الثلاثاء 2019/02/12

واشنطن بوست: التصريح بسحب القوات الأمريكية من سوريا أسهل من تطبيقه

بقلم: ليز سلاي

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


أدى قرار الرئيس ترامب القاضي بسحب القوات الأمريكية من سوريا، إلى تهافت القوى الدولية والقوات المحلية لملء الفراغ الذي ستتركه القوات الأمريكية والذي من شأنه أن يزعزع الاستقرار.

ولكن مع استمرار الجهود الدبلوماسية، أصبح من الواضح أنه لا يوجد ترتيب واضح من شأنه أن يخدم أجندات القوى المتنافسة، أو أنه من المحتمل أن يظهر أي ترتيب عما قريب.

فلدى كل من تركيا وروسيا والأكراد ـ حلفاء الولايات المتحدة في سوريا- ونظام الأسد، ​​مصلحة استراتيجية في أي ترتيب لمستقبل شمال سوريا، ومع ذلك فإن معظم مطالبهم متعارضة تماما مع بعضها. كما إن عدم وجود مباحثات بينهم يزيد من صعوبة الوصول إلى حل.

تَعدّ تركيا المقاتلين الأكراد جماعة إرهابية وتسعى إلى إنشاء منطقة عازلة تسيطر عليها لإبعادهم عن حدودها. كما يسعى الأكراد، الذين يخشون التعرض لهجوم تركي، لإبعاد الأتراك عن مناطق تواجدهم.

تسعى إدارة ترامب إلى إرضاء كلا الجانبين، والوفاء بوعودها المتناقضة لحماية حلفائها الأكراد وإعطاء تركيا حصة في المنطقة.

يفضّل الأكراد عودة قوات النظام إلى المناطق التي يسيطرون عليها، وباعتبار إيران أحد أقرب حلفاء بشار الأسد، فمن المرجح أن تعترض إدارة ترامب على أي خطة تسمح للإيرانيين بالحفاظ على نفوذهم داخل سوريا.

يقول آرون ستاين، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، "لا يمكن التوفيق بين هذه المواقف المتضاربة، كما إن هناك العديد من القضايا الشائكة، تقوم الولايات المتحدة بما في وسعها لتدارك الأمر، إلا أنه لا يمكن التوفيق بين جميعها".

لم يعلن البنتاغون حتى الآن موعدا للانسحاب، لكن موعد وطريقة انسحاب هذه القوات قد أصبح ضرورة مُلحّة خاصة مع اضمحلال رقعة سيطرة ​​"تنظيم الدولة". فقد حاصرت قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، المدعومة بالضربات الجوية الأمريكية، آخر معقل للتنظيم في واحدة من القرى التي تقع شرق الصحراء السورية.

وبعد الإعلان في البداية عن سحب القوات الأمريكية على الفور في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قال ترامب إنها ستبقى حتى تحرير آخر جيب من أراضي تنظيم الدولة، ومن المرجح أن يحدث ذلك في وقت مبكر من هذا الأسبوع.. الأربعاء القادم حسب ما صرح به.

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" ذكَرت أن الجيش الأمريكي يتطلّع إلى الموعد النهائي المحدد في نيسان/ أبريل القادم من أجل مغادرة قواته الأراضي السورية.

يقول مسؤولون أمريكيون إنهم ملتزمون بالتفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق، لكنهم يؤكدون أيضا أن القوات الأمريكية سوف تنسحب في كل الأحوال. وأضاف مسؤول رفيع المستوى: "نحن في خضم عمليات الانسحاب، لا مجال للشك بخصوص هذا الأمر".  وهذا يزيد من احتمالية حدوث انسحاب دون وجود اتفاق؛ الأمر الذي يمكن أن يُغرِق المنطقة في حالة من الفوضى ودخول القوى المتنافسة بصراع في ظل تراكم طلباتهم. تهدد تركيا بغزو المنطقة إذا لم يتم تلبية مطالبها، في حين نشر نظام الأسد قواته في جنوب المنطقة، في الوقت الذي يحاول فيه تنظيم الدولة إعادة تنظيم صفوفه في المناطق التي طُرد منها. يقول مسؤولون عسكريون إن وجود فراغ في السلطة أو حدوث صراع جديد يمكن أن يساعد تنظيم الدولة على العودة من جديد.

ولتجنب مثل هذه النتيجة، يجري تكثيف المشاورات الدبلوماسية بين كل من الولايات المتحدة وتركيا، بهدف تحقيق وعد ترامب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال محادثة هاتفية لهما في كانون الأول / ديسمبر الماضي حيث قال ترامب لأردوغان بأن المنطقة الواقعة شمال شرق سوريا حيث تنتشر القوات الأمريكية "مُلك لك".

قام جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي للتحالف ضد تنظيم الدولة، بإجراء زيارة إلى تركيا، في حين زار مسؤولون أتراك واشنطن لإجراء محادثات مع نظرائهم هناك.

ينصبُّ تركيز هذه المناقشات على تلبية المطالب التركية فيما يخص إنشاء "منطقة آمنة" في سوريا على طول الحدود التركية. لكن المحادثات كشفت أن الولايات المتحدة وتركيا لديهما مفاهيم مختلفة حول ما يمكن أن اعتباره "آمناً".

وقال نهاد علي أوزجان، المحلل العسكري في مؤسسة "تيباف" الفكرية الواقعة في أنقرة: "تريد الولايات المتحدة منطقة آمنة لحماية الأكراد من الجيش التركي، وهو عكس ما تريده تركيا"، متسائلاً: "كيف يمكن لدولتين التعاون عندما تكون أهدافهما متعارضة إلى حد كبير؟".

من ناحية أخرى، تبحث واشنطن أيضا إمكانية الحفاظ على سيطرة أمريكية شاملة دون وجود قوات أمريكية على الأرض، حسبما ذكر مسؤولون أمريكيون. في ظل هذا السيناريو، ستبقى وحدات صغيرة من القوات البريطانية والفرنسية، التي تعمل إلى جانب الأمريكيين، في المنطقة جنبا إلى جنب مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد) بالإضافة إلى متعاقدين عسكريين أمريكيين ومراقبين دوليين خاصين، بينما توفر الولايات المتحدة غطاء جويا.

هذا ما يسعى الأكراد إلى تحقيقه. لكن بخلاف ذلك، فقد صرحوا بتفضيل واضح لعودة سلطة النظام بدلا من التوصل إلى أي ترتيب يعطي تركيا دورا في المنطقة.

غير أنه من غير الواضح ما إذا كانت دمشق مستعدة لتقديم التنازلات التي يسعى الأكراد إليها لضمان حصولهم على حكم الذاتي والذي حصلوا عليه مؤخرا بدعم من القوات الأمريكية.

في كانون الثاني/ يناير الماضي، طلب الأكراد من روسيا لعب دور الوسيط بينهم وبين نظام الأسد. لدى الأكراد مطالب تتضمن السماح لهم بالحفاظ على سيطرتهم على التنظيمات المحلية وقوات الأمن. وقد قام وفد من "مجلس سوريا الديمقراطية" بزيارة إلى دمشق لتقديم تلك المطالب. لكن لم يكن هناك أي رد، سواء من النظام أو الروس، حسب ما جاء على لسان صالح مسلم، وهو عضو بارز في حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي). الذي أضاف: "إن الأمر معقّد للغاية فالجميع ينتظر رؤية الخطوات التي سيقوم بها الطرف الآخر ونحن بانتظار الجميع ".

وتفضّل روسيا أيضا، باعتبارها أقوى حلفاء الأسد، إعادة سيطرة النظام على الأراضي السورية وكانت قد اقترحت إحياء اتفاق أضنة لعام 1998 بين تركيا وسوريا والذي ستكون بموجبه دمشق مسؤولة عن إبقاء الأكراد المسلحين بعيدا عن الحدود التركية. لقد ألزم هذا الاتفاق سوريا بمنع حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) وفروعه، من استخدام الأراضي السورية كنقطة انطلاق لهجماتهم ضد تركيا، كما ألزمها الاتفاق بإجبار مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتمركزين في سوريا على التوجه إلى مقرهم في جبال قنديل شمالي العراق.

بعض هؤلاء المقاتلين الذين يعملون الآن إلى جانب القوات الأمريكية ينتمون لحزب العمال الكردستاني التابع لوحدات حماية الشعب، المكون الرئيسي لـ"قوات سوريا الديمقراطية". لكن تركيا قلقة من عودة قوات النظام إلى حدودها بعد ثماني سنوات من الحرب، دون تسوية أوسع للصراع السوري. لقد حولت الحرب، التي أدت إلى استعادة النظام سيطرته على المناطق كانت في يد المعارضة، الأسد وأردوغان إلى عدوين لدودين بسبب دعم تركيا للثوار الذين يسعون إلى الإطاحة بالأسد.

يقول برهانيتين دوران، الذي يرأس مؤسسة " SETA " الفكرية، (مؤسسة تتخذ من أنقرة مقرا لها): "إن هذا لن يساعد في التوصل إلى حل"، موضحاً أن " إبرام صفقة مع الأسد دون التوصل إلى حل شامل للحرب، سيعزز من سلطة هذا الأخير ويجعل منه سعيدا للغاية، لكن هذا لن يحل المشكلة، وسيظل مستقبل سوريا غير مستقر وغير مؤكد، وسيكون الطريق مفتوحا لنشوب صراع جديد بما في ذلك عودة تنظيم الدولة".

تعارض تركيا تشكيل الأكراد لمنطقة حظر طيران شمال سوريا، إذ تخشى أنقرة من أن ذلك سيسهل حصولهم على حكم ذاتي ويساعد على تشكيل منطقة خاصة بهم تحت الوصاية الأمريكية.

يقول دوران "إذا كان هذا يعني وجود نسخة جديدة من شمال العراق على حدودنا، فإن تركيا لن تقبل بذلك"، مشيرا إلى أن المنطقة الكردية شبه المستقلة في شمال العراق كانت نتيجة لتشكيل منطقة لحظر الطيران فرضتها الولايات المتحدة هناك عام 1990.

تفضّل تركيا السيطرة على المنطقة العازلة على طول حدودها. لكن هذه المقاربة تتعارض مع مخاوف الولايات المتحدة بشأن سلامة حلفائها الأكراد أو رغبة روسيا في استعادة فرض سيطرة النظام على كل الأراضي.