الجمعة 2019/07/26

فورين بوليسي: هكذا حول الأسد “مخيم الركبان” إلى سجن مميت

بقلم: لارا سيلغمان

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يضغطون على النظام للسماح بوصول مساعدات الأمم المتحدة إلى مخيم الركبان.

يقوم نظام بشار الأسد بتجويع آلاف النازحين الذين لجؤوا إلى مخيم الركبان الواقع في الجزء الجنوبي من البلاد، بهدف إجبارهم على الفرار دون وجود ضمانات على سلامتهم، حسب ما جاء على لسان عدد من المسؤولين الأمريكيين وحسب تقرير جديد صادر عن منظمة بحثية سورية.

في 23 من تموز / يوليو الحالي، كان هناك نحو 11 ألف نازح في منطقة الركبان، الواقعة بالقرب من منطقة متنازع عليها بين الحدود السورية الأردنية، وفقا لمنظمة إيتانا، وهي منظمة بحثية تتخذ من عمان مقرا لها، وتعمل تحت إشراف بسمة قضماني، أحد مؤسسي مبادرة الإصلاح العربي التابعة للمجلس الوطني السوري السابق.

قامت منظمة إيتانا بجمع معلومات من مصادر مدنية وعسكرية متعددة على الأرض داخل المخيم وبالقرب منه.

 جاء في مذكرة حصلت عليها "فورين بوليسي" من منظمة إيتانا في 23 تموز/ يوليو الماضي، أن "معظم المتواجدين في المخيم مطلوبون من قبل النظام، ما يعني أن وضعهم الأمني ​​خطير، ولكن نتيجة للجوع وظروف المعيشة المزرية، يجد هؤلاء النازحون نفسهم أمام خيارين: إما الموت جوعا أو التعرض للقتل على يد النظام".

قال نائب قائد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا ضد تنظيم الدولة، اللواء أليكس غرينكويش، في مقابلة له، إن الأسد قد رفض السماح بوصول المساعدات الإنسانية الأممية إلى المخيم منذ شباط/فبراير الماضي.

كما قال جرينكويش في تصريح له لصحيفة "فورين بوليسي": "لقد حاول فريقنا العمل من خلال الأمم المتحدة لإرسال رسالة إلى النظام السوري مفادها أنه من الضروري السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المخيم.. كما دعونا جميع الأطراف للضغط على السلطات المختصة من أجل للسماح بوصول الأمم المتحدة دون قيود إلى مخيم الركبان لتقديم المساعدات اللازمة للسكان داخله".

أضاف غرينكويش أن عددا من عائلات القوات التي تدعمها الولايات المتحدة تقيم في مخيم الركبان.

تركز الكثير من وسائل الإعلام على المنطقة الشمالية الشرقية في سوريا، حيث يقوم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بشن عمليات ضد تنظيم الدولة، أو محافظة إدلب الشمالية الغربية، حيث توشك الهدنة الروسية التركية على الفشل.

لكن يلقي تقرير منظمة إيتانا الضوء على منطقة لم تلق اهتماما كبيرا في سوريا، حيث يعيش الآلاف من المدنيين تحت رحمة الأسد والمليشيات التي تدعمها إيران كحزب الله.

بدأت قصة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في 24 تموز/ يوليو الحالي حول الطرف المسؤول عن الظروف القاسية التي يعيشها النازحون في مخيم الركبان.

جاء في المقال حينها أن جيمس جيفري، المبعوث الخاص للولايات المتحدة في سوريا، أشار إلى أن الولايات المتحدة تتجاهل الوضع هناك بشكل متعمد.

وقال جيفري: "إذا قدمنا لهم المعونة سيبدو ذلك وكأننا سنبقى هناك للأبد"، موضحا: "لا يمكننا البقاء طويلا في قاعدة التنف أو أي مكان آخر في سوريا".

تقول منظمة إيتانا إن الكثيرين في المخيم يلقون باللوم على الولايات المتحدة والأمم المتحدة وحتى الأردن لعدم تقديمهم المساعدات المستعجلة لمخيم الركبان.

يلوم بعض النقاد الحكومة الأمريكية، التي تسيطر على قاعدة التنف العسكرية والتي تقع على بعد 10 أميال فقط من المخيم، لتخليها عن سكان "يموتون جوعا دون مبرر".

