الخميس 2017/10/05

لماذا تسكت السعودية عن جرائم ميانمار ضد المسلمين؟ .. ( الروهينغا: صمت غريب يعم أرجاء المملكة )

بقلم: ميليسا كلاي دجيان

المصدر: ليبيراسيون

ترجمة : مركز الجسر للدراسات

في الوقت الذي أعربت فيه العديد من الدول الإسلامية عن تضامنها مع الروهينغا، جاءت ردة فعل السعودية معتدلة جداً تجاه ميانمار التي يتدفق عبرها النفط السعودي إلى الصين.

تسعى أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم لزيادة مبيعاتها إلى الصين، التي تعد أقوى زبائنها، خاصة عبر استخدام خط أنابيب نفط في بورما. ويقول المتخصص في الاقتصادات الناشئة بمركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية "جان جوزيف بوالو" إنه "ليس أمام السعودية خيار آخر سوى التعامي عما يتعرض له الروهينغا" . ويبدو أن المملكة العربية السعودية -التي تعد مهداً للإسلام- تجاهلت التطهير العرقي للروهينغا لأجل "الذهب الأسود".

وقد تم إنشاء خط الأنابيب هذا في أبريل/نيسان الماضي بهدف ربط الساحل البورمي الغربي بالصين، هو أول خط مباشر وآمن لنقل النفط بين كل من الصين والشرق الأوسط. أما بالنسبة للواردات الصينية النفطية الأخرى التي لا تمر عبر هذه الأنانيب- والتي هي بالأساس واردات سعودية- فيتم نقلها عبر مضيق "مَلَقا" قبل الوصول إلى الأراضي الصينية.

يعتبر هذا الطريق التجاري مُعرضاً بشكل خاص للاستيلاء عليه من قبل قوى معادية للصين، الأمر الذي سيعرِّض إمدادات الصين من الطاقة للخطر الشديد.

لخط أنابيب النفط الذي يمر عبر ميانمار قدرة استيعابية هائلة، تقدر ب 22 مليون طن سنويا، يصل نصفها تقريباً من السعودية، وهو ما يمثل 5٪ من إجمالي إنتاج المملكة.

والأهم من ذلك أن حكومة ميانمار، التي تقوم باضطهاد الروهينغا وإجبارهم على الرحيل نحو بنغلادش، هي نفسها التي تقوم بحماية خط الأنابيب هذا. ويضيف "جان جوزيف بوالو" أن "إدانة السعودية لميانمار ستعني خسارة السوق النفطية الصينية".

ليس هذا وحسب، فخط الأنابيب المذكور يمر عبر الأراضي الزراعية التابعة للروهينغا حيث استولى منتجو النفط على أراضيهم دون تعويض ماليٍّ يُذكر. وطالبت الأقلية المسلمة بحقوقها في هذه المنطقة على مرِّ سنوات، إلا أن النظام العسكريّ الذي تحكّمت فيه شِركات النفط عبر الرشاوى ظل هو المستفيد الوحيد من خط أنابيب النفط، ولا يُتوقع أن يتنازل الجنرالات عن تلك الفوائد، وهو ما يعني أنهم سيستمرون في اضطهادهم لأقلية الروهينغا.

ويعلق مهندس البترول الذي عمل لسنوات طويلة مع البنك الدولي موفق حسان بقوله "تستخدم هذه الأموال في تأمين تقاعد العسكريين".

الصين سوق النفط الواعدة الوحيدة:

منذ أن بدأت الأمم المتحدة باستغلال النفط الصخري ووقف استيراد احتياجاتهم النفطية من السعودية التي كانت مزوّدَها الأول، مع تنامي الوعي البيئي بالتلوّث وزيادة المنافسة على استعمال الطاقة النظيفة، كل هذا جعل السعودية حريصة على الحفاظ على زبائنها الكبار الذين أصبحوا عملة نادرة وتُعد الصين إحداهم. وعلى الرغم من تصنيفها من بين أكثر البلدان تلوثا؛ إلا أنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على الذهب الأسود. فإذا كانت الصين موطنا لـ 20٪ من سكان العالم، فهي لا تتوفر سوى على 1٪ فقط من إجمالي موارد النفط في العالم.

"وعلى عكس الولايات المتحدة، تُعتبر الصين سوقاً مضمونة، فقد قدّرت الوكالة الدولية للطاقة أن استهلاك الصين من النفط سيصل إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول عام 2030" بحسب ما جاء على لسان جيفري تاوسن "أستاذ جامعي للمالية في جامعة بكين"، الذي أضاف أن فرنسا قد بلغت في استهلاكها للنفط 1.6 مليون برميل يومياً في عام 2014.

