخدام القوة الجوية الأمريكية، التي بدأت مع إدارة أوباما واستمرت مع إدارة ترامب الجديدة. نجاح كلّف حياة العديد من المدنيين، وفقا لعدة منظمات كمنظمة العفو الدولية.

على الرغم من الخسائر التي تكبّدها تنظيم الدولة إلا أنه لم يسقط بعد؛ فحسب ما جاء في تقريرين فإن أعداد مقاتليه اليوم تفوق 30 ألف مقاتل بين كل من سوريا والعراق. كما إن هناك بعض الأدلة التي تُظهر أن عملياته العسكرية لم تتوقف أيضاً.

إذ يُعتقد أن مقاتلي تنظيم الدولة هم من قاموا بقتل العشرات من المقاتلين الذي تدعمهم الولايات المتحدة في دير الزور خلال نهاية الأسبوع الماضي. تقع محافظة دير الزور شرق سوريا، وتعتبر من بين المعاقل القليلة المتبقية تحت سيطرة هذه الجماعة. أعربت عدة أقليات سورية، كالدروز، عن قلقها من قيام تنظيم الدولة بإعادة تجميع صفوفه في المناطق النائية من البلاد. وفي هذا العام، عاد تنظيم الدولة للظهور من جديد في عدة أجزاء وسط العراق عبر القيام بموجة من عمليات الخطف والاغتيالات.

لا يمكن اعتبار هذه التطورات أمراً مستغرَباً؛ فقد حذّر العديد من الخبراء من قدرة المجموعة على الاحتفاظ بقوتها لسنوات، حتى بعد خسارة كلّ المناطق التي كانت تسيطر عليها. لم تُلقِ الولايات المتحدة بالاً لهذه التحذيرات، وكانت قد باشرت بالتحرُّك نحو تحقيق أهداف أخرى -لا يمكن اعتبارها تكميلية- في سياستها الخارجية.

في كانون الثاني / يناير الماضي، قام وزير الخارجية آنذاك، ريكس تيلرسون، بعرض رؤية موسّعة للأهداف الأمريكية في سوريا قائلاً "لا تزال هناك العديد من التهديدات الاستراتيجية ضد الولايات المتحدة عدا تنظيم الدولة؛ إنني أتحدث بشكل رئيسي عن إيران"، مشيرا إلى أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا لا يخضع لجدول زمني محدد.

رحل تيلرسون لكن تركيز الولايات المتحدة زاد على إيران. فـ"جون بولتون"، الذي يشغل منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض منذ نيسان/ أبريل الماضي، من أشدّ المُعادين لطهران. بعد أسابيع قليلة من تولّي هذ الأخير منصبه، أعلن ترامب أنه سينسحب من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع إيران في عهد الرئيس باراك أوباما. وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أخبر الصحفيين خلال لقاء له في مدينة نيويورك، أن الولايات المتحدة لن تغادر سوريا "طالما أن القوات الإيرانية، التي تشمل وكلاء ومليشيات تابعة لها، خارج الحدود الإيرانية".

لا تُفصح الحكومة الأمريكية عما تفعله في سوريا، حتى عندما تقع حوادث مروّعة مثل إطلاق النار الذي حدث مؤخرا على أحد مشاة البحرية الأمريكية من قبل أحد جنود حليفها السوري. قام سيث هارب، وهو كاتب في صحيفة "نيويوركر"، بزيارة أكبر القواعد الأمريكية في سوريا، والتي تفوق مساحتها 500 هكتار مربع، أي ما يعادل مساحة مدينة موناكو، والتي قد تظن أنها قطعة مصغرة عن أمريكا لكن هذه المرة على الأراضي السورية.

قال أحد أفراد الحرس الوطني الأمريكي: "لا شيء مختلفاً هنا، قد نتدّرب هنا أو في الكويت أو تكساس أو ميسيسيبي، كل الأماكن تبدو متشابهة".

لا أحد يعرف إلى متى ستظل القوات الأمريكية هناك ولا شك في أن وعود ترامب بالقضاء على تنظيم الدولة، ومن ثم سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، قد ساعدته بالفوز في انتخابات عام 2016. فمنذ ذلك الحين، لم يفوِّت أي فرصة للتشدُّق بنجاحات الحرب، حيث قال خلال لقاء له مع وكالة "أسوشيتد برس" في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي: "لقد هزمنا تنظيم الدولة في كل المناطق التي قاتلناهم فيها وهو أمر لم يكن ليحدث أبداً في عهد الرئيس أوباما".

لكنه أكد أيضا بقاء الولايات المتحدة في سوريا بالمستقبل المنظور، مضيفاً.. "سنرى ما سيحدث".

كان سحبُ التمويل المخصص لإعادة بناء المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة في السابق، أقوى خطوة قام بها ترامب عقب الاحتجاج الذي تلا إعلانه بقاء القوات الأمريكية في سوريا إلى أجل غير مسمى، خطوة لا يمكن اعتبارها بداية لانسحاب الولايات المتحدة بشكل كلي من سوريا.

من خلال تعزيز جهودها حول الملف الإيراني قبل هزيمة تنظيم الدولة بشكل كلي، فإن الولايات المتحدة تضع نفسها أمام معيارين متناقضين لتحقيق النصر، الأمر الذي قد يعني فشلها في القضاء على تنظيم الدولة وتوسيع نطاق حربها المَنسية في سوريا.