الجمعة 2018/07/06

لقد قمنا بتسليم سوريا إلى بوتين مسبقا، فما الذي يستطيع ترامب فعله؟


بقلم: دنيس روس

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يُعرَّف الجنون على أنه القيام بالشيء نفسه مراراً وتكرارا وتوقع نتائج مختلفة.

ينطبق هذا التعريف على كل من مقاربة الرئيس باراك أوباما والرئيس ترامب في التعامل مع روسيا بشأن "الحرب الأهلية السورية".

لقد أصدرت كل من واشنطن وموسكو مراراً وتكراراً بيانات مشتركة تحدد مبادئ التصدي للصراع الذي يدور في سوريا، وذلك من أجل التخفيف من حدة الكوارث الإنسانية المروعة التي تحدث هناك، غير أن الروس لا يلتزمون بتعهداتهم.

وإذا ما نظرنا إلى هذا السجل التاريخي المليء بالفشل، فإننا نجد أن وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، جون كيري، ووزير الخارجية الروسي الحالي سيرغي لافروف كانا قد توصلا إلى اتفاق فيما يعرف بمبادئ فيينا في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2015. ودعا النظيران إلى وقف الأعمال العدائية؛ ورفع الحصار عن جميع المدن وكذا توفير الغذاء والأدوية والمواد الإنسانية الأخرى دون عوائق؛ وصياغة دستور جديد خلال مدة قُدرت في ستة أشهر؛ بالإضافة إلى البدء في عملية الانتقال السياسي خلال 18 شهرًا. في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2015، قام مجلس الأمن الدولي بالمصادقة على هذه المبادئ في قرار رقم 2254.

لقد انتهك نظام بشار الأسد بشكل صارخ جميع الشروط التي نص عليها القرار فلم يقم برفع الحصار ولم يسمح بمرور الإغاثات الإنسانية للمدنيين. كما أن الروس لم يلتزموا بأي من هذه البنود، على الرغم من أن الأسد والروس قاموا أخيراً بتطبيق قرار وقف إطلاق النار بعد شهرين من صدور القرار، لينهار فيما بعد بحلول نيسان/ أبريل من عام 2016 مع استئناف نظام الأسد هجومه ضد الأهداف المدنية، والتركيز على المستشفيات بشكل خاص. كما ركز أثناء استخدامه للأسلحة الكيمياوية على قصف المستشفيات لإظهار أنه لن يحترم أي حدود. لم يفعل كيري شيئا سوى إدانة هجمات الأسد ودعا موسكو إلى تطبيق البنود المنصوص عليها في قرار كانون الأول/ ديسمبر من عام 2015.

قال حينها: “لقد وقعنا جميعنا على نفس الاتفاق، ودعمنا جميعاً قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يدعو إلى وقف الأعمال العدائية في كل أنحاء سوريا"، مضيفًا أن " القرار يدعو إلى تقديم المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا". لقد كانت كلمات كيري واضحة، ولكن دون جدوى.

ليس من المستغرب أن تكون مكالمات كيري بلا طائل. فبحلول خريف عام 2016، حاول مرة أخرى التوصل إلى اتفاق بخصوص مركز العمليات المشتركة مع الروس على أمل الحد من العنف وجعلِ العملية السياسية ممكنة. أُحبطت هذه العملية، وأعلن كيري أنه كانت لديه "شكوك عميقة حول ما إذا كان بإمكان روسيا ونظام الأسد الوفاء بالالتزامات التي تم التوصل إليها في جنيف".

جاء الرد الروسي بشن هجوم على حلب وانتهاج سياسة الأرض المحروقة، والتي حولت النصف الشرقي من المدينة – أكبر مدينة في سوريا - إلى أنقاض. أدى هذا إلى نسف جهود كيري.

حاول ترامب التوصل إلى اتفاق مع الروس، على هامش قمة مجموعة العشرين في ألمانيا في تموز/ يوليو 2017، توصل ترامب ونظيره الروسي حينها إلى اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا. التقى ترامب مرة أخرى مع بوتين في تشرين الثاني/ نوفمبر في قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في مدينة دانانغ الفيتنامية، وأصدرا بياناً مشتركاً آخر بشأن سوريا. شدد البيان على "أهمية مناطق خفض التصعيد كخطوة مؤقتة للحد من العنف في سوريا، وفرض اتفاقيات وقف إطلاق النار، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتهيئة الظروف للحل السياسي النهائي للصراع" حيث استند هذا البيان على قرار مجلس الأمن رقم 2254.

فكيف تصرف الروس بعد ذلك؟ شن الروس جنباً إلى جنب مع نظام الأسد والإيرانيين حملات عسكرية دمرت وأخلت ثلاثة مناطق - من أصل أربعة- خاضعة لاتفاقيات خفض التصعيد عن بكرة أبيها.

في حين ظل الاتفاق الذي توصل إليه كل من ترامب وبوتين بخصوص جنوب غرب سوريا قيد التطبيق، الشيء الذي سمح لنظام الأسد والروس بشن هجمات على الأماكن الأخرى التي لم يشملها البند. حوّلَ الأسد والروس انتباههم في الآونة الأخيرة نحو جنوب غرب سوريا، فقاموا بقصف هذه المنطقة بلا هوادة. في 21 حزيران/ يونيو الماضي، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا تحذر فيه نظام الأسد والحكومة الروسية من "التداعيات الخطيرة لهذه الانتهاكات".

كثف الروس قصفهم بعد ذلك، مما أدى إلى تدفق جديد للاجئين الذين تقدر أعدادهم بحوالي 270 ألف سوري باتجاه الأردن والحدود الإسرائيلية. فهل واجهت موسكو أي "تداعيات خطيرة"؟ لا – لم يحدث شيء يذكر، وها هو ترامب يترقب عقد قمة مع بوتين.

لم يكن أوباما ولا ترامب على استعداد لفرض أية عقوبات على الروس. فكلاهما يسعى إلى الخروج من سوريا، كما إن كلاهما قد سمح بأن يكون لبوتين القول الفصل فيما يحدث.

إذن ما الذي يجب أن يفعله ترامب في القمة التي ستجمعه ببوتين في 16 تموز/ يوليو الجاري التي ستجري في هلسنكي؟ بحكم الضرورة يجب على ترامب أن يركز على النقاط التالية: ستحافظ الولايات المتحدة على وجودها في سوريا حتى يختفي تنظيم الدولة، إذا قامت روسيا بالتصدي للنفوذ الإيراني المتنامي في سوريا، الذي سيؤدي إلى حرب أوسع نطاقاً بين إسرائيل والإيرانيين فإننا سندعم الإسرائيليين بشكل كامل، مما يجعل من مصلحة بوتين وقف توسع الإيرانيين ووكلائه في سوريا ومنع تصعيد إقليمي أكبر، ومن المرجح أن يقترح ترامب وضع الروس لخطوط حمراء بين الإسرائيليين والإيرانيين في سوريا.

من المحتمل أن يطلب ترامب من بوتين لعب دور الوسيط مع الإيرانيين. بغض النظر عن احتمال حدوث سوء تقدير لحسابات طهران، فإن ذلك قد يمنح بوتين فرصة للتنسيق مع الولايات المتحدة بشأن إيران، فبعد أن سلمت الولايات المتحدة سوريا إلى روسيا، فأحداث التاريخ دليل على أن الولايات المتحدة لا تستطيع تحقيق المزيد في سوريا.

 

 

عمل دنيس روس، عضو بارز في معهد واشنطن، في مناصب الأمن القومي العليا في إدارة كل من ريغان وجورج دبليو بوش وكلينتون وأوباما.