الخميس 2018/08/02

لهذا يشحذ الأسد سكينه بانتظار اللاجئين

من يعتقد أن نظام الأسد يمكن أن يتغير ويبدّل نهجه الإجرامي فلا بد له من زيارة طبيب عقلي.

بعد أن استطاعت روسيا دفن أحلام السوريين تحت أنقاض ملايين الأطنان من صواريخها وقنابلها المحرمة، تسعى اليوم للانتقال من "رعاية الحرب" إلى "رعاية السلام"، ولا سيما أن غريمتها التقليدية "واشنطن" قدمت لها زمام الملف السوري تديره كما تشاء، والأمر لم ينطلق من قمة هلسنكي كما يعتقد بعضهم، بل إن التخلي الأميركي عن سوريا بدأ فعلياً في 30 أيلول 2015 حين زجّت روسيا طائراتها وبوارجها في سوريا بذريعة "مكافحة الإرهاب" دون أي اعتراض فعلي مؤثر من قبل إدارة أوباما.

ذكرنا في مقالات سابقة أن موسكو تتطلع اليوم إلى جني ثمار تدخلها المكلف لصالح الأسد، ولن يتحقق ذلك من خلال اقتصادها أو من خلال الاقتصاد المحلي المُنهك في سوريا، فكان لا بدّ من التفاوض مع الغرب حول "إعادة الإعمار" التي ستعود بالمليارات على روسيا، ويبدو أن صفقة ما دارت بين الطرفين تتضمن تنازل الغرب عن شرط "تنحي الأسد" مقابل تكفل موسكو بحل أزمة اللاجئين.

تروّج روسيا هذه الأيام لما تسمّيه "عودة آمنة" للاجئين السوريين من دول الجوار، كمرحلة أولى قبل انتقال مندوبيها إلى أوروبا للغرض نفسه، بذريعة أن الحرب على الإرهاب انتهت، ودواعي اللجوء قد زالت.

يبدو حديث روسيا المعسول حول تقديم ضمانات لعودة اللاجئين في الحدّ الأقصى من العجائبية، إذ إن المسؤولين الروس يتعاملون مع الموضوع، وكأن جرائمهم وجرائم حليفهم الأسد، مرّت عليها عشرات السنوات وباتت طيَّ النسيان، والمثير للسخرية، أنه في الوقت الذي تدعو فيه روسيا اللاجئين "للعودة الآمنة"، بدأ نظام الأسد بنشر قوائم تتضمن وفاة آلاف المعتقلين في سجونه تحت التعذيب!.

ربما تنطلي خدعة "العودة الآمنة" على اللاجئين الذين يعتقدون أن الحرب في سوريا قد انتهت فعلياً، وأن عقلية آل الأسد ووكلاءهم يمكن أن تتغيّر في يوم من الأيام، لكن النتيجة المحتومة لعودة اللاجئين لن تكون سوى صورة أكثر سوداوية مما مر به السوريون خلال ثماني سنوات، فالنظام الذي تفنن في القتل والتعذيب والتنكيل في أشد لحظات ضعفه لن يكون بعد تحقيق ما يعدُّ "نصراً عسكرياً"، سوى وحش اعتادَ الولوغ بالدماء، فكيف إذا استفرد بمن اعتبرهم طيلة السنوات الماضية جزءاً من الدعاية ضده؟

اللاجئون في عقلية العصابة الأسدية الحاكمة وبحسب ما جاء في تصريحات قائد العصابة أو مسؤولين فيها نوعان: إرهابيون أو هاربون من أداء واجبهم، ولا يمكن نسيان ما قاله بشار الأسد في خطابه شهر تموز 2015، الذي قرّر فيه أن الأرض لمن يدافع عنها، إضافة إلى نظرية "المجتمع المتجانس" التي أطلقها عام 2017.

لماذا ينتقم الأسد من اللاجئين ويريد عودتهم؟

في واقع الأمر من يريد عودة اللاجئين هي روسيا وليس نظام الأسد، فالنظام كما أسلفنا يرى اللاجئين عبئاً عليه من حيث إن بينهم "إرهابيين"، ومن حيث إنهم يؤثرون في طبيعة "التجانس" الذي أراده.. التجانس الذي يعني مجتمعاً صامتاً يعتبر القليل من خدمات النظام مكاسب، ولا يفكر بأي حال من الأحوال بالتمرد أو الاعتراض على القرارات.

اللاجئون سيغيّرون طبيعة ما أراده بشار الأسد، صحيح أن بعضهم عاش في المخيمات طيلة سنوات، لكن من عاش في أوروبا أو تركيا بظروف أفضل بكثير من ظروف سوريا..كيف سيتكيف مع الواقع؟ سيرى أنه عاد بطبيعة الحال إلى الفوضى والنيران التي هرب منها، إضافة إلى بلد ارتفع فيه مؤشر الفساد بنسب غير معقولة.

النظام يعي أن هؤلاء يفكرون بهذه الطريقة، ولذلك لا يناسبه هو أيضاً أن يعودوا، فروسيا تلهث وراء إعادة اللاجئين لمصالحها، بينما مصلحة نظام الأسد أن يبقي عنده بضعة ملايين "من الخراف" يستطيع حكمهم وسياستهم كما يشاء، ولهذا سيكون انتقام الأسد من اللاجئين مضاعفاً بطبيعة الحال:  لأنهم – بطبيعة الحال- ضد استمراره بالحكم أولاً، ولأنهم أفسدوا عليه مخططه البعيد ثانياً.

إيران ضمنياً ضد عودة اللاجئين:

كراهية عودة اللاجئين ليست موقفاً لنظام الأسد فقط، فإيران التي طالما عملت على تفريغ مناطق كاملة من سكانها، تريد كذلك مجتمعاً تستطيع فيه نشر التشيع وإكمال مشروعها الطائفي الكبير.

السوريون الذين تستطيع إيران الوصول إليهم اليوم، تدفعهم الحاجة والخوف إلى الانضمام لصفوف المليشيات الشيعية، وهذان البندان غير متوفرَين غالباً في نوعية اللاجئين – المفترضة عودتهم -، ولهذا فهي تلتقي مع نظام في أنها مجبورة على تقبل فكرة عودة اللاجئين؛ بغية الحصول على أموال إعادة الإعمار، وبعدها ستتفرغ لنشر مذهبها بحد السيف تارة وببرق الأعطيات تارة أخرى.

هذا الكلام يفسر بالضبط ما جاء على لسان بشار الأسد حول اللاجئين، ويفسر كذلك ما كرره مسؤولون في نظامه اعتبروا أن من "فرّوا" من البلاد لا يستحقون العيش فيه. ومن ينسى عبارة الضابط الهالك "عصام زهر الدين" الذي قال للسوريين بصيغة الوعيد والتهديد: "نصيحة من هالدقن لا ترجعوا". ؟!

نعم.. سيسمع الغالبية العظمى من السوريين نصيحة "عصام"، ولن يقتنعوا بالوعود الفارغة التي تطلقها روسيا، لأنهم يعرفون مصائرهم من خلال قوائم الموت التي ينشرها الأسد يومياً لآلاف قتلهم في مسالخه البشرية، ولعلها رسالة صريحة لهم بعدم العودة.. فهل ثمة من يغالط نفسه ويلقي نفسه مجدداً في براثن الأسد؟