الخميس 2019/04/04

واشنطن بوست: مخيم الهول يواجه كارثة إنسانية


بقلم: إيرين كننغهام وكاميران سعدون

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


إن أزمة إنسانية على وشك الانفجار شمالي شرق سوريا، حيث يتدفق عشرات الآلاف من الناس الفارين من المعارك العنيفة التي دارت الشهر الماضي ضد تنظيم الدولة، باتجاه مخيم مكتظ على تل صخري.

يوجد الآن أكثر من 73 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، في مخيم الهول المترامي الأطراف، والخاضع لسيطرة القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.  افتتح هذا المخيم عام 1991 لاستضافة اللاجئين العراقيين إبان حرب الخليج، وصمم آنذاك لاستقبال نصف هذا العدد.

وسط عدد كبير من الخيام البيضاء، ينام الآلاف في أماكن مشتركة، ويستعمل الأطفال الفضاء الخارجي كمرافق. غالبا ما يتم ترك جرحى الحرب دون علاج، في حين يعاني الكثيرون من سوء التغذية. توجد في المخيم ثلاث عيادات متنقلة فقط، في الوقت الذي تعاني فيه المستشفيات المحلية من الاكتظاظ، جراء  الأعداد الكبيرة من المرضى والمصابين بجروح خطيرة في الحرب. غالبا ما يتم إعطاء المسكِّنات أو المضادات الحيوية لأولئك الذين يعانون من إصابات لا تهدد حياتهم، ليكملوا طريقهم إلى وجهة مختلفة.

خلال الأسبوع الماضي، توفي 31 شخصا وهم في طريقهم إلى المخيم أو بعد فترة وجيزة من وصولهم، بسبب الإصابات الناجمة عن الصدمات وسوء التغذية، وفقا للجنة الإنقاذ الدولية، ليصل العدد الإجمالي لمثل هذه الوفيات217 شخصا.

على طول الطرق المؤدية للمخيم، التي غمرتها الأمطار الغزيرة في الآونة الأخيرة، يعاني مبتورو الأطراف دون وجود كراسي متحركة أو عكازات. يقوم الأطفال، الذين يشكلون 65 ٪ من سكان المخيم، بنقل الجرحى أو الأقارب المسنين في عربات مؤقتة مصنوعة من قماش القنب.

باغت التدفق الهائل والسريع للمدنيين - بمن فيهم السوريون والعراقيون وآلاف الأجانب الآخرين الذين توافدوا إلى مناطق تنظيم الدولة - وكالات الإغاثة والسلطات المحلية، التي تقول إنها تكافح لتلبية حاجيات هؤلاء.

قال أحد كبار المسؤولين عن المساعدات، يقوم بتنسيق المساعدة الدولية، وتحدث إلينا شريطة عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية العمليات التي يقوم بها في المخيم: "إننا في مواجهة حالة طارئة وأزمة حادة، فهناك الكثير من الأشخاص الذين يصلون في الوقت نفسه بأعداد لم نتوقع وصولها، الأمر الذي يزيد من حاجتنا إلى الحصول على الدعم بشكل مستعجل".

أعلنت القوات الكردية- التي تعرف باسم قوات سوريا الديموقراطية-، فوزها عسكريا على تنظيم الدولة الشهر الماضي، في أعقاب هجوم شرس للسيطرة على آخر جيوب هذه الجماعة في قرية الباغوز شرقي سوريا؛ فعلى الرغم من صغر هذه القرية إلا أنه كان يعيش داخلها نحو 66 ألف شخص تحت سيطرة مقاتلي التنظيم.

خلال العملية العسكرية التي قامت بها قوات سوريا الديموقراطية في قرية الباغوز، أنشأت هذه الأخيرة مراكز لفرز الرجال، بمن فيهم متشددو تنظيم الدولة، لتقوم بعدها بإرسالهم إلى مراكز الاحتجاز في مدن شمال شرق سوريا، في حين تم نقل النساء والأطفال إلى مخيم الهول.

يتم إيواء النساء والأطفال الأجانب في ملحق منفصل داخل المخيم، وتتم مراقبتهم من قبل حراس مسلحين ومرافقتهم خلال تنقلهم. فُرضت هذه الإجراءات بسبب النزاعات التي نشبت بين النساء الأجنبيات، اللائي يعتبرن أكثر راديكالية، والمقيمين السوريين والعراقيين، الذين فر العديد منهم خوفا من تنظيم الدولة.

