الجمعة 2018/12/21

ما الذي يدفع الولايات المتحدة إلى سحب قواتها من سوريا؟


بقلم: جو ماكرون

المصدر: الجزيرة الإنجليزية

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


من خلال سحب القوات الأمريكية من سوريا، يعيد الرئيس دونالد ترامب تأكيد سلطته في الداخل ويضع حدا لسياسة فاشلة.

إن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من سوريا ما هو إلا تذكير بأن الأوضاع في واشنطن ليست عادية.

لقد أجبرت المؤسسة السياسية والكونغرس الرئيس على مواجهة التحديات الرئيسية للسياسة الخارجية، بدءا من روسيا ووصولا إلى السعودية، لكن ترامب كان لديه رأي آخر بخصوص سوريا. لقد أعاد تأكيد قوته التنفيذية في الداخل من خلال الحد من نفوذ الولايات المتحدة في الخارج.

ومن المقرر أن ينسحب نحو 2000 جندي أمريكي من شمال سوريا خلال مدة أقصاها 100 يوم، تاركين وراءهم قدرا كبيرا من عدم اليقين لدى حلفائهم وأعدائهم على حد سواء.

ما الذي يخبرنا به هذا القرار عن إدارة ترامب؟

لا يوجد تفسير بسيط ولا أساس منطقي لتوقيت هذا القرار. يقول البعض إن ترامب استخدم سحب القوات الأمريكية من سوريا لصرف الانتباه عن مشاكله القانونية في الولايات المتحدة، أو إن قراره جاء بعد مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الجمعة الماضي. بينما يؤكد آخرون أنه يجري الإعداد لصفقة كبرى داخل سوريا وأن الولايات المتحدة قد باعت شركاءها الأكراد.

وإذا وضعنا جميع هذه التكهنات جانبا، نجد أن ترامب تحدث منذ فترة عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، لاعتقاده أن لا فائدة مالية أو استراتيجية ترجى من بقائها هناك. فقد أعلن عرضا في آذار/ مارس الماضي، خلال اجتماع أنصاره بأن القوات الأمريكية "ستخرج من سوريا، عما قريب".

ثم قام كل من البنتاغون ووزارة الخارجية بتكثيف جهودهما لإقناع القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإبقاء على القوات الأمريكية في سوريا. نتيجة لذلك أمهل ترامب القوات الأمريكية في نيسان/ أبريل مدة ستة أشهر لإنهاء مهمتها بخصوص تنظيم الدولة (الذي يعرف باسم داعش).  في وقت سابق من هذا الشهر، سيطرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تدعمها الولايات المتحدة، على مدينة هجين، آخر المناطق الحضرية التي كانت ما تزال تحت سيطرة التنظيم. وفي الوقت الذي لا يزال فيه هذا التنظيم يشكل تهديدا، يرى ترامب أن القوات الأمريكية قد أعطيت الوقت الكافي لأداء مهمتها وأنه آن الأوان كي تخرج من سوريا.

يعتبر قراره دليلا على وجود فجوة بين ترامب وفريق الأمن القومي. في الأشهر القليلة الماضية، قدم الجناح المحافظ في إدارته بقيادة مستشار الأمن القومي جون بولتون والجناح العسكري بقيادة وزير الدفاع جيمس ماتيس، حججا مختلفة لإبقاء القوات الأمريكية في سوريا.

بولتون، الذي دافع منذ أشهر عن فكرة توسيع مهمة الولايات المتحدة في سوريا لردع إيران، لا يملك اليوم شيئا للدفاع عن موقفه. كان قد تمكن من إقناع ترامب في أيلول/ سبتمبر الماضي لجعل المهمة الأمريكية في سوريا غير محددة، ومع ذلك، فإن فكرته عن "الناتو العربي" لم تكن قابلة للتطبيق، على ما يبدو أن السعودية غير متحمسة بشأن تمويل وجود أمريكي طويل الأمد في شمال سوريا.

من ناحية أخرى، كان ماتيس حذر من المغامرة التي يسعى بولتون للقيام بها داخل سوريا، والتي قد تؤدي إلى الدخول في مواجهة مع إيران، إلا أنه أكد مرارا وتكرارا ضرورة بقاء الولايات المتحدة في سوريا لمواجهة تنظيم الدولة وإيجاد حل للنزاع السوري.

يبدو أن ماتيس قد أصبح أكثر عزلة داخل إدارة ترامب، خاصة بعد أن خسر حليفا رئيسيا باستقالة رئيس هيئة الأركان في البيت الأبيض جون كيلي.

قد يؤدي قرار ترامب بالانسحاب من سوريا إلى توسيع الفجوة بين البيت الأبيض والجيش، الأمر الذي قد تكون له تداعيات في مناطق حرب أخرى مثل أفغانستان، حيث يرى الرئيس أن سحب القوات الأمريكية من هناك قد بات أمرا وشيكا.