تمّ توقيع اتفاقية جديدة في أواخر آب أغسطس بين كلٍّ من بكين والرياض تصل قيمتها 70 مليار دولار، معظمها في مجال الطاقة. وأضاف جان جوزيف بوالو "وهو مختص في الاقتصاد الصيني" أن "السعوديين مستعدون لفعل أي شيء لضمان سلامة هذا الأنبوب".

أما بخصوص الجانب الصيني، فأحد الأهداف الرئيسية لـ"شي جين بينغ" هو بناء سلسلة من البنيات التحتية الضخمة لربط بلده بشكل أفضل مع بقية العالم، ويأتي تعزيز التجارة مع مزوّديه الرئيسيين بالنفط على رأس هذه القائمة: وخصوصا مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذ يطلق على هذا النوع من الرؤية مسمى " طريق الحرير" والتي غالبا ما تسمى بمبادرة "حزام واحد -طريق واحد".

وقامت كل من شركة سينوبك الصينية وشركة أرامكو السعودية "وهما شركتا النفط الرئيسيتان" بالقيام بمشاريع مشتركة. بل إن الدولتين قامتا بالاستثمار في مشاريع كبيرة بعيدة عن مجال النفط. وقال جيفري توسون "إن المملكة العربية السعودية والصين مرتبطتان دون إمكانية لفض الشراكة التي تقوم بينهما".

"لا جدوى من كل هذه الغوغاء" :

يرى جان جوزيف بوالو " أن حجم العلاقات الاقتصادية الصينية السعودية يتجاوز بشكل كبير مسألة الروهينغا. ولم تظهر المملكة العربية السعودية دعمها إلا من خلال المساعدات الإنسانية.

ففي 19 من سبتمبر / أيلول، أعلن الملك سلمان أنه سيتبرع بمبلغ 15 مليون دولار للروهينغا، وهو ما اعتبره المهندس موفق حسن "تمويهاً"، مضيفاً أن " 15 مليوناً ليست بالأمر الجلل؛ إذ بإمكان أي مُوسر أن يتبرع بذلك في طَرفة عين، وأن ما فعلته السعودية قامت به كي لا تستقبل اللاجئين".

ويضيف مضاوي الرشيد "وهو أستاذ سعودي في كلية لندن للاقتصاد" أن المواقف السلبية جزء من السياسة الرسمية للقادة السعوديين، "فمنذ تولّي وليّ العهد ابن سلمان السلطة، سقط مفهوم التعاون الإسلامي وحلَّ محلّه مفهوم تعزيز القومية السعودية، ولم تعُد السعودية تهتم إطلاقاً بقضايا المسلمين عبر العالم".

فما الذي يمكن أن نرجوه من منظمة التعاون الإسلامي (أويك)، التي تهيمن عليها المملكة العربية السعودية؟ فقد اجتمع الدول الأعضاء في 11 أيلول /سبتمبر لمناقشة قضية الروهينغا، وقرّروا منح المساعدات المالية للاجئين ولم يأتوا على ذكر فرض عقوبات على ميانمار.

فليس شعب الروهينغا أول من عانى الاضطهاد باسم الذهب الأسود، ففي التسعينات، استولت شركة "توتال" على واحد من أكبر حقول الغاز، الذي يعرف باسم حقل "يادانا" الواقع جنوب بورما.

حيث قامت شركة النفط والغاز هذه بإنشاء خط أنابيب يمر عبر بورما لتصدير الغاز إلى تايلاند. جاء إنشاء خط الأنابيب المذكور على حساب قرى مأهولة بأقلية كارين، وهي قبائل تيبتو تقع شرق بورما.

قام الجيش البورمي بقمعهم، وإجبارهم على العمل في حقول الغاز هذه. وقد تظاهر النظام العسكري بالتعامي جراء الرشاوي التي قدمتها شركة توتال ، كما إن تعبئة المنظمات غير الحكومية لم تؤتِ أُكلها.

ويعلّق موفق حسن قائلاً "إنه لا جدوى من كل هذه الغوغاء، إذ لم تستطع أونغ سان سو تشي نفسها فعل شيء، فهي ليست قوية بما فيه الكفاية لتقف ضد النظام العسكري. كما إنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات بحق توتال في منطقة كارين في ذلك الوقت، وهو نفس ما سيحدث في قضية الروهينغا اليوم ".