الأربعاء 2019/02/27

فورين بوليسي: هل حان وقت رحيل ظريف؟


بقلم: أريان طاباطابي

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، هذا الأسبوع أنه سيستقيل من منصبه بعد ست سنوات من توليه. خلال هذه الفترة، أصبح ظريف واحدا من أبرز السياسيين الإيرانيين المعترف بهم في الداخل والخارج، وقد ساعدته خطة العمل الشاملة المشتركة التي وقّعت عام 2015 على وضع بصمته في السياسة الخارجية. صفقة عجّلت أيضا من سقوطه بين صفوف المتشددين الإيرانيين واستقالته في نهاية المطاف. من غير الواضح ما إذا كان ظريف سيترك حقا السلك الدبلوماسي الإيراني أم إن المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، والرئيس الإيراني حسن روحاني، سوف يجبرانه على البقاء. لكن إعلان استقالته هذا يسلط الضوء على الانقسام الداخلي للنظام الإيراني، الذي يمكن أن يكون علامة على حدوث الاضطرابات عديدة خلال السنتين الأخيرتين لروحاني في منصبه كرئيس للبلاد.

قد تكون استقالة ظريف المفاجئة غير متوقعة بالنسبة للمراقبين الإيرانيين والأجانب على حد سواء، لكن وزير الخارجية فكر بالفعل في مغادرة الحكومة في نهاية فترة ولاية روحاني الأولى في ربيع عام 2016. في ذلك الوقت، أشار ظريف إلى أن الضغط المتزايد على فريقه أصبح لا يطاق.

ومع ذلك، ورغم الضغط الكبير الذي مارسه خط المتشدّدين، الذين رفضوا خطة العمل الشاملة المشتركة، حصل ظريف والإنجاز الذي حققه على دعم الشعب ومراكز القوة الرئيسية.

لم تكن الصفقة النووية مثالية في كل الأحوال، وقد علم كل من خامنئي والقادة العسكريون في الحرس الثوري الإيراني ذلك، لكنهم قبلوا بالاتفاق. ومع تباطؤ عملية تخفيف العقوبات، سرعان ما أصبح خامنئي أكثر انتقادا للصفقة بشكل علني. فقد بدأ في إظهار عدم دعمه لظريف وفريقه في وجه الإهانات التي كانوا يتعرضون لها على يد المتشددين.

في الوقت الذي حوّل فيه ظريف اهتمامه، الذي كان لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة في صفوف الإيرانيين، نحو العمل على تحسين المكانة الدولية لطهران والعلاقات الاقتصادية للبلاد.

كان انتخاب دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2016 بمثابة ورقة رابحة. فخلال الحملة الانتخابية، انتقد رجل الأعمال الجمهوري الاتفاق النووي وتعهد بالانسحاب منه فور انتخابه. ومع ذلك، في المحادثات مع فريق ظريف، قالوا إنهم اعتقدوا أن ترامب سيكون أكثر قابلية للتفاوض مع إيران مقارنة مع المرشحة الديمقراطية، ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. وبعد وقت قصير من تولي ترامب السلطة، أصبح من الواضح أن مصير خطة العمل الشاملة المشتركة في واشنطن في خطر. في 8 أيار/ مايو من عام 2018، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية. واستغل المتشددون الفرصة لزيادة هجماتهم على ظريف وفريقه. وحذروا من أن هناك مجموعة من الخونة الذين تخلوا عن المصالح الوطنية لصالح أمريكا.

في الوقت نفسه، ركز المعتدلون في إيران، بقيادة روحاني، على أوروبا: ففي النهاية، حسب رأي الكثيرين، فإن الإيرانيين لم يعتقدوا أبدا أن تقوم الولايات المتحدة بتحسين علاقاتها مع إيران بشكل كلي، كما إنهم لم يسعوا لتحقيق ذلك. كانوا يأملون فقط في إقامة علاقات اقتصادية (وروابط سياسية) أكبر مع أوروبا. فقد قدم الانسحاب الأمريكي وسيلة ضغط إضافية في محادثاتهم مع الأوروبيين الذين كانوا يرغبون في الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة.

