الجمعة 2019/04/26

كيف أخطأت الولايات المتحدة في إحصاء أعداد قتلاها بسوريا؟


بقلم: إلياس غرول وروبي غرامر

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


 ترى عدد من المجموعات الحقوقية أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قد قتل أعدادا كبيرة من المدنيين، أكثر بكثير مما تم الكشف عنه سابقا خلال معركتها ضد تنظيم الدولة.

قللت الولايات المتحدة بصورة كبيرة من أعداد المدنيين الذين قُتلوا في الهجوم الذي شنه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على عاصمة تنظيم الدولة المزعومة قبل عامين، وفقا لبحث أجرته مجموعتان رائدتان في مجال حقوق الإنسان.

في تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية ومنظمة "إير وورز" الحقوقية جاء فيه أنه خلال الحملة التي استمرت أربعة أشهر لإخراج تنظيم الدولة من مدينة الرقة السورية عام 2017، قتل نحو 1600 مدني نتيجة للغارات الجوية والقصف الذي شنته قوات التحالف على المدينة.

وفقا للمتحدث باسم الحملة الأمريكية التي يقودها التحالف لهزيمة تنظيم الدولة، فقد قدرت أعداد القتلى المدنيين في الرقة بنحو 318 مدنيا فقط.

كما خلص التقرير، الذي يستند إلى ما يقرب عامين من التحقيق والبحث، إلى أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة كان مسؤولا عن وقوع أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، خلال حملته التي استمرت أربع سنوات لتدمير خلافة تنظيم الدولة في كل من سوريا والعراق، والتي تفوق بكثير الأرقام المعلن عنها.

قدر الجيش الأمريكي في شباط/ فبراير الماضي أنه قتل عن غير قصد قرابة 1257 مدنيا خلال الحملة التي بدأها عام 2014. لكن دوناتيلا روفيرا، باحثة في منظمة العفو الدولية والتي قادت التحقيق، قدرت أن العدد الحقيقي للقتلى أعلى بكثير بنحو 10 أضعاف. ووصفت مستوى الدمار في الرقة بأنه "لم يسبق له مثيل في العصر الحديث".

استخدمت منظمة العفو الدولية ومنظمة "إير وورز" الحقوقية بيانات من مصادر عامة، وأجرت مقابلات على الأرض، كما استخدمت صورا مأخوذة من الأقمار الصناعية لتقدير أعداد القتلى المدنيين.

أكد التقرير حجم التحدي الذي واجتهه الولايات المتحدة وقوات التحالف في محاولاتها للإطاحة بمقاتلي تنظيم الدولة المحاصرين والذين استخدموا المدنيين دروعا بشرية. لكنه أثار تساؤلات أيضا حول ضرورة شن حملة جوية شرسة وأثار إمكانية تقويض الضربات الجوية لأهداف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في كل من سوريا والعراق.

قال المتحدث باسم الحملة الأمريكية لهزيمة تنظيم الدولة في رده على التقرير: "يتخذ التحالف جميع التدابير اللازمة لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، كما يُجري تقييما شاملا للادعاءات بخصوص الضحايا المدنيين".

يسلط التقرير الضوء أيضا على سياسة إدارة ترامب المتمثلة في تخفيف قواعد مشاركة الجيش الأمريكي، والتي قامت برفع بعض القيود التي وضعت في المقام الأول لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين.

قال فرانسيس براون، باحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، والذي شغل منصب مساعد في مجلس الأمن القومي خلال الفترة الرئاسية لكل من دونالد ترامب وسلفه، باراك أوباما، "خلال فترة عملي في [مجلس الأمن القومي] برئاسة كل من أوباما وترامب، كان من الواضح مع قدوم الإدارة الجديدة، أن قضايا حقوق الإنسان ليست من أولوياتها مقارنة بالإدارة القديمة، حيث صرح حينها القائد الأعلى للقوات المسلحة بالقول: " سندمر تنظيم الدولة".

في أوائل شهر آذار/ مارس الماضي، ألغى ترامب جزءا من الأمر التنفيذي لعام 2016 الذي وقعه أوباما والذي ينص على الكشف عن الضحايا المدنيين الذين لقوا حتفهم جراء الغارات الجوية الأمريكية. قال البيت الأبيض في ذلك الوقت إنه كان يتخلص من "طلبات تقديم تقارير غير ضرورية، وهي طلبات لا تحسن من مستوى شفافية الحكومة، بل تصرف انتباه مسؤولي الاستخبارات عن القيام بمهمتهم الرئيسية".

