الثلاثاء 2017/09/19

آن الأوان لعملية سلام جديدة في سوريا ( مترجم )

عن مجلة " فورن بوليسي" بقلم "ليزا رومان" و "ألكسندر بيك"

ترجمة : مركز الجسر للدراسات

بتاريخ: 15/09/2017

 

يبدو أن الولايات المتحدة قد استسلمت بخصوص إيجاد حل سياسي شامل للحرب في سوريا، فلم يعد هذا الموضوع ضمن المخطط الحالي للمباحثات الأمريكية الروسية بخصوص الشأن السوري، والتي ركزت في المقابل على تخفيف العنف. وقد أقر مسؤولون أمريكيون بشكل سري أنهم يفضّلون استثمار جهودهم في مشاريع أكثر نجاحاً، كاتفاقات وقف إطلاق النار وتصعيد عمليات "مكافحة الإرهاب" أو دعم القوات الكردية التي تشكل العمود الفِقري لـ"قوات سوريا الديموقراطية" و الحليف السوري الأول لأمريكا.

إذ يتماشى هذا الموقف والسياسة التي انتهجها النظام على مدار السنتين الأخيرتين من تولي إدارة أوباما السلطة، مع وجود اختلاف جوهري وحيد، فمن خلال التصريح علناً أن رحيل الأسد من السلطة لم يعد ضمن أولويات الولايات المتحدة، تكون إدارة ترامب بذلك قد قبلت ضمنياً ببقائه فيها، ولم يتبق سوى أن تقدم رؤية لإعادة تشكيل الدولة في ظل وجوده.

وهو ما يترك عدداً من التساؤلات دون إجابة لها تبعات مهمة على الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين.

قد يكون الأسد هَزم الجزء الأكبر من المعارضة فعلاً، لكن تبقى سوريا مقسمة إلى أجزاء شبه مستقلة ستستمر في تحدي السلطة المركزية، فكيف سيتم توحيد هذه الأجزاء؟ وهل سيكون بقاء القوات الخارجية، بمن فيها القوات الإيرانية دائماً؟..

هل سيُسمح لللاجئين الراغبين بالعودة من القيام بذلك؟ هل ينوي النظام تقديم التنازلات والضمانات الكافية لإقناع المؤسسات المتعددة الأطراف، كالبنك الدَّولي، من أجل المساهمة في التعمير والتنمية على الصعيد الوطني؟

إن البتَّ في هذه التساؤلات ضروري إذا ما أردنا تجنب تجديد التصعيد والحؤول دون انقسام سوريا وكذا إعادة الاستقرار إلى المنطقة، وهو ما سيتطلب عملية سياسية لا ينوي ولا يستطيع النظام وحده تبنيها والعمل عليها بمصداقية.

وعلى الرغم من هذا كله، لا تزال إدارة ترامب تدعم عملية السلام في جنيف وهي في مراحلها الأخيرة بشكل علني. فيما سيقوم كل من ممثلي المعارضة السورية والنظام بالعودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف، لإجراء جولة أخرى من المباحثات التي تترأسها الأمم المتحدة في تشرين الأول /أكتوبر القادم.

المنطق المختل لقرار جنيف:

تمت صياغة قرار جنيف على أعقاب الخطة السداسية الفاشلة التي قدّمها المبعوث الأممي السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، ووقّعت على القرار تسعة بلدان بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية في 30 يونيو-حزيران من سنة 2012.

نص هذا القرار على وقف تصعيد دائرة العنف ووضع إطار مشترك للمفاوضات من أجل الوصول إلى حل سياسي شامل. و يهدف هذا القرار في الواقع إلى تقليص الهوة بين دعوة روسيا للتفاوض مع النظام ورغبة الولايات المتحدة ودول أخرى في نقل السلطة عن طريق التفاوض لحكومة انتقالية ذات سلطة تنفيذية مُطلقة مكوَّنة من ممثلين من المعارضة والنظام.

