الخميس 2019/01/31

واشنطن بوست تخاطب ترامب: لا تنسحب فتخسر

بقلم: ماكس بوت

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يقوم ترامب بالفعل بسحب القوات الأمريكية من سوريا، ومن المرجَّح أن يسحبهم من أفغانستان أيضاً، إذا ما افترضنا أنه تم التوصل إلى اتفاق سلام مؤقّت مع طالبان. على الرغم من أن ترامب قد ادعى في البداية انتصار الولايات المتحدة في سوريا، إلا أن الدافع الحقيقي وراء هاتين الخطوتين نابع من إحساس مشترك بين مؤيدي ترامب ومعارضيه- على حد سواء- بـ"أننا لم ننتصر ولن ننتصر في هذه الحروب الأبدية، بغضّ النظر عن مدة بقائنا".

في مقال له على صحيفة "نيويورك تايمز"، كتب المحلّل الاستراتيجي روبرت د. كابلان: "لا توجد أي فرصة واقعية لتحقيق انتصار عسكري على طالبان، كما لا وجود لأي فرصة مهما كانت صغيرة لتحقيق استقرار ديمقراطي في أفغانستان".

في حين، كتب الدبلوماسيان المخضرمان، آرون ديفيد ميلر وريتشارد سوكولسكي في صحيفة "إن بي آر": "لا يمكن اعتبار تنظيم الدولة كألمانيا أو اليابان، حيث يمكن للولايات المتحدة وحلفائها تحطيم رغبة تلك الأنظمة في القتال، وتدمير قدراتها العسكرية، وكذا القضاء على أنظمتهم وأيديولوجياتهم الفاشية ومساعدتهم في إعادة تشكيل بيئة جديدة لبلدين ديمقراطيين. بالنسبة للولايات المتحدة، إن تحقيق كل هذه الأهداف في سوريا مهمة مستحيلة".

أُكنُّ الاحترام الشديد لهؤلاء الكتاب، لكن ملاحظاتهم، على الرغم من أنها صحيحة، إلا أنها لا تمت للموضوع بصلة. في تقرير لجيمس دوبينز، مبعوث أمريكي سابق إلى أفغانستان وباكستان، وزملائه في مؤسسة "راند" الاستقصائية كانوا في غاية الدقة عندما كتبوا: "قد لا يكون الفوز أمراً ممكناً، لكن الخسارة أمر وارد جدا. إن الرحيل بشكل متسرع، مهما كان منطقياً، سيعني اختيار الخسارة. وستكون النتيجة توجيه ضربة لمصداقية الولايات المتحدة، وتراجعاً في قدرة هذه الأخيرة على الردع في أماكن أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من حجم التهديدات الإرهابية في أفغانستان، ويحتّم وجوب العودة إلى هناك في ظل ظروف أسوأ". هذا ما جاء في تقرير مؤسسة "راند" حول أفغانستان، ينطبق هذا التحليل على الوضع في سوريا.

لم يُهزم تنظيم الدولة ولا طالبان. لقد خسر تنظيم الدولة بالفعل جل مناطق "خلافته"، لكن مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، دانييل كوتس، حذر للتوّ من أن تنظيم الدولة "لا يزال يملك آلاف المقاتلين في كل من العراق وسوريا، ويحافظ على ثمانية فروع تابعة، وأكثر من 12 شبكة، بالإضافة إلى آلاف المؤيّدين في أنحاء العالم". أما بالنسبة لحركة طالبان فوضعها أحسن بكثير: فهي تسيطر على 44٪ من المناطق في أفغانستان، وسبّبت خسائر فادحة في صفوف قوات الأمن الأفغانية. يقول جنرال أفغاني إن ثمّة أكثر من 77 ألف مقاتل يحاربون القوات الحكومية، وهو رقم أعلى بكثير من الرقم الرسمي الذي أُعلن عنه والذي يتراوح بين 25.000 إلى 35.000 مقاتل. فإذا انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان، فمن المرجّح أن تسيطر طالبان على معظم مناطق البلاد، وإذا انسحبنا من سوريا، فمن المرجّح أن يُعيد تنظيم الدولة تشكيل صفوفه.