في حين قال غرينكويكش إن نظام الأسد هو المسؤول الأول عن الأزمة الإنسانية التي تدور في الركبان.

تحدث إلينا أحد الباحثين الذين يراقبون عن كثب التطورات التي تحدث في سوريا، شريطة عدم الكشف عن هويته، حيث قال إنه لم تكن هناك سابقة لتقديم المساعدات الأمريكية في الركبان، بغض النظر عما إذا كان النظام وداعموه الروس سيسمحون للأمم المتحدة بالوصول إلى المنطقة أم لا.

اعترض مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية على توصيف مقال "واشنطن بوست" كما قال المسؤول نفسه إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية رفضت المصادقة على حاجة مخيم الركبان إلى المساعدات لعدم قدرتها الوصول إلى المخيم، وأضاف المسؤول بالقول: "وإلا كنا سنطعم هؤلاء الأشخاص ".

ردا على سؤال حول هذا الادعاء، قال مسؤول بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إن الولايات المتحدة "تسعى إلى إيجاد كل الوسائل الممكنة لإيصال المساعدات إلى الركبان".

وقال المسؤول نفسه: "تؤمن الولايات المتحدة إيمانا راسخا بأن المقيمين في مخيم الركبان في حاجة ماسة للحصول على المساعدات الإنسانية، وقد شجعنا على ذلك، كما إننا نساعد الأمم المتحدة على تقديم هذه المساعدات لسنوات"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة قدمت أكثر من 9.6 مليار دولار على شكل مساعدات منذ بداية الحرب السورية للسكان الذين هم في حاجة ماسة للمعونة، مؤكدا أن " أي ادعاء يعارض هذا غير صحيح تماما".

لكن كولين كلارك، عضو بارز في مركز صوفان وخبير سياسي رفيع المستوى في مؤسسة راند، انتقد الحكومة الأمريكية لإبعاد نفسها عن المشكلة السورية بعد هزيمة تنظيم الدولة وسقوط الأراضي التي كانت تحت سيطرته.

قال كلارك: "تلك هي الولايات المتحدة، إذا أدرنا القيام بشيء ما وسعينا للحصول عليه، فيمكننا أن نجعله واقعا ".

بغض النظر عمن تقع المسؤولية، فإن الوضع في المخيم مزر دون أدنى شك. وفقا لمنظمة إيتانا، فقد فر آلاف النازحين من الركبان، معرضين حياتهم لخطر الاعتقال من قبل قوات النظام أو التجنيد الإجباري بدلاً من العيش في هذه الظروف القاسية.

وقال مصدر في المخيم لإيتانا: "سنموت في كلتا الحالتين، إما داخل هذا المخيم البائس أو على يد النظام ... يشهد المخيم اليوم أسوأ أوضاعه منذ إنشائه".

وأفادت المنظمة بأن الذين غادروا المخيم يعانون من سوء التغذية الحاد ويعيشون على الخبز المصنوع من مكونات تستخدم عادة لإطعام الحيوانات.

وقد أدى هذا الخبز إلى حالات تسمم غذائي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الغذاء نادر لدرجة أن الخبز يُعتبر "رفاهية".

وفي الوقت نفسه، فإن البضائع التي تصل إلى المخيم "لا يمكن تحمل تكلفتها " بسبب مراقبة التهريب وتحديد الأسعار التي يتم التحكم فيها بشكل كبير من قبل ضباط قوات النظام المحليين.

فحسب منظمة إيتانا "فقد وصلت الأسعار مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الظروف الإنسانية القاسية في المخيم".

كما إن الأوضاع الطبية أسوأ بكثير.

يفتقر الممرضون الموجودون إلى الخبرة الطبية الكافية، كما إنهم غير قادرين على تقديم العلاج للحالات الحرجة، بما في ذلك العمليات الجراحية.

يعيش المقيمون في المخيم على أمل وصول المزيد من المساعدات الأمر الذي يبدو غير مرجح، خاصة مع تبادل الاتهامات بين الأطراف المعنية.

قال كلارك: " إن الوضع الحالي في الركبان انعكاس للوقت والطاقة والموارد التي بذلت خلال هذه المعركة، وحالما سقطت الباغوز، تجاهلنا الوضع وابتعدنا".