يتجلى الاختلال الحاصل في هذه التسوية بين هذه الأطراف المختلفة في شرطية الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية "بالتراضي"، إذ سهّل هذا البند عملية تبني القرار، لكن على حساب منح الجهتين حق النقض. ومن جانب آخر، لم يتطرق هذا القرار لأي شيء بخصوص مصير الأسد. فحتى وقت قريب أدركت الولايات المتحدة ، أن العمل بمبدأ " التراضي" في ظل وجود الأسد أمر مستحيل، بينما صرّحت روسيا علناً منذ بداية الصراع بالقول إن مصير الأسد بيد السوريين، بل أكدت موسكو وبشكل متكرر سرا بأنها " لم تكن متمسكة بالأسد".

كما إن هذا القرار لم يقدم بنية محدّدة لهذه المفاوضات، فخلال سلسلة من الاجتماعات الثلاثية بين كلٍّ من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة أواسط سنة 2013، اتفق المشاركون على أن المفاوضات ستتم بين فريقين: النظام وممثلي وفد المعارضة، واستند هذا التصنيف على منطق بسيط إلى حد ما، حيث اعتبر فيه كلا من الولايات المتحدة وروسيا - اللاعبين الخارجيين الأكثر نفوذا في المنطقة - مسؤولان عن الضغط على وكلائهما من أجل التوصل إلى تسوية، وجلب شركائهما الإقليميين إلى طاولة المفاوضات؛ إيران في الجانب الروسي، ودول الخليج في جانب الولايات المتحدة.

لكن هذه المقاربة باءت بالفشل، فعلى الرغم من الجهود الجبارة والمبهرة التي قام بها مبعوثا الأمم المتحدة المسؤولان عن تسهيل عملية جنيف، الأخضر الإبراهيمي وستيفان دي مستورا، ودعم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، غير أن المفاوضاتِ كانت عقيمة ودون جدوى.

فلم يقدّم القرار سوى مبادئ مهمة لتوجيه العملية الانتقالية، بالإضافة إلى أن الجولة الثانية للمباحثات التي أبرمت في شباط/فبراير من سنة 2014، ساهمت في إرساء دعائم شرعية المعارضة.

أما الأسد لم يكن ليشارك في مفاوضات من شأنها أن تودي إلى زواله، ولم تبذل روسيا أي جهد للضغط عليه لتغيير موقفه. بل واصل وفد الأسد موقفه المتعنّت خلال الجولات التالية للمباحثات بقيادة الممثل الدائم للنظام في الأمم المتحدة بشار الجعفري.

وفي الوقت الذي ركّزت فيه المعارضة على مناقشة الانتقال السياسي، حوّر النظام النقاش إلى ملف الإرهاب، الذي يشمل حسب رأي هذا الأخير كل مجموعة تعترض على حكمه. في أثناء ذلك كانت المعارضة تتخبط بشكل مستمر من أجل التوفيق بين المصالح المتباينة لقادتها، وجمع وفد موحد من شأنه أن يمثل بمصداقية مصالح أكثرَ من ألف مجموعة مسلحة في سوريا.

وعوضاً عن الوصول إلى تسوية، أدت عملية جنيف إلى زيادة التصعيد من خلال تواجد القوى الخارجية الداعمة لكلا الطرفين، التي سعَت إلى الاستفادة من تواجدها العسكري بهدف تعزيز موقف موكِّليها على طاولة المفاوضات فيما بعد. وقد علل الكثيرون سعي الرئيس أوباما إلى تجنّب انتقالٍ غير منظّم أو انهيار للسلطة المركزية في سوريا، على غرار ما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا، بعدم استعداده لتقديم الدعم اللازم لحل نظام الأسد، ولكن يبقى المنطق الكامن وراء هذا التقدير موضع شك.

فالواقع إن التحوّلاتِ الكبيرة في ميزان القوى لم تُؤدِّ إلى الدفع بالطرف الأضعف لتغيير موقفه التفاوضيّ بشكل جذري، بل على العكس، فعندما كانت قوات نظام الأسد على شفا حفرة من الهزيمة في أوائل سنة 2013، هُرعت إيران وحزب الله اللبناني للدفاع عنه، وهو نفس ما حدث عندما تقدمت قوات المعارضة عليه في ربيع 2015 ، عندها سارع الغزو الروسي لدعم الأسد.

