الأثنين 2019/05/20

هل ستدخل أميركا بمواجهة مباشرة مع إيران رغم انشغالها بحرب اليمن؟

بقلم: نيكولاس كريستوف

المصدر: نيويورك تايمز

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


اليمنيون اليوم هم من يدفع الثمن.

هل تسير أمريكا باتجاه منحدر خطير يدخلها في حرب مباشرة مع إيران؟

تتخبط أمريكا اليوم داخل مستنقع من الدم في الحرب غير الأخلاقية التي تشنها على اليمن، فهي مشاركة في مقتل نحو ربع مليون يمني حتى الآن، أغلبهم من الأطفال الذين ماتواً جوعاً. قبل بضعة أيام فقط، قتلت القنابل (الأمريكية الصنع) أربعة أطفال يمنيين. ليموت كل 12 دقيقة، طفل آخر في اليمن.

تعتبر اليمن ساحة قتال معقدة في ظل وجود العديد من الجهات الفاعلة ذات التأثير السيّئ، لكن محور القضية: بسبب عداء أمريكا لإيران والصلة التي تربطها بالسعودية، تشارك اليوم الولايات المتحدة في حملة تجويع الأطفال اليمنيين وقصفهم.

مع تزايد التوتّر في المنطقة، تشجّع السعودية اليوم الولايات المتحدة على تصعيد الأعمال العدائية وتأمرها بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، كما كتبت صحيفة "أراب نيوز" التابعة للحكومة السعودية يوم الخميس الماضي قائلة "يجب توجيه ضربة قوية لهم".

تجدر الإشارة إلى أن هذا كان اتجاه السعودية عام 2015 عندما تدخّل محمد بن سلمان في اليمن. لقد أراد أن يظهر صلابته وظن أن قواته ستهزم الحوثيين المدعومين إيرانياً. وبدلاً من ذلك، فقد أدى التدخل السعودي إلى حصول إيران على نفوذ داخل اليمن، كما ساعد السعوديون على التسبب فيما تسميه الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

بالحديث عن وجود صراع أمريكي إيراني يلوح في الأفق مرة أخرى، يجب أن تكون اليمن درسا مفاده بأن شن الحروب أمر سهل لكن الخروج منها صعب للغاية.

تقوم كل من السعودية والإمارات برمي القنابل على اليمن، لكن واشنطن هي من توفر الأسلحة والمعلومات الاستخبارية التي تسمح لهذه الحرب بالاستمرار إلى أجل غير مسمى. فالسياسة الأمريكية تدعم تجويع الأطفال اليمنيين فقط لأن فصيلا مدعوما من بإيران هو من يملك زمام الأمور في الوقت الحالي.

لا ينبغي أن تكون حرب اليمن مسألة تحيز، فقد دعم الرئيس باراك أوباما السعودية في حربها على اليمن، وضاعف الرئيس ترامب من هذا الدعم.

معظم مرشحي الرئاسة (باستثناء السناتور بيرني ساندرز، الذي كان معارضا قويا للحرب في اليمن) لا يتطرقون في أحاديثهم لموضوع اليمن، كما لا تحظى هذه القضية باهتمام شعبي كبير.

أقرّ الكونغرس إجراءً قدّمه كلا الحزبين لإنهاء المشاركة الأمريكية في الحرب اليمنية، لكن اعترض عليه ترامب الشهر الماضي.

قامت الأمم المتحدة بإجراء دراسة مؤخراً تتنبأ بمقتل 233 ألف شخص على الأقل إذا استمرت الحرب حتى نهاية هذا العام، في حين ستتسبّب في مقتل 482 ألف شخص إذا استمرت حتى عام 2022، وتودي بحياة أكثر من 1.8 مليون شخص في حال استمرت حتى عام 2030 حسب تقديرات الأمم المتحدة.

قالت ليز غراندي، منسّقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن هذا الشهر "تزداد الأمور سوءا كل يوم"، مضيفة بالقول: "لا يوجد أي شخص اليوم في اليمن لا يعتقد أن الحل الوحيد لهذه الأزمة الرهيبة التي لا معنى لها هو إنهاء النزاع. علينا مواجهة تحوُّل اليمن إلى دولة فاشلة وغير مستقرة لعدة أجيال إذا استمر القتال".

تقول غراندي: "الأسر داخل اليمن اليوم إما فقدت فردا من إفرادها، وتتضور جوعا، أو توقّف أطفالها عن الذهاب إلى المدرسة أو تعاني من وباء الكوليرا" مضيفة: "من الصعب فهم لماذا تبدو حياة الكثير من الأبرياء غير مهمة".

لم يأت التدخل المتهور لابن سلمان في اليمن بنتائج عكسية فحسب، فقد توصل تحقيق أجرته شبكة "سي إن إن" إلى أن هذا التدخل دفع بالسعودية إلى تزويد مقاتلين مرتبطين بتنظيم القاعدة بأسلحة أمريكية. كما أدت الفوضى التي شهدتها البلاد إلى تفشي وباء الكوليرا، الذي تفاقم مؤخرا، مع أكثر من 300 ألف حالة مشتبه في إصابتها في عام 2019.

لقد أساءت كل من إيران والحوثيين التصرف، لكن هذا عذر واهٍ للأميركيين لدعم جرائم الحرب ضد الأطفال اليمنيين.

لم تعد السعودية والإمارات متحمستين للحرب اليمنية، لكنهما لا تريدان الخروج منها ومنح اليمن لإيران والحوثيين. لذا فمن الصعب معرفة مآل الحرب ما لم تتطرق الولايات المتحدة لها.

قال ترامب إنه إذا لم تبع الولايات المتحدة أسلحة للسعودية، فإن روسيا أو الصين سوف تقومان بذلك. على الرغم من حاجة السعودية إلى قطع غيار أمريكية فقط، إلا أنها تقوم بشراء الأسلحة الأمريكية فقط لضمان حصولها على غطاء أمني ضمني من الولايات المتحدة والذي لا يمكن لأي دولة أخرى أن تقدمه.

وهو ما أشار إليه بروس ريدل، كبير خبراء الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز عندما قال "إن الجيش السعودي يعتمد على قطع الغيار والخدمات اللوجستيات والذخيرة الأمريكية" موضحا أنه "إذا ما قامت واشنطن باستخدام نفوذها الهائل على السعودية، فلن يبقى أمام السعوديين خيار سوى إنهاء الحرب".

تسير الولايات المتحدة باتجاه منحدر خطير من شأنه أن يؤدي إلى الاصطدام مع إيران، في ظل تزايد تحذيرات البحرية الأمريكية بشكل خاص حول احتمال حدوث تصعيد في الخليج العربي.

فخلال العام 1988، عندما شهدت العلاقات الأمريكية الإيرانية توتراً مماثلا، أسقطت الولايات المتحدة عن طريق الخطأ طائرة ركاب إيرانية، راح ضحيتها 290 شخصا كانوا على متنها.

من المهم العمل على الحؤول دون نشوب حرب مباشرة مع إيران. كما إنه من المهم ألا ننسى هذه الحرب المخزية خارج الحدود الإيرانية، فقد حان الوقت لإنهاء الدعم الأمريكي لقتل الأطفال وتجويعهم في اليمن.