الأحد 2019/02/24

لماذا تراجع ترامب فجأة عن قراره بسحب كل قواته من سوريا؟


بقلم: ريك نواك

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


عندما تعلن الأمم تحقيق النصر على الجماعات الإرهابية، فإن هناك ثلاث مراحل في الغالب للقيام بذلك: الإعلان عن تحقيق انتصار كامل، تليها مرحلة الشكوك بشكل تدريجي، وفي النهاية الاعتراف بأن الأمور قد تكون أكثر تعقيداً قليلاً عما يُفترض.

عندما يتعلق الأمر بتنظيم الدولة، فقد انتقل الرئيس ترامب من المرحلة الأولى ("بعد الانتصارات التاريخية ضد تنظيم الدولة، حان الوقت لإعادة قواتنا الباسلة إلى أرض الوطن!") إلى المرحلة 3 في غضون شهرين فقط. وفي تحول مفاجئ بشكل جزئي، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، هذا الأسبوع  أن "مجموعة صغيرة من القوات الأمريكية تتألف من نحو 200 جندي ستبقى في سوريا لبعض الوقت من أجل حفظ السلام". لا يزال تمديد مهمة هذه المجموعة أمرا مؤقتا، لكن إعلان ساندرز كان بعيدا كل البعد عن النصر الطويل الأمد الذي تحدث عنه ترامب في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي. فقد كان من المتوقع أن يتم سحب جميع القوات الأمريكية من البلاد بحلول نهاية شهر نيسان/ أبريل القادم.

فما الذي تغير الآن؟

التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة:

عرفت المنطقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، الذي يعرف أيضا باسم "داعش"، تقلصا كبيرا في الأشهر الأخيرة. وحسب العديد من المعطيات فإن المناطق التي لا تزال تحت سيطرة مقاتلي التنظيم معظمها غير مأهول بالسكان. والواقع أن الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة قد تقلصت الآن بشكل كبير ولم يبق منها سوى جزء صغير من قرية الباغوز، التي من المتوقع أن تنهار قريباً أيضا.

على الرغم من التطورات الإقليمية، فقد أظهر الشهران الماضيان أن استعادة أراضي التنظيم لا يعني بالضرورة الانتصار عليه، إذ لا يزال يُعتقد أن الآلاف من مقاتلي هذا التنظيم مازالوا في كل من سوريا والعراق، وقد أثار قرار الولايات المتحدة الانسحاب، مخاوف من أن ينمو هذا العدد مرة أخرى. حتى الآن، يعتمد المقاتلون الأكراد في سوريا على حليفتهم، الولايات المتحدة، في الاحتفاظ بأراضيهم ومراقبة المئات من معتقلي تنظيم الدولة الذين تم اعتقالهم عندما فقدت المجموعة أراضيها.

يهدد الأكراد اليوم، الذين يشعرون بأن واشنطن قد تخلت عنهم، بإطلاق سراح مقاتلي تنظيم الدولة المعتقلين للتركيز على معركة محتملة تخص وجودهم. لا يمكن اعتبار هذا أمرا مفاجئا، لكن يبدو أن كلا من أوروبا والولايات المتحدة لا تملكان خطة لما قد يحدث في الأيام القادمة. ما زاد من استياء حلفاء الولايات المتحدة. حث ترامب أوروبا فيما بعد على السماح لمقاتلي تنظيم الدولة الغربيين بالرجوع إلى بلدانهم، على الرغم من أنه تدخّل يوم الأربعاء شخصيا للحؤول دون عودة امرأة أمريكية انضمت إلى تنظيم الدولة من ولاية ألاباما. إن أسباب رفض الحكومة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين عودة مواطنيهم الذين انضمّوا إلى تنظيم الدولة مرتبطة بتخوفهم من عدم قدرة المحاكم على إصدار أحكام في حق هؤلاء المقاتلين بسبب نقص الأدلة، ما يسمح لهم بالتجول في شوارع باريس أو لندن أو نيويورك بدلا من إرسالهم إلى السجن.

وبما أن عدداً قليلاً من الدول مستعدة للسماح لمواطنيها بالعودة، فإن الخيارات المتاحة لإيجاد حل لهذه المعضلة محدودة، فقد اختارت الدول مواصلة النهج نفسه، طالما أن هناك قوات داخل سوريا.

خطط لإنشاء "منطقة آمنة" شمالي شرق سوريا:

أدّت تداعيات إعلان ترامب عن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية، في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، إلى مخاوف من احتمال أن يحارب حليفان أمريكيان بعضهما بعد رحيل الولايات المتحدة. تعتبر الولايات المتحدة حليفا رسميا لتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والداعم الرئيسي للأكراد، الذين تعتبرهم تركيا أعداء، وتعهدت بمهاجمتهم بمجرد انسحاب القوات الأمريكية.

ولمنع هذا التصعيد، تم اقتراح إنشاء "منطقة آمنة" بين تركيا والأراضي الواقعة تحت سيطرة الأكراد. لكن الانسحاب الكامل للولايات المتحدة سيجعل إنشاء منطقة آمنة كهذه مهمة شبه مستحيلة، بالنظر إلى أن القوتين اللتين يمكنهما القيام بدوريات، فرنسا وبريطانيا، حذرتا ترامب من أن قواتهما لن تبقى في سوريا إذا قام بسحب قواته.

مخاوف بشأن النفوذ المتنامي لإيران:

أبدت دول أخرى استعدادا أكبر لملء الفراغ الذي سيخلفه خروج قوات الولايات المتحدة من سوريا، خاصة مع تمركز إيران كحليف رئيسي لبشار الأسد بشكل جيد. عملت قوات النظام في السنوات الأخيرة يدا بيد مع المليشيات التابعة لإيران والقوات الروسية. وستتطلع الدول الثلاث إلى توسيع نفوذها في الأجزاء الشمالية الشرقية من البلاد، التي يسيطر عليها حاليا المقاتلون الأكراد بدعم من الولايات المتحدة.

عندما ناقشت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في مؤتمر ميونخ للأمن في وقت سابق من هذا الشهر، أعربت عن قلقها أيضا من قبل بعض المسؤولين الأمريكيين: "هل تعتبر فكرة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا بسرعة وبشكل مفاجئ فكرة جيدة؟ أم إنها ستعزز مرة أخرى قدرة إيران وروسيا على ممارسة نفوذهما هناك؟".

يُظهر إعلان ترامب الخميس الماضي ببقاء بعض من القوات الأمريكية في سوريا أن معرفة الإجابة عن هذا السؤال تنطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة لإدارة ترامب أيضا.