عادة ما يعلن البيت الأبيض قرارات الحرب والسلام بالتشاور مع الوكالات الرئيسية والكونغرس، لكن الطريقة التي تم بها الإعلان عن هذا القرار تعكس انقساما عميقا في واشنطن حول هذه القضية. قد يتم الإعلان عن استقالات محتملة من إدارة ترامب في الأيام والأسابيع والأشهر القادمة نتيجة لهذا القرار.

تجدر الإشارة إلى أن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا قد فشلت بشكل كبير في السنوات السبع الماضية، وربما ترامب قد أخرجها من بؤسها. إن محاولة تحقيق التوازن بين تركيا والأكراد لم تكن له نتائج جيدة على المدى البعيد من أجل تحقيق الاستقرار شمالي سوريا.

لا تستطيع واشنطن عقد صفقة مع روسيا ولا مواجهتها في سوريا، كما لا يبدو أنها تستطيع الدفع إلى الأمام بالعملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة. أضاف المبعوث الأمريكي الجديد إلى سوريا، جيمس جيفري، في الآونة الأخيرة المزيد من الإرباك لسياسة الولايات المتحدة بالقول إن إدارة ترامب تريد إحداث تغييرات في نظام الأسد وليس تغيير النظام. وفي الوقت الذي يوافق فيه البيت الأبيض على بقاء نظام الأسد في السلطة بشكل ضمني حتى الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة عام 2021، فقد تحولت الخطة الأمريكية في سوريا إلى محاولة لإفشال وتعطيل الخطة الروسية.

لا يزال بعض المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن الولايات المتحدة قادرة على لعب دور حاسم في الوضع في سوريا ويرفضون الاعتراف بالدور المحدود الذي تستطيع هذه الأخيرة القيام به في الشرق الأوسط. هناك أيضا من يتمنى أن يغيّر ترامب رأيه من جديد حول سوريا بعد الاستماع إلى مستشاريه، لكن لا يبدو هذا أمرا ممكنا هذه المرة.

ماذا يعنيه هذا بالنسبة للاعبين الآخرين في سوريا؟

بغض النظر عما إذا كان قرار ترامب سينفذ على أرض الواقع أم لا، فإن سمعة إدارته ستعاني على الأرجح، حيث يرى الكثيرون أن قرارات إدارته عشوائية ولا يمكن الاعتماد عليها. والحقيقة أن تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها الأكراد سيجعل من الصعب على قوى أخرى في الشرق الأوسط أن تثق بها.

تجدر الإشارة إلى أن القوات الأمريكية التي تتألف من نحو 2000 جندي أمريكي في سوريا ليس لديها أي دور قتالي، وانسحاب هذه القوات لا يعني أن الولايات المتحدة ستفقد قدرتها على شن هجمات جوية عند الحاجة. لكن رمزية الانسحاب كبيرة عندما يتعلق الأمر بمدى التزام الولايات المتحدة بمهمتها في سوريا.

وفي الوقت نفسه، قد تواجه الدول المستفيدة من قرارات ترامب صعوبات غير متوقعة، نتيجة لهذا الانسحاب. تلقي الخطوة التي قام بها ترامب عبء إيجاد حل للوضع في شمال سوريا على روسيا وتركيا، الأمر الذي قد يؤدي إلى نشوب صراع بينهما في الوقت الذي تحاول فيه هذه الأطراف ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة.

على الأرجح ستحاول "قوات سوريا الديمقراطية" التقرب من روسيا ودمشق، ومن المحتمل أن تتخلى عن مراكزها على الحدود التركية لنظام الأسد من أجل إقامة منطقة عازلة ضد الهجمات التركية المحتملة.

أما بالنسبة لإيران، فإن الانسحاب الأمريكي من سوريا قد يزيد من رغبتها في البقاء داخل البلاد إلى أجل غير محدد. ومع ذلك ربما لا تزال إدارة ترامب قادرة على التوصل إلى اتفاق مع روسيا للحد من الوجود الإيراني في سوريا.

أمام إدارة ترامب الكثير لتشرحه في الأسابيع القادمة بشأن الجدول الزمني لهذا الانسحاب وما ينبغي على حلفاء الولايات المتحدة القيام به من أجل المضي قدما. قد يؤدي الانسحاب الأمريكي الوشيك دون تحديد الظروف اللازمة للقيام به إلى رد فعل عنيف أو إلى مواجهة مفتوحة بين القوات التركية والمليشيات الكردية.

لم تكن لدى الولايات المتحدة أي استراتيجية واضحة للبقاء في سوريا، لكن من الواضح الآن أنه لا توجد لديها استراتيجية حول كيفية مغادرتها أيضا.