فبالنظر إلى مجريات الأحداث الماضية، نجد أن البنية المزدوجة والمتناقضة لعملية جنيف لم تكن مناسبة لحل الصراع القائم في سوريا، بل أصبحت أقلَّ ملاءمة كلما حصلت تغيرات في أرض المعركة.

إشكالية الوضع الراهن:

انتُقدت عملية جنيف من طرف خبراء أكدوا عدم جدواها، فإن كان التوصل إلى حل سياسي شامل عن طريق جنيف بعيد المنال، فإن العديد من السوريين يعتقدون أنها محفِل مهم يمكن من خلاله إحراز تقدم تكتيكي ولوكان ضئيلا، وأنها أداة إجرائية يمكن من خلالها إبرام اتفاق مستقبلي في حال تغير الظروف العسكرية أو الدبلوماسية.

فبناءً على شرعيتها الدَّولية، فإن لمباحثات جنيف ثقلاً سياسياً يوازي المباحثات التي تقودها روسيا في العاصمة الكازاخستانية أستانا.

تشير كل هذه الحجج إلى ضرورة وجود عملية سلام بقيادة الأمم المتحدة في سوريا، لكن الجميع يتغاضَى عن ثمن استمرار الوضع الراهن.

أولاً ، من خلال اقتصار المباحثات بين كلٍّ من النظام والمعارضة فقط، واستمرار عملية جنيف في تقوية أكثر العناصر تشددا في الصراع على حساب شريحة كبيرة من الشعب السوري الذي دعا منذ وقت طويل إلى وقف العنف.

ثانيا ، من خلال خوض في المزيد من المفاوضات المزيفة، تتنازل الولايات المتحدة وحلفاؤها عن المزيد من المجال السياسي لصالح الأسد، وتضيع المزيد من الأوراق للضغط على النظام لأجل قبول الإصلاحات السياسية اللازمة للبدء بعملية توحيد البلاد.

يعتقد بعض المحللين أنه لا يمكن توحيد سوريا تحت حكم الأسد، ولعلهم على حق، لكن اتباع استراتيجية دبلوماسية تعتمد فقط على الانتظار لن تؤديَ إلى رحيله، بل الأغلب أنها ستعزز الأسباب التي ساهمت في الانقسام الحالي لسوريا.

إن التخطيط لعملية أكثرَ شمولية من عملية جنيف لن يكون بالأمر السهل، ففي مناسبات عدة على مدى السنوات الثلاث الماضية، اقترحت روسيا توسيع المشاركة في مباحثات جنيف، لكن ذلك لم يكن نابعا من التزام حقيقي لمبدأ الشمول، بل لم تشكل هذه الدعوات سوى رغبة لتقويض تلاحُم وفد المعارضة.

إن جزءاً من الإشكالية الحالية مرتبط بالولايات المتحدة ، فعلى الرغم من الضغط الذي تمارسه العديد من الجماعات السورية المتباينة -التي تعتبر نفسها محايدة، والتي لا تضم فقط المجتمع المدني، بل أيضاً حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي الذي تزداد قوته مع مرور الوقت- رفضت الولايات المتحدة الأمريكية لمدة طويلة توسيع مباحثات جنيف.

ومن المرجح أن يستمر الصراع ما لم تتم الاستجابة لمطالب العناصر المتشبثة بمواقفها في المعارضة، وإن تم التوصل إلى اتفاق.

وفي الوقت الذي يعد فيه حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي ( ب ي د ) طرفاً مهماً في حل النزاع من أجل التوصل إلى حل سياسي ، ترفض تركيا مشاركته باعتباره امتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي تم تصنيفه كمنظمة إرهابية.

يُعتقد اليوم أن "قوات سوريا الديموقراطية" هي ثاني أعنف القوات العسكرية في سوريا، بعد قوات النظام والمليشيات التابعة له، فقد ساعدت هذه القوات الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب في سوريا، فهي تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي وتمثّل حجر عثرة في أهداف نظام الأسد الذي يهدف إلى إعادة السيطرة على كل الأراضي السورية.

بالنظر لهذه الأسباب فقط، يحق لهذه القوات أن تكون طرفاً متدخلاً في أي عملية سياسية. غير أن إدراجها من شأنه أن يصعِّب وصولها إلى تسوية منفصلة مع دمشق، وهي نتيجة من شأنها أن تعقد العمليات التي تقودها أمريكا ضد الإرهاب.

وفي المقابل، نجد أن المعارضة المسلحة التي تمثل التيار السائد في سوريا قد دمرت بالكامل . فالتدخل العسكري الروسي الذي جرى في أيلول/سبتمبر سنة 2015 أدى إلى تحول حاسم في موازين القوى على ساحة المعركة. تلاه بعد ذلك بسنة طرد المعارضة من حلب. وبعد أن كان المعارضة العديد من الحلفاء والمؤيدين، تجد نفسها اليوم وحيدة مع تناقص مستمر لمؤيديها إزاء موقفها الرافض لبقاء الأسد في السلطة.

والواقع أن معظم الدول الداعمة لها أدركت في مراحل مختلفة على مر السنوات الست الماضية، أن عزل الأسد لم يعد ضمن أولوياتهم إذا ما قورن بالأهداف الإستراتيجية الأخرى.

وقد تم التأكيد على هذه الرسالة من خلال تغريدة للرئيس دونالد ترامب على تويتر في 24 تموز/ يوليو الماضي، قال فيها أن الولايات المتحدة قد أنهت برنامجاً سرياً، كانت تقوم من خلاله بتدريب وتسليح مجموعات المعارضة وقد كلفها ذلك آلاف ملايين الدولارات بحسب ما أفادت تقارير.

ومع تزايد الحَجب على وجود تيار المعارضة من قِبل المتطرفين والجماعات الإرهابية، ارتكزت جنيف على منطق أن كل ما يمكن القيام به هو محاربة الجماعات المعادية للولايات المتحدة على الأقل بشكل غير مباشر.

وعلى الرغم من ذلك، فقد تمحور النقاش الذي دار الأسابيع الماضية حول كيفية إعادة تشكيل وفد المعارضة السورية في جنيف.

وفي الشهر المنصرم، قامت الرياض باستضافة سلسلة من الاجتماعات بين الهيئة العليا للمفاوضات ومجموعات أخرى من المعارضة من أجل تشجيع نهج موحد للمفاوضات. وحسب ما جاء في التقارير فقد فشلت تلك الاجتماعات نتيجة لإصرار هذه الهيئة بالإسقاط الفوري للأسد من السلطة.

فعوضاً عن محاولة إقناع المعارضة السورية بتليّن موقفها، كان الأجدى أن تقم الولايات المتحدة بتمهيد الطريق للعمل على بديل لجنيف.

طريقة بديلة للمضي قدماً:

من شأن عملية مختلفة ذات بنية مختلفة أن تؤدي إلى إبعاد التركيز على موضوع عزل الأسد، كما إن أصوات أولئك الذين يطالبون بالإصلاح السياسي ستزداد، لتضم أيضا أصوات المؤيدين للنظام وانتقال سوريا من التعبئة الحرب نحو التعبئة السياسية. مع الوضع في الحسبان أن عملية كهذه من شأنها أن تخلق مجالا للولايات المتحدة والبلدان التي تطمح لنفس الأهداف لاستخدام وسائل "لا عسكرية" للضغط، كنفوذها على قوات (ب ي د) وفصائل قوات سوريا الديموقراطية،وإمكانية رفع العقوبات عن النظام، وكذا التلميح إلى إمكانية فتح المجال لمساعدات مالية من قبل عدة أطراف لإعادة إعمار البلاد.

نحن نعلم بحكم التجربة مدى صعوبة إيجاد حل شامل، فلا وجود لعصا سحرية، كما إن خيار التخلي عن جنيف يحمل في طياته مخاطر؛ وبالأخص إن لم يكن هناك اتفاق مسبق على إيجاد بديل يحل محله. فقبل الخوض في شيء آخر، من المهم أن يتم أخذ كل الفرضيات في الحسبان (كي لا نجد نفسنا أمام عملية جديدة يصعب تطبيقها ) وضمان الحصول على الدعم الدبلوماسي من الحلفاء والشركاء الرئيسي والذي سيستغرق وقتاً طويلاً؛ لذا وجب البدء به الآن.

يأتي على رأس قائمة هذه الحلول الدفع بالأمم المتحدة إلى توسيع نطاق مشاركتها في العملية الحالية، واستبدال المباحثات اللامباشرة بين كل من النظام والمعارضة بسلسلة من المباحثات المباشرة على نطاق أوسع لتضم مجموعة أكبر من الجهات الفاعلة. إذ من شأن ذلك أن يعطي صفة رسمية للعديد من الجماعات السورية التي تضعها الأمم المتحدة على هوامش عملية جنيف، بمن فيهم حزب الاتحاد الديموقراطي ورجال الأعمال السوريين والأقليات الدينية والعرقية والنساء، وكذا المجتمع المدني، وهي مجموعات من المحتمل أن تكون أقل تعنتا وأكثر انسجاما مع رغبات واحتياجات المواطن السوري العادي، وأكثر فاعلية في استقطاب دعم كافة أطياف المجتمع السوري حول إجراءات إصلاحية محددة.

كما يمكن للولايات المتحدة أن تشجع الأمم المتحدة على استبدال عملية جنيف بحوار وطني بقيادة هذه الأخيرة؛ يهدف إلى خلق حيز لمناقشة مستقبل سوريا والتوصل إلى حل بخصوص القضايا الرئيسية العالقة، كخروج القوات الأجنبية من سوريا، وصياغة دستور جديد وكذا تحديد المعايير الأساسية لإجراء انتخابات وطنية وخلق إدارة لا مركزية بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين وكذا اقتراح آليات لتسهيل عملية عودة اللاجئين. فقد تم تطبيق ممارسات مماثلة بشكل متفاوت في كل من أفغانستان والعراق واليمن؛ فمن خلال خلق مجال أوسع للحوار خارج نطاق المؤسسات الحكومية يمكن لهذه الممارسات أن تلعب دورا في تشكيل السياسات الوطنية مع مرور الوقت.

 

فعلى إثر سلسلة من "الانتصارات العسكرية" الأخيرة، يبدو أن الأسد قد حقق نجاحا مهماً، ما سيدفع دمشق إلى مقاومة أي مساع رامية لتقييد سلطتها. كما إن الأسد يعتقد أن عملية جنيف تصب في مصلحته إذ تستمر في تقديم الغطاء لمحاولات النظام إنهاء الحرب وفق شروطه.

من المهم معرفة إذا ما كانت ستوافق روسيا على العملية الجديدة ولا سيما إذا قدمت هذه العملية باعتبارها ثمنا للموافقة الدولية باستمرار حكم الأسد وشرطاً مسبقاً لأي نقاش حول أية مساعدة دولية، وهو ما تطمح إليه.

فعلى الرغم من دعمها القوي للنظام، يبدو أن موسكو تدرك تماما -مقارنة مع الأسد- حجم التحديات التي تنتظرها، والمتمثلة في الوضع المالي غير المستقر للنظام والنقص المزمن في القوى العاملة للحدِّ من الانقسامات السياسية والتيارات الديموغرافية التي ساهمت في نشوب الحرب في المقام الأول.

ونتيجة لذلك، من المحتمل أن تقتنع روسيا أن العملية الجديدة تخدم مصالحها و تساهم في تقليص الجدول الزمني لالتزاماتها في سوريا.

فكلا الحلَّين ينقصه الكمال، لكن من شأنهما أن يحوِّلا النقاش حول الحرب إلى نقاش سياسي و يقوما بتحريك العملية التي من شأنها أن تلملم الجروح التي خلفتها الحرب الطاحنة في سوريا. ومن ثم يمكن للولايات المتحدة أن تقرر ما إذا كانت تريد للمسرحية التي تجري في جنيف أن تستمر، لكن إذا ما أردنا رؤية استقرار أكبر في السنوات القادمة فلابد من تغيير في الطرح .