السبت 2019/03/09

هذه أبعاد زيارة روحاني المرتقبة إلى العراق

بقلم: محمد علي شعبان

المصدر: المونيتور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات 


يقول مسؤول إيراني كبير سابق: "لا زلت أذكر ذلك اليوم، فقد كان اليوم الأول من شهر إسفند"، في إشارة إلى 20 شباط/ فبراير من التقويم الإيراني، وأضاف قائلا: " لقد كنت في المجلس الأعلى للأمن القومي مع السيد روحاني، وقلت له إننا لن نحظى بعطلة عيد نوروز هذا العام"، سألني حينها: "ما الذي تقصده؟" فأجبته أنني سأكون في خدمته، "تبين بعد ذلك أن توقعاتي كانت صحيحة".

بصفته نائبا في هيئة اتخاذ القرار الإيرانية، أمضى حسن روحاني عطل السنة الإيرانية الجديدة في آذار/ مارس من عام 2003 في التنسيق بين اجتماعاته اليومية. لم تعقد الجلسات في المكان المعتاد وسط طهران. وبدلا من ذلك، عقد اجتماعاته في مركز البحوث الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث يترأسه بنفسه، ويطل على قصر الشاه في شمال العاصمة الإيرانية. كما لم يعقد مجلس الأمن القومي الأعلى اجتماعاته إلا مرة واحدة في الأسبوع أو اثنتين، حتى خلال الأشهر التي سبقت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق.

بعد مرور 16 عاما تقريبا على الغزو الأمريكي للعراق، ستحط طائرة روحاني رحالها في أول زيارة رسمية له إلى العراق كرئيس للبلاد. وقد سبقت هذه الزيارة التاريخية، التي ستكون الأسبوع القادم، سلسلة من الرحلات قام بها كل من نائبه الأول، ووزير النفط، ومحافظ البنك المركزي الإيراني وغيره من كبار المسؤولين الإيرانيين. فقد أمضى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خمسة أيام متتالية في جولة له داخل البلاد خلال منتصف شهر كانون الثاني/ يناير الماضي.

لن تحط طائرة روحاني في إحدى القواعد الجوية النائية في الخفاء ويغادر العراق على الفور دون أن يلتقي بأي مسؤول كبير. بدلا من ذلك، سيرافقه وفد سياسي وتجاري كبير ويحتفي به مجموعة من كبار المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بالإضافة إلى الرئيس برهم صالح الذي قام بتوجيه هذه الدعوة بشكل رسمي. وكان روحاني التقى رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي بإيران في 7 من آذار/ مارس الحالي لكن من المتوقع أن يجتمع مع مشرّعين أيضاً.

تماشياً مع جدول أعمال جولة ظريف التي كانت في كانون الثاني/ يناير الماضي، من المرجح أن يعقد اجتماعات مع شخصيات بارزة أخرى، كرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وقائد وحدات "الحشد الشعبي" هادي العامري، وزعيم تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم. تكتسب هذه الزيارة أهمية لأن لها أبعاداً محلية ودولية، وذلك بسبب توقيتها.

سعت إدارة ترامب إلى تقليص برنامج إيران النووي والصاروخي ونفوذها الإقليمي من خلال إعادة فرض عقوبات قاسية عليها. كان من بين الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة، العلاقات التجارية الإيرانية مع العراق، التي زاد حجمها منذ سقوط صدام حسين عام 2003.

لكن إيران لم تظل مكتوفة الأيدي وسط كل هذه الضغوط. ستركز زيارة روحاني على التجارة والاستثمار. في الوقت الحاضر، تبلغ قيمة التبادلات الإيرانية العراقية نحو 12 مليار دولار سنوياً، ويسعى الجانبان إلى زيادتها لتصل 20 مليار دولار. والواقع أنه في الوقت الذي سعت فيها العقوبات الأمريكية إلى تقييد الروابط الإقليمية لإيران، تُظهر العديد من المعطيات العكس.

معزولة عن الأسواق الدولية، ركزت إيران جهودها على جيرانها. وفي الوقت الذي أدت فيه العقوبات الأمريكية إلى خفض سعر الريال الإيراني، أصبحت السلع والخدمات الإيرانية أكثر إغراء. ونتيجة لذلك، تفوّق العراق على الصين كسوق تصدير غير نفطية رئيسية لإيران في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

كانت إحدى نقاط الخلاف الرئيسية الضغط الأمريكي على العراق بسبب وارداته من الغاز الطبيعي الإيراني والكهرباء، الأمر الذي جعل بغداد بين المطرقة والسندان. في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أصدرت إدارة ترامب استثناء ثانيا سمح للعراق بالاستمرار في دفع تكاليف هذه الواردات لمدة 90 يوماً إضافياً. رد العراقيون بالقول إنهم بحاجة إلى نحو عامين للتأقلم، حيث قاموا الشهر الماضي بتجديد عقد استيراد الكهرباء من إيران لمدة سنة واحدة. لا تستطيع الحكومة في بغداد التعامل مع الاضطرابات المدنية من جديد بسبب نقص الكهرباء، خاصة مع اقتراب فصل الصيف.

تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي احتل فيه اعتماد العراق على الطاقة الإيرانية العناوين الرئيسية وأصبح محور اهتمام الولايات المتحدة، فإن هذه التجارة لا تشكل سوى الربع من حجم التجارة التي تجمع بين البلدين. وفي السياق نفسه، من المتوقّع أن يناقش الجانبان تطوير التعاملات المصرفية وغيرها من المرافق الأساسية لتسهيل التبادلات الاقتصادية على نطاق أوسع، بما في ذلك السعي إلى إنشاء منطقة تجارة حرة على طول الحدود. من المتوقع أن يسعى الجانب العراقي إلى إحراز تقدم بشأن عدد من القضايا الأخرى، بما في ذلك الخلافات التي طال أمدها والتي تتعلق بالحدود والمياه.

من الأسئلة المهمة التي تطرحها هذه الزيارة هي ما إذا كان روحاني سيلتقي بأقوى شخصية في العراق، آية الله علي السيستاني.

لم يحظ الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، الذي امتدت فترته الرئاسية بين (2005- 2013)، بدعم السلطة الدينية العليا، وحافظ على علاقاته مع الشخصيات البارزة من أجل إرسال إشارات مهمة إلى بغداد والعواصم الأجنبية الأخرى. لذلك، فعندما يتعلق الأمر بالمسؤولين الإيرانيين، فإن إمكانية عقدهم اجتماعا مع "آية الله العظمى" - الذي يحظى بالعديد من المؤيدين داخل إيران –مثال حي على أن النفوذ ليس أحادي الجانب في العلاقات الثنائية.

والواقع أنه بعيدا عن الحصول على تأييد في الداخل، يصرّ رجل الدين المعروف على محافظة العراق على علاقات خارجية متوازنة. على سبيل المثال، فقد أدان مكتبه تصريحات ترامب بخصوص إبقاء القوات الأمريكية في العراق "لمراقبة إيران". كما أوضح أن حصول العراق على أي مساعدة إيران في حربها ضد تنظيم الدولة مرحب به فقط إذا تم تقديم هذه المساعدة عبر الحكومة العراقية ولم يؤثر ذلك على سيادة العراق. تجدر الإشارة إلى أن "آية الله علي السيستاني" كان مترددا بشأن السماح لقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، بالقتال في العراق. ولذلك، فإن اجتماعا بين روحاني والمرجع الشيعي الأعلى في العراق من شأنه أن يبعث رسالة قوية إلى ثلاث جهات رئيسية.

أولا، إلى القادة العراقيين، الذي يفضّلون التعامل مع مراكز السلطة الأخرى في إيران، مثل فيلق القدس، لكنهم يحتاجون أيضا إلى مباركة السطلة الدينية العراقية بشكل ضمني.

ثانيا، إلى القادة الإيرانيين، الذين يولون اهتماما شديدا لآية الله، ليس فقط كمصدر رئيسي للنفوذ وإنما أيضا كتأكيد على وقوف إيران إلى جانب جارة رئيسية لها في المنطقة.

ثالثا، من شأن مثل هذا الاجتماع أن يوضح لإدارة ترامب وحلفائها العرب أنه في الوقت الذي يبدو فيه العراق مستعدا للمشاركة من أجل تحقيق المنفعة المتبادلة، فإنه لن يتخلى عن إيران ولن يسمح لنفسه بأن يُستخدم كمنصة ضد أي دولة ثالثة.

من هذا المنطلق، تجدر الإشارة إلى أن وزارة الخارجية الإيرانية في وضع هجومي للدفاع عن مصالحها، في الوقت الذي ساهم فيه الضغط الأمريكي في تعزيز موقف منتقديها من المتشددين.

حظيت الوزارة مؤخراً بدعم كبير عندما حظيت محاولة ظريف الاستقالة - التي جاءت احتجاجا على استبعاده من الاجتماعات مع بشار الأسد – باهتمام معظم النخب السياسية والرأي العام. فحتى سليماني - الذي يتمتع بنفوذ كبير في السياسات الإقليمية - وصف ظريف بأنه "مسؤول عن السياسة الخارجية لجمهورية إيران"، مضيفاً أنه يتمتع بـ "موافقة كبار المسؤولين، خاصة زعيم الثورة الإيرانية".

وعليه فإن زيارة روحاني التاريخية للعراق - وخاصة إذا تضمنت لقاء مع السيستاني – ما هي إلا تأكيد على سعي إدارته لتأكيد سلطتها بخصوص عدد من الملفات الإقليمية.