الثلاثاء 2019/01/22

هذا مصير جهود الدول العربية في إعادة تأهيل الأسد

بقلم: رولا خلف

المصدر: الفايننشال تايمز

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


قد يكون هذا حدثاً صغيراً على الرقعة الجيوسياسية، مقارنة بالحروب التجارية والثورات الشعبية وسقوط الحكومة الأمريكية والفوضى السياسية في بريطانيا. لكن إعادة التأهيل البطيئة التي تقوم التي بها بعض الدول العربية لدكتاتور سوريا، بشار الأسد، تستحق أكثر من مجرد هامش. يشير هذا الحدث إلى نكسة مُهينة للمصالح الغربية في الشرق الأوسط، ودليل آخر على التدخل الإيراني والروسي.

الديكتاتور الذي قتل مئات الآلاف من السوريين واستعمل الغازات السامة ضدهم وعذّب مئات الآلاف منهم، وأجبر الملايين على النزوح واللجوء، لم يعُد بعدُ إلى حظيرة الدول العربية. كما إن الحديث عن إعادة سوريا إلى الجامعة العربية على مستوى المنطقة لا يزال موضعَ اختلاف. لكن الأسد وإن لم يعد إلى الحظيرة العربية إلا أنه يخطو خطوات صغيرة للقيام بذلك.

وقد سرّع قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا من عملية الارتباط هذه. فبعد إعلانه في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلنت الإمارات، التي كانت جزءا من التحالف المناهض للأسد، نيتها إعادة فتح سفارتها في دمشق، لتقوم دولة البحرين الصغيرة بنفس الإعلان. على الرغم من نفي السعودية القيام بالأمر نفسه، إلا أنه من المرجح أن تقوم هذه الأخيرة بالعمل على توطيد علاقاتها مع النظام.

لن يكون من المستغرب أيضا أن تقوم دول الخليج بخطوة جديدة وتقوم بالموافقة على تمويل إعادة إعمار سوريا. وهو ما يتوقعه ترامب بالتأكيد، فقد غرد على تويتر قائلا إن السعودية وافقت على "إنفاق الأموال اللازمة" لإعادة بناء سوريا. في الوقت الذي نفى فيه السعوديون ذلك.

تلجأ بعض الأنظمة الدكتاتورية إلى تبني حلول وسط، ولو كان الأمر مثيرا للاشمئزاز فهم يرون أن ربط علاقات جديدة أمر يستحق المحاولة، لكن الأسد ليس واحداً منهم. فزملاؤه العرب يسعون إلى ربط علاقات معه حماية لمصالحهم، كما تستند إعادة ربط علاقات مع نظام الأسد إلى خيال: فهي تنطلق من الحاجة لوجود عربي لمواجهة النفوذ الإيراني. إلا أن الوجود الإيراني متأصّل في سوريا. بل إنها قوة فعلية يمتثل إليها الأسد. بعد أن ساعدت إيران النظام في تدمير البلاد، ستقوم بالاستفادة من أموال الخليج لإعادة بنائها، في الوقت الذي تساعد فيه الأسد لتعزيز حكمه.

لدى دول الخليج سجل يتّسم بالتقلب في سوريا. فقد انقلبت ضد نظام الأسد، وقامت بطرده من الجامعة العربية في أعقاب اندلاع انتفاضة عام 2011. كما أضاعت السعودية مليارات الدولارات في تمويل المجموعات المعارضة للأسد، لكن إيران تجاوزتها وتغلّبت عليها.

بالنسبة لطهران، المؤيِّد التاريخي لأسرة الأسد، كانت المخاطر دائما أكبر: نظام صديق في سوريا يوفر قناة آمنة لحزب الله اللبناني، أقوى وكيل شيعي له. في حين أن الدعم العربي لمجموعات الثوار أتى بنتائج كارثية. فلم تكن الأسلحة التي تم تزويد المعارضة بها مكافئة للقوة الجوية الروسية والمقاتلين المدعومين من إيران.

على مدار العام الماضي، تحوّل ميزان القوى العسكري بشكل حاسم لصالح النظام ورُعاته، وهو يضعّف أي أمل في التوصل إلى حل تفاوضي يجرّد الأسد من سلطاته. بالنسبة لتركيا، التي ناصرت قوى المعارضة لفترة طويلة، فقد لعبت العام الماضي دور الوسيط برفقة كل من إيران وروسيا، أصبحت أنقرة القطب الثالث في المفاوضات الثلاثية التي دفعت بالثوار والنظام إلى وقف إطلاق النار.

من المثير للدهشة أن يشعر قادة دول الخليج بالغضب والامتعاض من أن دولاً غير عربية - كإيران وتركيا - تملك مستقبل سوريا بين أيديها. فقد وصلوا متأخرين إلى طاولة اللعبة مع رؤية مشوشة لما يمكن تحقيقه. يمكن استخدام الانخراط الدبلوماسي والمالي كوسيلة ضغط عندما تكون هناك فرصة للتوصل إلى حل سياسي. في هذه الحالة، لا يوجد شيء، فقد رفض الأسد التسوية عندما كانت الأفضلية العسكرية للثوار، فكيف يمكن أن يقدّم اليوم تنازلات؟

يخدم التدخل العربي الكبير مصالح إيران وكذلك روسيا التي تتطلع إلى تخليص نفسها من سوريا. خلال العام الماضي، حاولت موسكو دون جدوى إقناع الدول الأوروبية بتمويل إعادة إعمار سوريا. في ذلك الوقت، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حريصا على عدم التعهد بالخروج الإيراني من سوريا، مع العلم أنه لا يستطيع تحقيق ذلك.

قد يكون العرب ملزَمين أكثر من غيرهم بتمويل إعادة إعمار سوريا مقارنة مع الأوروبيين، لكن يجب ألا ينخدعوا بمزايا ربط علاقات مع الأسد. سيحصد هو وأسياده الإيرانيون فوائد إعادة التأهيل، ويتجاهلون أي مطالب قد تأتي بعد ذلك.