الجمعة 2019/07/05

ما الدافع وراء النزعة العدائية الجديدة لإيران؟

بقلم: مايكل دوران

المصدر: وول ستريت جورنال

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يسعى المرشد الأعلى في إيران إلى الحصول على إعفاءات بخصوص العقوبات المفروضة البرنامج النووي الإيراني.

أعلنت طهران الإثنين الماضي أنها تجاوزت الحد المسموح به من اليورانيوم المخصب في الاتفاق النووي لعام 2015، أو ما يعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة، بعد أسبوع من إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة.

ما الدافع وراء هذه النزعة العدائية الجديدة لإيران، وما الذي تسعى لتحقيقه؟

تجمع السياسة التي تنهجها إيران بين عنصرين: عدم الامتثال لبنود خطة العمل الشاملة المشتركة وما يطلق عليها أنشطة المنطقة الرمادية، كالهجمات غير التقليدية التي تقوم بها إيران عبر وكلائها، وتخريب ناقلات وخطوط أنابيب النفط، والهجوم على الطائرة المسيرة إلى غيره من الأنشطة. لكن الرأي السائد حول هذا الموضوع هو سعي إيران للضغط على الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات الاقتصادية. في الوقت الذي يمكن القول فيه إن هذا الرأي ليس خاطئا بشكل كلي، إلا أنه لا يتطرق لأهم أولويات طهران.

يحاول علي خامنئي، المرشد الأعلى، إثارة أزمة لإخافة الزعماء الأوروبيين من الحرب والاضطراب الاقتصادي والدفع بهم للضغط على الولايات المتحدة كي تحصل إيران على ما تريد. فقد أعطى خامنئي مهلة للأوروبيين، لتبدأ القوى الأوروبية بالضغط على الولايات المتحدة خلال قمة مجموعة العشرين في أوساكا اليابانية نهاية الأسبوع الماضي. يسعى خامنئي تحديدا للحصول على سبعة إعفاءات بحلول آب/ أغسطس القادم. ولا تتعلق هذه الإعفاءات بالقطاع المصرفي وبيع النفط - أي العقوبات الاقتصادية - وحسب ولكنها مرتبطة كذلك بالعلاقات الدولية التي تربط إيران بمواقعها النووية.

أعطت خطة العمل الشاملة المشتركة لإيران امتيازين هامين: تخفيف العقوبات الاقتصادية ومباركة دولية لبرنامجها النووي "السلمي".

في تشرين الثاني -نوفمبر الماضي، قامت وزارة الخزانة الأمريكية بإنفاد أمر الرئيس ترامب القاضي بإنهاء خطة العمل المشتركة الشاملة من خلال فرض عقوبات اقتصادية عن إيران. لكن واستجابة للضغوط الأوروبية قامت وزارة الخارجية بإصدار سبعة إعفاءات كان الهدف منها دعم الشراكات الدولية للمشاريع النووية التي جاءت نتيجة لخطة العمل الشاملة المشتركة.

تتضمن هذه الشراكات، على سبيل المثال، مبادرة بقيادة روسية للمساعدة في إنتاج النظائر المشعة المستقرة، التي يتم استعمالها لأغراض طبية، داخل منشأة "فوردو" النووية. كان الغرض الأساسي من هذه المنشأة، التي هي عبارة عن مخبأ محصن أسفل جبل، التمويه وحماية أجهزة الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم المستعمل لصنع الأسلحة. لا زالت الشراكة الروسية الإيرانية قائمة حيث يمكن استخدام هذه المنشأة لاحقا في إنتاج الأسلحة النووية.

في 3 أيار/ مايو الماضي، ألغت وزارة الخارجية اثنين من الإعفاءات السبعة المتعلقة بتصدير اليورانيوم المخصب إلى روسيا والماء الثقيل إلى عُمان. دفع هذا الإجراء بإيران إلى تبني استراتيجية عدوانية.

يعتبر خامنئي هذه الإعفاءات حصنا دوليا منيعا لبرامج لا تعدو كونها "سلمية" أو "مدنية". بصيغة أوضح، إن الحرب الشرسة التي تشنها إيران من أجل الحصول على إعفاءات هي حرب لحماية برنامجها النووي الذي يعتلي مكانة أهم من أي اعتبار اقتصادي عملي بالنسبة لخامنئي.

من المؤكد أن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس ترامب الآن، قد تكون قوية بما يكفي لإجبار خامنئي على إعادة التفكير في أولوياته في نهاية المطاف- لكن ليس قبل الانتخابات الأمريكية التي ستجري عام 2020. من شبه المؤكد أن يقدم رئيس ديمقراطي لإيران كل ما تحتاجه دون مقابل. أما فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية، فيسعى خامنئي إلى كسب المزيد من الوقت.

أما فيما يتعلق بالإعفاءات السبعة، فهو لا يستطيع الانتظار. إنه بحاجة إلى إقناع وزارة الخارجية بإعادة تفعيل الإعفاءين الملغيين والحصول على وعد منها بعدم إلغاء الإعفاءات الخمسة المتبقية، والتي سيتم تمديدها في 1 آب/ أغسطس القادم.

بالإضافة إلى هذه الإعفاءات، يسعى خامنئي إلى الحصول على التزام من ترامب بعدم استعمال ما يطلق عليه "سناب باك" التي أقامها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عندما أقر خطة العمل المشتركة أو ما يعرف بالاتفاق النووي. تسمح هذه الآلية لأي طرف في الاتفاقية يعتقد بقيام إيران بأنشطة تنتهك بنود الصفقة النووية بإعادة إقرار جميع قرارات الأمم المتحدة التي كانت قائمة بحق إيران قبل الصفقة. فقد دعا كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو والسناتور، تيد كروز، الإثنين الماضي الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي إلى استخدام آلية "سناب باك" المتعددة الأطراف.

في حال لجأ ترامب إلى هذا الخيار، فلن ينهي التعاون الدولي الذي تتيحه الإعفاءات السبعة فحسب، بل سيضع البرنامج النووي الإيراني مرة أخرى خارج نطاق القانون الدولي. إن أكبر إنجاز حققته إيران من خلال التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة لم يكن تخفيف العقوبات الاقتصادية عنها، بل هو إضفاء الشرعية الدولية على برامجها للأسلحة النووية.

في سعيه لاستعادة هذين الإعفاءين وحماية الخمسة الباقية، يعتقد خامنئي أن لديه ورقة رابحة: رغبة ترامب في الفوز بالانتخابات. أثناء حملته الانتخابية سنة 2016، وعد ترامب بتحقيق السلام والازدهار، ويأمل اليوم أن يقف أمام الناخبين مرة أخرى عام 2020 وقد أوفى بوعده بعدم جر الولايات المتحدة إلى حروب لا طائل من خوضها في الشرق الأوسط. يعتقد خامنئي أن بإمكانه إثارة اضطراب من شأنه أن يكون كافيا لتقويض ذلك.

أعطت خطة العمل الشاملة المشتركة طريقا قانونيا لإيران في سعيها لصنع قنبلة نووية، وزمرة من الشركاء الدوليين الذين، سواء أدركوا ذلك أم لا، فهم يحمون برامج إيران النووية. بغض النظر عما يريده خامنئي، فإن هدفه الأساسي هو: الحفاظ على هذه الحماية.