الثلاثاء 2017/08/29

هل ينوي ترامب إحباط المطامع الإيرانية في سوريا؟

بقلم :  "جون حنا" عن مجلة "فورن بولسي"

ترجمة: فريق قناة الجسر

منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض ولائحة المتاعب في تزايد مستمر، فلسوء حظه، أن بعض هذه المشاكل من صنع يديه، كواقعة شارلوتسزفيل بولاية فيرجينيا، ومن المحتمل أن تطول هذه اللائحة إن لم يتوخَّ الحذر، ليذكره التاريخ  أنه الرئيس الأمريكي الذي قام بهزيمة تنظيم الدولة من أجل أن يصبح الشرق الأوسط ملاذاً آمناً للهيمنة الإيرانية.

فمطامع إيران واضحة رأيَ العين، فمع طرد قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لتنظيم الدولة من آخر معاقله، تتسابق كل من قوات الحرس الثوري الإيراني والقوات الجوية الروسية، بالإضافة إلى قوات نظام بشار الأسد وحزب الله وكذا الميليشيات الشيعية، للحصول على هذه المناطق وحيازة المناطق الاستراتيجية الواقعة على الحدود العراقية السورية، وكذا المعبر الممتد على الخط الإيراني نحو البحر الأبيض المتوسط، إذ ستسعى قوات الحرس الثوري الإيراني مع مرور الوقت إلى إنشاء قواعد برية جوية وبحرية عبر المنطقة الشمالية للشرق الأوسط، مهدِّدة بذلك حلفاء أمريكا الرئيسيين المتواجدين في الخليج العربي والأردن وخاصة منهم إسرائيل.

فهل تنوي إدارة ترامب إحباط مساعي إيران في المنطقة؟

الحقيقة أن نوايا حكومة ترامب غير واضحة، فعلى المستوى العام يعرب المسؤولون الإداريون بانتظام عن عزمهم مكافحة الامتداد الإيراني، أما على المستوى الخاص فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قائلا إنه يتعين على القوات الإيرانية "الرحيل" كجزء من عملية حل النزاع في سوريا.

وقد قامت قوات التحالف الدولي التي تترأسها أمريكا في عدة مناسبات بالرد بشكل سريع على القوات الإيرانية ووكلائها عندما حاولوا تحديها بالقرب من عاصمة تنظيم الدولة في الرقة، وكذلك على الحدود الأردنية، إذ قامت هذه القوات بقصف طائرتين بدون طيار ، فضلا عن إصابة مقاتلة سورية من طراز سو -22.

 

حتى الآن، يبدو كل شيء تحت السيطرة، غير أن الجيش الأمريكي قد أكد في عدة  مناسبات أنه سيتصدى للقوى الداعمة لبشار الأسد من أجل حماية المناطق القريبة من قواته، دون ذكر تصديه لمطامع الاستراتيجية  الإيرانية للاستيلاء على الأرض.

بعد قصف المقاتلة السورية من طراز سو-22، أصدرت قوات التحالف تصريحاً مفصلا تؤكد فيه: " أن مهمة التحالف تتلخص في القضاء على تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا ولا يسعى إلى الدخول في حرب نظام الأسد أو الروس وكذا القوات الموالية لها، مؤكدين أن قواتهم لن تتوانى في الدفاع عن نفسها والقوات التابعة لها ضد أي خطر محدق".

بعد عدة أيام، رحّب المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف الكولونيل ريان ديلون بالضغط الذي تقوم به قوات الحرس الثوري الإيراني للسيطرة على معاقل تنظيم الدولة المليئة بالبترول، والتي تمتد على الحدود العراقية والسورية الرئيسية في دير الزور، وعلى وجه التحديد الأراضي اللازمة لاستكمال المعبر الإيراني.

وردا على التساؤلات العديدة التي تتعلق بموقف الولايات المتحدة فيما يخص الهجوم المستمر الذي تشنه القوات الموالية للنظام على المناطق الواقعة شرق سوريا ودير الزور على وجه التحديد وكذا مدينة البوكمال الواقعة على الحدود، فقد صرح ديلون أن قوات التحالف لن تقف في وجه  التحركات الإيرانية، طالما أن هناك تنسيقاً عسكرياً مع قوات التحالف التي تقودها أمريكا. وقد شكل جوابه صدمة للعديد من الأطراف حيث عكس ضعف البعد الاستراتيجي وهذا ما جاء في قوله :

"إذا استطاع النظام -والذي يبدو أنه يقوم بجهود مكثفة للسيطرة على مناطق نفوذ تنظيم الدولة-  الحصول على هذه المناطق فهو شيء جيد، نحن هنا لمحاربة تنظيم الدولة، وإن كانت هناك قوات أخرى تسعى لنفس الهدف فلا مانع لدينا. وإذا أرادت هذه القوات التحرك شرقاً نحو البوكمال ودير الزور فلا مانع من ذلك أيضاً ما دام أن هناك تنسيقا لنتفادى أي نوع من الحوادث الاستراتيجية مع النظام أو مع القوات الموالية له أو القوات الروسية.

وكما هو معروف، فقد قام النظام بالانضمام إلى المعركة ضد تنظيم الدولة و أحرز تقدماً ملحوظاً على ما يبدو في كل من البوكمال ودير الزور . فإذا كانت  قوات النظام  قادرة على هزيمة تنظيم الدولة فنحن نرحب بذلك.

لا نسعى كتحالف للاستيلاء على الأراضي فنحن هنا للقضاء على تنظيم الدولة ونحن عازمون على فعل ذلك، فإذا أراد نظام الأسد الانضمام وتكثيف الجهود فقط في منطقتي البوكمال ودير الزور أو أي منطقة أخرى فهذا يعني أنه لا جدوى من تواجدنا هناك، كما لا نمانع إغلاق النظام لمناطق تواجده"

لم يحظ بيان ديلون بتكذيب أو تأييد مصادر موثوقة في واشنطن، بل على العكس فقد قامت الولايات المتحدة بعدة إجراءات من شأنها أن تسهل تقدم القوات الإيرانية والروسية وكذا السورية شرق سوريا.

في حزيران الماضي، قامت الإدارة الأمريكية بمباركة سلسلة من المفاوضات الروسية  لوقف إطلاق النار جنوب سوريا قرب الحدود الإسرائيلية-الأردنية،  والتي لعب فيها دبلوماسيو الولايات المتحدة دور الوسيط.

وعلى الرغم من اعتبار هذه المفاوضات تقدماً من شأنه أن يؤدي إلى فك النزاع  القائم في سوريا، إلا أن وقف إطلاق النار كان سبباً مباشراً في تعزيز مكاسب نظام الأسد على الأرض غرب سوريا عبر الحصول على موارد بشرية لدعم هجومه في الشرق.

وبعد ذلك بوقت قصير، أكدت الإدارة الأمريكية أنها قد أنهت برنامج وكالة  الاستخبارات المركزية لدعم الثوار المناهضين للأسد. وفي أواخر تموز، بعد عدة أيام من ذلك، صرح الجيش الأمريكي أنه قد علق تنسيقه مع أحد أهم شركائه السنة العرب جنوب سوريا، بعدما قام فصيل "شهداء القريتين" بعمليات لعرقلة زحف القوات الموالية للأسد، وفي رد على هذه الخطوة، أشاد ديلون " بالدور الذي لعبه الفصيل في محاربة تنظيم الدولة"، مضيفاً "لقد أوضحنا مراراً وتكراراً أن هدف التحالف هو محاربة تنظيم الدولة فقط"، مؤكداً "لا يمكننا تقديم الدعم لفصيل شهداء القريتين في حال سعيهم لأهداف أخرى ".

 

على ما يبدو فإن عدم التماسك الاستراتيجي الذي تنتهجه أمريكا فيما يخص المطامع الإيرانية في المنطقة  قد أثار مخاوف حلفائها وخاصة إسرائيل، إذ أعرب وفد إسرائيلي رفيع المستوى عاد من واشنطن مؤخراً عن "قلقه الشديد"  من أن تكون الولايات المتحدة قد فشلت في الضغط على القوات المتحالفة مع إيران بالخروج من سوريا كشرط أساسي لحل الأزمة.

فقد أوضح المسؤولون الإسرائيليون لنظائرهم الأمريكيين أنهم، " قد سارعوا للتحذير من امتداد حزب الله والقوات الإيرانية الموالية للنظام وشرح ما يحصل هناك. إذ إن عدم تغيير الموقف الأمريكي بموقف أكثر انخراطاً وصرامة من شأنه أن يجعل الشرق الأوسط  لقمة سائغة للإيرانيين تحت رعاية روسية" . وعلى الرغم من هذه التحذيرات، فلم يتلق الإسرائليون "إجابة واضحة" من إدارة ترامب "في ما يخص طبيعة الاتفاقات المستقبلية حول ما يمكن القيام به من عدمه من أجل تهدئة الوضع في المنطقة. فبالنسبة لهم المسألة لم تُحسم بعد".

 

إن كل من يعرف كبار المسؤولين الإسرائيليين يعرف تمام المعرفة موقفهم المعارض حيال الامتداد الإيراني في سوريا، فقد أكدوا رفضهم المطلق تواجد إيران في المنطقة، الشيء الذي من شأنه أن يخول لها مستقبلا استخدام سوريا كقاعدة عسكرية للاعتداء العسكري على إسرائيل.

إن تعزيز المد الأرضي التابع لقوات الحرس الثوري الإيراني الذي يمتد من طهران إلى مرتفعات الجولان ويخضع للقوات الإيرانية وقواعد عسكرية دائمة تابعة لها من شأنه أن يرجح إمكانية تحقق هذا الكابوس على أرض الواقع.

بينما تدعو إسرائيل الولايات المتحدة إلى أخذ زمام الأمور من أجل التصدي لمثل هذا المنحدر الخطير في وضعها الجيوستراتيجي، هناك من يعتقد أنها ستتولى الأمر إن فشلت أمريكا في ذلك.

مما لا شك فيه أن الصراع الدائر في سوريا يقترب من نهايته، وللأسف وبعد ست سنوات طوال من تخلي إدارة أوباما عن قيادة العالم، لم يعد هناك مجال لتحقيق الانتصارات،  إذ لم يعد أمام واشنطن الآن سوى تجنب الخسائر قدر المستطاع. و تأتي على رأس هذه اللائحة الحيلولة دون اختلال ميزان القوى لصالح أحد ألد أعداء أمريكا وأكثرهم تصميماً في إحدى أكثر المناطق التي تخدم مصالح حيوية للولايات المتحدة.

تليها تجنب اندلاع صراع إيراني-إسرائيلي، والذي من شأنه أن يكون أكثر ضراوة من الصراع الحالي. ومما لا شك فيه أن تجنب كل هذا يبدو صعباً بل مستحيلاً في حال لم تقرر الولايات المتحدة التدخل. أما بالنسبة لإدارة ترامب، فقد حان الوقت لاتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل التصدي للتهديد الإيراني في سوريا.