ومع ذلك، فقد شكّلت العديد من التحديات الداخلية عقبات أمام تعافي إيران اقتصاديا وتحسين علاقاتها التجارية مع أوروبا، بما في ذلك سوء الإدارة والفساد الاقتصادي، وهو ما تعهد روحاني بإصلاحه. وكجزء من هذه الجهود، سعى المعتدلون إلى سن تشريع للوفاء بمعايير الشفافية التي وضعتها فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي هيئة حكومية دولية تهدف إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. دافع ظريف بقوة عن هذه الخطوة في نقاش داخلي ساخن، الأمر الذي اعتبره المتشددون تنازلا كبيرا آخر من قبل وزير الخارجية. بحسب ما يراه المتشددون فإن خطة العمل الشاملة المشتركة قد أثبتت عدم موثوقية أمريكا وموقفا ضعيفا مؤيدا للولايات المتحدة. لقد فشل ظريف في تعلم هذا الدرس.

بدا ظريف في مناسبات عدة مرتبكا أمام البرلمان الإيراني، في حين بدا أكثر ارتياحا أثناء حديثه مع نظرائه الغربيين وحضوره لقاءات المؤسسات الفكرية في الولايات المتحدة أكثر مما كان عليه بين نظرائه في الحرس الثوري الإيراني. لم يؤد هذا السلوك إلا إلى تفاقم التوتر وانعدام الثقة بينه وبين والمتشددين في الداخل. حتى إن استقالته كانت بمثابة إثبات لنظريات المؤامرة، في ظل وجود تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى تزامن استقالة ظريف مع زيارة بشار الأسد إلى طهران، حيث التقى هذا الأخير مع كل من خامنئي وروحاني.

كانت هذه الزيارة رفيعة المستوى تهدف إلى تعزيز انتصار نظام الأسد في سحق المعارضة في سوريا بشكل فعال بعد إعلان الولايات المتحدة عزمها سحب قواتها من المنطقة. فقد كان الهدف من الصور الفوتوغرافية إبراز العلاقات التي تجمع هذين الحليفين وتسليط الضوء على دور إيران كداعم كبير لنظام الأسد. لم تتم دعوة ظريف للاجتماعات، وهو مؤشر آخر على أن رصيده السياسي - الذي استعمله لتأمين واستمرارية خطة العمل الشاملة المشتركة - قد تلاشى تقريبا.

ألقت استقالته بظلالها على الحدث حيث شد الانتباه الدولي إليه. وكما هو متوقع فقد أدت استقالة ظريف إلى انقسام في ردود الأفعال، ولا يزال يتعين على اللاعبين الرئيسيين التعليق على هذا الأمر. ومازال يتعين عليها معرفة ما إذا كان النظام الإيراني سيقبل هذه الاستقالة أم لا. وبغض النظر عن هذا الأمر، فإن إعلان الاستقالة له آثار على صانعي القرار في الولايات المتحدة. والأهم من ذلك، أن الكثير سيتساءلون عما سيعنيه رحيل ظريف المحتمل بالنسبة لخطة العمل الشاملة المشتركة. على الرغم من أن الاتفاقية ستفقد بالتأكيد أكبر داعميها وأكثرهم فعالية في إيران، إلا أن مستقبلها على الأرجح لن يتأثر. لا يزال لدى خامنئي ومراكز القوة الرئيسية في إيران حافز لمواصلة تنفيذ الاتفاقية، حتى في الوقت الذي يستعدون فيه لاحتمال انهيارها.

بعد الكثير من التأمل، من المرجّح أن تنتظر طهران نهاية فترة ترامب الأولى لمعرفة من سيكون مسؤولا في الولايات المتحدة قبل اتخاذ أي قرار. لكن من المحتمل أن تعاني العلاقات الأوروبية الإيرانية بالنظر إلى العلاقات الشخصية التي تجمع ظريف بشخصيات أوروبية رئيسية.

في إيران، قد يعتبر المتشددون استقالة ظريف استسلاما ويرون التطورات التي ستلي ذلك فرصة لممارسة نفوذهم الذي يمكن أن يساعدهم في الوصول إلى مناصب قيادية خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2020 والانتخابات الرئاسية التي ستلي ذلك عام 2021. وقد يرون هذا التطور فرصة لإعادة ضبط السياسة الخارجية لبلادهم والاستفادة من رحيل ظريف للحصول على المزيد من التنازلات من أوروبا. قد تخيب آمالهم، إذا تم استبدال ظريف بشخص من فريقه (أو رفضت استقالته).

حتى الآن، أثارت استقالة ظريف الكثير من الجدل مثلما فعل توليه منصبه، الذي تميز بالانفتاح على الغرب وما نتج عن ذلك من توتر في الداخل. على الرغم من أن رحيله قد تكون له انعكاسات كبير في بروكسل والعواصم الأوروبية الرئيسية، إلا أنه من المرجح أن يكون له تأثير أعمق في طهران، حيث سيسجل كأول انتصار رئيسي للمتشددين الإيرانيين بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة.