الأربعاء 2017/09/13

واقع الملف السوري في ظل “تحولات المواقف” ( مترجم )

مقال مترجم عن مجلة "أوروأسيا ريفيو"

ترجمة : فريق قناة الجسر

بعد سنوات من الحرب الطاحنة، لا تزال سوريا ساحة معركة كبرى ومسرحا لستِّ صراعات عسكرية على الأقل.

لا يزال الصراع الأول في احتدام مستمر بين كل من نظام الأسد والمجموعات المكوِّنة للمعارضة السورية الساعية لبديل ديموقراطي، فكلا الطرفين مدعوم بقوى خارجية، الأسد مدعوم من طرف إيران وحزب الله وروسيا بينما تدعم الجماعات العربية السنية المعارضة السورية.

أما الصراع الثاني فهو بين قوات الأسد وتنظيم الدولة الذي يسعى أساساً إلى ضم سوريا لما يسميه "دولة الخلافة"، في حين أن هناك صراعا ثالثا دائرا بين قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة للقضاء على تنظيم الدولة والتنظيم الذي يستمر في الرد.

كما يضم الصراع الرابع كلا من تركيا، التي انضمت لمحاربة تنظيم الدولة، التي تقوم بتصعيد هجمات جوية موازية ضد القوات الكردية- إذ تشكل حملات الأكراد الداعية لحكم ذاتي مستقل مصدر قلق كبير لها.

أما بالنسبة للصراع الخامس فيتمثل في الحملة التي تقوم بها القوات الكردية على شكل "قوات برية"  ضد تنظيم الدولة  و التي رفضت قوات التحالف القيام بها، و التي يبدو أنها أكثر نجاعة من كل الهجمات الأخرى التي تشن ضد تنظيم الدولة.

وأخيرا، يجد تنظيم الدولة نفسه في حرب كر وفر ضد عدد من الجماعات "السنية الجهادية" ، بمن في ذلك الجماعات التي تنتمي لتنظيم القاعدة، والتي ترفض ما يقوم به تنظيم الدولة بدعوى تأسيس "دولة خلافة" على رقعة جغرافية واسعة في النهاية.

وفي خضم هذا الصراع المحتدم، كانت هناك عدة محاولات مستمرة لحسم المعركة وتقرير مصير البلاد، وقد شاركت السعودية منذ البداية في تلك الجهود وهي الآن من يتصدر هذه الجهود.

اندلعت الحرب في سوريا خلال الربيع العربي، الذي جاء على شكل احتجاجات ثورية للجماهير العربية،  الساعيةِ إلى إسقاط الحكم الاستبدادي والطغيان الذي أطبق على نفس العديد منهم. وبطبيعة الحال، لم تكن السعودية آنذاك داعمة لهذه الثورة ، وبهدف  التصدي لاحتمال ظهور "ربيع عربي" على أراضيها، قامت بنهج سياسة داخلية ماكرة ترتكز بالأساس على شراء المعارضة المحتملة من خلال استخدام ثروتها الهائلة لتعزيز الدخل الفردي والرفاه الاجتماعي لشعبها، وكذا منح بعض من ثروتها وهباتها لبعض دول الخليج الشقيقة .

وقد شكلت سوريا الاستثناء الوحيد الذي حصل على الدعم السعودي بالنظر إلى  الوضع القائم في العالم العربي آنذاك، فقد قامت السعودية  بتأييد الثورة في سوريا، من خلال تقديم الدعم المادي والعسكري للقوى السورية المعارضة لبشار الأسد. ويقبع خلف هذه الستار تنافس شديد بين كل من السعودية وإيران من أجل الهيمنة على العالم الإسلامي، فقد أصبحت سوريا عنصرا أساسيا في المعادلة الإيرانية الساعية إلى تكثيف الجهود، من أجل تعزيز ونشر نفوذ الهلال الشيعي، حيث تشمل "حزب الله" في لبنان و دعم القوات المنافسة في عدد من دول الخليج بمن فيهم السعودية، التي تسعى على استبدال الحكم  السني بالشيعي .

قبل هروب الملايين من سوريا، كان معظم السوريين من السنة حيث كانوا يشكلون نحو 74% من مجموع السكان، وتسعى الحكومة السعودية إلى استعمال سلطتها الدينية ومواردها الاقتصادية من أجل فرض نفوذها في المنطقة في فترة مابعد الأسد، كما إن أقصى ما تسعى إليه السعودية هو ألا يكون لإيران يد في القضاء على تنظيم الدولة، باعتبارها سلطة مهيمنة في سوريا.

بدأت مجموعة من الجهود الرامية للسلام مع بدء الصراع الداخلي، والتي وصلت مرحلة جيدة  في كانون الأول ديسمبر 2015، عندما قام مجلس الأمن بتبني القرار رقم 2254 ، الذي ارتأى أن تسليم زمام الأمور للسوريين والقيام بانتقال سياسي من شأنه أن ينهي الصراع في المنطقة، ففي الشهر نفسه قام وزراء الخارجية كل من إيران وتركيا وروسيا بالاتفاق على إجراء مباحثات رامية للسلام في العاصمة الكزاخية أستانا، ومنذ ذلك الحين أصبحت  هذه المباحثات تجري على مستويين، من خلال مفاوضات أستانا و كذا جنيف، برعاية الأمم المتحدة، على الرغم من أن مفاوضات أستانا تحظى بدعم المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي مستورا.

وأسفرت مباحثات أستانا التي جرت في أيار/مايو من العام الجاري، إلى تحديد أربع "مناطق لوقف إطلاق النار"، حيث تم وقف العمليات القتالية من أجل وصول المساعدات الإنسانية، وقد رفضت بعض الجماعات في سوريا  الهدنة، بمن فيهم حزب الاتحاد الديموقراطي، الذي قال إن مناطق "وقف إطلاق النار" قسمت سوريا على أساس طائفي، فيما تم وقف إطلاق النار بشكل مؤقت باتفاق بين موسكو وواشنطن في تموز/ يوليو 2017 ، وقد شمل منطقة صغيرة  جنوب غرب سوريا،  لكنه لم يحظ كذلك بتأييد الجميع.

و الواقع أن التقسيم الحاصل بين مختلف الفصائل السورية المعارضة للأسد شكل عائقاً لجميع جهود السلام حتى الآ،. وتقوم السعودية بتصدر هذه الجهود في محاولة للوصول إلى تسوية.

تعد اللجنة العليا للمفاوضات الهيئة الرئيسية التي تمثل المعارضة السورية الآن، بالإضافة إلى مجموعتين رئيسيتين الآن تحت اسم "منصة القاهرة" و"منصة موسكو"، تدعيان أنهما تمثلان المعارضة السورية،  وأنهما حضرتا مباحثات الأمم المتحدة  للسلام  في جنيف إلى جانب الهيئة العليا للمفاوضات. أما بخصوص وفد مفاوضي الأسد، فهم لم يلتقوا بشكل مباشر بممثلي المعارضة الذين لا يوجد على أرض الواقع وفد موحد يمثلهم.

وحسب ما قال نصر الحريري رئيس وفد المعارضة في جنيف، أن السعودية تعتزم حاليا استضافة اجتماع يضم كل مجموعات المعارضة السورية الرئيسية في محاولة "لتوحيد صفوفها"، ومن المقرر عقده في تشرين الأول / أكتوبر من العام الجاري.

فلنفترض جدلاً أن السعودية نجحت في ذلك، فإنه يبقى العائق الأكبر في وجه عملية السلام التي من المزمع عقدها في  جنيف هو مستقبل بشار الأسد. فحسب ما جاء على لسان وزير الخارجية السعودي في 7  آب/ أغسطس 2017 أنه " لا مكان للأسد في سوريا المستقبلية"،  كان ذلك حتى وقت قريب جدا، وكذا الموقف الأمريكي الذي عبر عنه الرئيس السابق أوباما قائلا " على الأسد أن يرحل" وذلك في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، كما صرح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أنه "لا يوجد دور" للأسد في مستقبل سوريا وأن "الترتيبات جارية" لإزالته، على إثر هجوم الغاز السام في نيسان / أبريل 2017.

من الواضح أن هناك تحولاً صارخاً في الموقف الأمريكي، إذ صرح مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية في 7 آب/ أغسطس 2017، قائلا إنه في الوقت الذي لا ترى فيه واشنطن "دوراً لبشار الأسد في مستقبل سوريا.....نحن نؤمن بأنه يجب على الشعب السوري تقرير مصيره من خلال عملية سياسية شفافة وذات مصداقية ".

وحسب تصريح لفيصل العيتاني، وهو عضو مقيم في المركز الأطلنطي التابع لمركز "رفيق الحريري للشرق الأوسط"، قال إن هذا التغيير في الخطاب يدل على "أننا نسير بالتأكيد نحو قبول ضمني لبقاء الأسد في السلطة على الأقل الآن ".  ويعتقد العيتاني أن هذا التحول يعكس الواقع العسكري الجديد في سوريا ورغبة الولايات المتحدة في شد الانتباه نحو إيران.

وقد صرح ريكس تيلرسون مؤخراً بالقول  إنه يجب على  "القوات العسكرية الإيرانية المتدخلة في سوريا أن تغادر " مضيفا أن رحيلهم من سوريا "شرط نهائي" بالنسبة للإدارة الأمريكية.

ففي الوقت الذي ستوافق فيه السعودية بلا شك على طرد القوات الإيرانية، ستجد نفسها أمام احتمال بقاء الأسد في السلطة في سوريا بعد إعادة تشكيلها، هو ما يتنافى مع ما تسعى إليه، وفي ظل هذا، ستعزز المعارضة السورية الموحدة الجديدة من موقفها، إذا استطاعت بالفعل أن تتوحد، في تشرين الأول/ أكتوبر القادم.