يقول مسؤولون عسكريون أمريكيون إن الحرب الجوية ضد تنظيم الدولة، والتي وفرت غطاء بريا للقوات المحلية التي تقاتل هذه الجماعة، اعتمدت بشكل كبير على استعمال أسلحة دقيقة بهدف التقليل من الخسائر في صفوف المدنيين. وكتب القائد العسكري السابق للعمليات التي يقودها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة آنذاك، ستيفن تاونسيند، لمجلة "فورين بوليسي" عام 2017 "أتحدى أي شخص أن يجد حملة جوية أكثر دقة في تاريخ الحروب ".

لكن تقرير منظمة العفو الدولية ومنظمة "إير وورز" رسم صورة عن الدمار الشامل الذي لحق بالرقة. إذ تم تجريف ما لا يقل عن 11 ألف مبنى خلال الحملة التي قادها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة وفقا لهذه المنظمات، التي استخدمت صورا من الأقمار الصناعية لتحديد وقت التدمير. زار باحثو منظمة العفو الدولية الرقة أربع مرات خلال الحملة الأمريكية وقاموا بتوثيق أسماء أكثر من 1000 مدني ممن لقوا حتفهم خلال الحملة.

حث كريس وودز، مدير منظمة إير وورز، قادة التحالف على "التوقف عن إنكار الأعداد الهائلة للقتلى المدنيين والدمار الناجم عن الهجوم الذي قاموا به في الرقة."

وأضاف وودز : "يحتاج التحالف إلى إجراء تحقيق كامل حول الأخطاء التي حدثت في الرقة والتعلم من تلك الدروس، لمنع إلحاق مثل هذا النوع من المعاناة بالمدنيين المحاصرين في عمليات عسكرية بالمستقبل".

استهدفت الغارات الجوية الأمريكية مقاتلي التنظيم أثناء انتقالهم بين الأبنية في المناطق المدنية التي تشهد كثافة سكانية عالية، حيث كانوا يستخدمون في الغالب المدنيين كدروع بشرية. ونتيجة لذلك، أحدثت الحملة الأمريكية، الرامية إلى إخراج تنظيم الدولة من الرقة وغيرها من المدن التي احتلتها التنظيم، دمارا هائلا على الرغم من استخدام الأسلحة الدقيقة.

وكتب الرائد في الجيش الأمريكي، أموس فوكس، في مقال له العام الماضي: "لقد دحضت هذه المقاربة الوعد القائل بتوجيه ضربات دقيقة، ما وضع المدينة وسكانها في مواجهة مستقبل لا يختلف كثيرا عما لو كانوا تعرضوا لوابل من القنابل والقذائف المدفعية العشوائية".

يعتقد بعض الخبراء أن نهج هذه المقاربة يأتي بنتائج عكسية، وقد يثير نقمة السكان المحليين على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وقالت شانا كيرشنر، الخبيرة في شؤون سوريا والأستاذة المساعدة في كلية ألغيني "إن هذه المقاربة تلحق الضرر بعلاقاتنا في الشرق الأوسط، ونعلم أنها أداة تجنيد رائعة للجماعات الإرهابية".

قال دانييل ماهانتي، الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي عمل في وزارة الخارجية لحماية المدنيين خلال النزاعات، إنه قلق من أن البنتاغون منشغل بالتصدي لوسائل الإعلام والمراقبة بدلا من البحث عن الحقائق بشأن أعداد القتلى المدنيين.

وأضاف ماهانتي بالقول: "لا نريد أن يفهم أي شخص في البنتاغون أو يعامل الضحايا المدنيين والتقديرات كمسألة تتعلق بالشؤون العامة، بل يجب أن يكون لديهم الدافع للحصول على صورة أوضح ... لمنع إزهاق المزيد من الأرواح في المستقبل".

وقال براون، الذي كان يشغل سابقا منصب مساعد في مجلس الأمن القومي، إن الولايات المتحدة وشركاءها الدوليين بحاجة إلى التركيز على إعادة بناء الرقة بسرعة. مضيفا :: "إن مستوى الاحتياجات مرتفع بشكل مهول هناك، كما إن إعادة الإعمار كانت بطيئة، الأمر الذي قد يساعد في تهيئة الظروف لتنظيم الدولة أو منظمات أخرى للاستفادة من المظالم المحلية وتأصيل جذورها هناك مرة أخرى". مؤكدا "أن من شأن ذلك أن يعيدنا على الأرجح إلى نقطة بداية حملة مكافحة الإرهاب."