قالت كورين فلايشر، مسؤولة الأمم المتحدة في دمشق، في بيان لها بخصوص هذا الأمر: "في الوقت الذي يبدو فيه أن الأعمال القتالية في الباغوز قد انتهت، فإن الأزمة لم تنته بعد". مضيفة بالقول: "ما زلنا لا نعرف إذا كان سيصل المزيد من اللاجئين".

أعلنت الأمم المتحدة هذا الأسبوع نيتها تقديم 4.3 ملايين دولار إضافية لتمويل "المساعدة الإغاثية" الموجهة لمخيم الهول، بما في ذلك الخيام والأغطية ومستلزمات النظافة وغيرها من اللوازم الطبية. هناك أيضا خطط لبناء مستشفى ميداني واحد على الأقل. لكن يبدو أن وصول المرافق الطبية أمر غير مرجح.

تقول إحدى السيدات المحجبات اللاتي نزحن مؤخرا من قرية الباغوز باتجاه المخيم، وهي من تركستان وتدعى "نزيلا أركان" وتبلغ من العمر30 عاما: "انظر إلى طفلتي، إنها مريضة جدا وهي بحاجة إلى الذهاب إلى المستشفى".

يقول مسؤولو المخيم إنهم يخشون من انتشار الأمراض المُعدية والعنف الجنسي ضد القاصرين، وكذا أعمال العنف التي قد يرتكبها سكان المخيم الذين ما يزالون موالين لتنظيم الدولة.

قال أحد المسؤولين البارزين: "نحن بحاجة إلى إدارة النفايات الصلبة، والصرف الصحي وتدبير المياه لتجنب أي مخاطر قد تهدد الصحة العامة". مضيفا: "لكن التحدي الأكبر الذي يواجهنا اليوم هو الأعداد الكبيرة للاجئين الموجودين داخل المخيم، إذ لا نعلم ما مصيرهم أو كيف سيغادرون هذا المخيم"، مشيرا إلى أن وجود النساء الأجنبيات يشكل تحديا خاصا لعمال الإغاثة والسلطات.

قال المسؤول نفسه إن هناك نحو 9 آلاف أجنبي، قدِموا من دول كفرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا و"إنهم غاضبون للغاية لعدم وجود حل.. إن الأمر أشبه بقنبلة موقوتة".

لا يزال العديد من اللاجئين الذين وصلوا إلى المخيم موالين لتنظيم الدولة، وقد رفض بعضهم المساعدات المقدمة لهم أو هاجموا قوات الأمن والموظفين. يقول مسؤولو الإغاثة وسلطات المخيم إن المانحين الغربيين مترددون بشأن تقديم المساعدات لأسر مقاتلي تنظيم الدولة.

وقالت ديلوفان، مسؤولة أمنية كردية في مخيم الهول، رفضت ذكر اسمها الكامل لأسباب أمنية: "لقد رفضت بعض المنظمات غير الحكومية مساعدة هذه الأسر". قائلة: "لذلك هناك نقص مستمر في الغذاء والماء والدواء، ويؤثر هذا النقص على اللاجئين جميعا ويُغضب الناس، كما يسبب لنا مشاكل أمنية". ربما التحدي الأكبر هو معرفة متى وأين سيتوجه كل هؤلاء الأشخاص في نهاية المطاف.

في الوقت الراهن يفرض المخيم تحديات لا تعد ولا تحصى بشكل يومي.

أدت أحد أجهزة التدفئة التي تعمل بالكيروسين إلى إشعال حريق في إحدى الخيام في الأيام الأخيرة، وأصيب ثلاثة أطفال عراقيين بحروق بليغة نتيجة لهذا الحادث، حيث تم نقلهم إلى أحد المستشفيات المدمرة في محافظة الحسكة على بعد نحو 20 ميلا من المخيم. قال أيدين خليل، الذي يعمل بمستشفى الشعب في الحسكة: "إن الوضع كارثي"، في وصفه لمخيم الهول.

تم تحويل المخيم إلى مدينة متوسطة الحجم، في مركزه سوق مزدحم للتبضع كي يتمكن الناس من شراء ما يلزمهم.

أمينة أحمد -ذات 24 ربيعا، من مدينة حلب السورية- كانت تتسوق من هذا السوق، وكانت لديها كلمات محددة لوصف حياتها منذ وصولها إلى المخيم. تقول أمينة: "انظروا إلى المراحيض، انظروا كيف نعيش". ترعى أمينة ستة أطفال، ثلاثة منهم أبناء شقيقها الذي قُتل في غارة جوية.

تقول كذلك: "لقد كُسرت ساقا ابنة أختي، وهي بحاجة إلى كرسي متحرك، لكن يبدو أنه لا أحد يهتم".