لمحاربة هؤلاء المتمرّدين، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تتحاشى التعامل مع هذا الأمر بنفس الطريقة التي تعاملت بها في حروبها العالمية السابقة. فلن يكون هناك حفل استسلام على سطح سفينة "يو إس إس ميسوري".  ما كانت الولايات المتحدة لتحقق النصر في الحرب العالمية الثانية ولا الأولى لو لم تحتفظ بقواتها في كل من أوروبا وآسيا لمدة 73 عاماً أو أكثر. فكلما بقيت القوات الأمريكية لمدة أطول في مكانها، زادت فرصُها في تحقيق أهدافها. سيكون لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا عواقب مكلفة عادة، كالسيطرة الشيوعية على كمبوديا، ولاوس وفيتنام الجنوبية عام 1975، أو صعود تنظيم الدولة بعد عام 2011.

في الوقت الذي لم يعُد يشكّل فيه الشيوعيون الفيتناميون أو ما يعرف بـ"الفيت كونغ" خطراً على الأمن القومي، لا يزال تنظيم الدولة والقاعدة يشكلان تهديدا قويا له. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن وكالات الاستخبارات الأمريكية حذّرت من أن "يؤدي الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان إلى تعرُّض الولايات المتحدة لهجوم خلال عامين".

سيقول مؤيّدو قرار سحب القوات الأمريكية إنه لا يمكن تركها هناك إلى أجَل غير مُسمّى. لكن هذا غير صحيح. فأغلب أفراد القوات الأمريكية متطوّعون وطالما أنه لا يوجد العديد من الضحايا، فإن الرأي العام لا يعارض وجودهم بتلك المناطق. لقي ستة جنود حتفهم في سوريا، بينما توفي نحو 66 جندياً آخر في أفغانستان منذ عام 2015 – أي بمعدل 18 شخصاً كل سنة. تعد هذه الخسائر مأساوية، إلا أن الجيش الأمريكي خسر 80 شخصاً في حوادث التدريب عام 2017، حيث أصبحت التدريبات أشد خطورة عليهم من القتال. كما إن هذه الصراعات غير مُكلِفة من الناحية المالية: إذ إن الميزانية المخصصة لحرب أفغانستان أقل من 10٪ من ميزانية وزارة الدفاع.

إذا اختار ترامب الانسحاب، فسيكون اختياراً فردياً، عكس ما حدث مع ريتشارد نيكسون في فيتنام، الذي اضطر إلى الانسحاب بضغط من الرأي العام، إذ لا توجد احتجاجات في الشوارع الأمريكية مناهضة للحرب.

يُعدّ نشر القوات أمراً مُحبطاً ومثبّطاً للعزم، إذا ما قورن بحروبنا الهندية، التي استمرت قرابة 300 عام (في الفترة الممتدة ما بين 1600-1890)، أو الانتشار البريطاني على الحدود الشمالية الغربية (الحدود الباكستانية الأفغانية اليوم)، الذي استمر نحو 100 عام (من 1840 إلى 1940)؛ إذ لا تقوم القوات الأمريكية بمهمّة قتالية تقليدية، فهي اليوم لا تسعى إلى القضاء على الإرهاب وإنما مراقبة الحدود والحيلولة دون وصوله إلى معدَّلات تشكّل تهديداً على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

لا يستطيع ترامب إنهاء الحروب في كل من سوريا وأفغانستان ناهيك عن الفوز بها. كما إن وعود طالبان بتغيير سلوكياتها لا قيمة لها، بالإضافة إلى أنّ تنظيم الدولة لم يقدّم وعوداً على الإطلاق. إذا قرر ترامب إخراج القوات الأمريكية من سوريا أو أفغانستان، فقد اختار الخسارة، وهدر تضحيات الجيش الأمريكي منذ عام 2001.