الأثنين 2019/02/11

فورين بوليسي: ترحيب مميت ينتظر اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا

بقلم: أنشال فوهرا

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


مع اقتراب الحرب السورية من نهايتها، وتوقف البراميل المتفجرة عن نشر الرعب في البلاد، يتم تشجيع السوريين على العودة إلى بلادهم من قبل البلدان التي فروا إليها. أولئك الذين يفعلون ذلك، يكتشفون أن الاضطهاد الذي تسبب في فرارهم من بلادهم لأول مرة لم يختفِ بعد. فقد اختفى الكثيرون ممن عادوا في سجون النظام، وهو تذكير صارخ بالأخطار التي قد يواجهها اللاجئون داخل سوريا.

أجرت مجلة "فورين بوليسي" مقابلات مع أقارب لسوريين واجهوا هذا المصير في حين يدعي نشطاء أن هناك العديد ممن اعتقلوا وأعيد تجنيدهم.

كانت سوريا ولا تزال دولة بوليسية يحكمها نفس النظام ونفس الجهاز الأمني، الذي يُتهم بقيامه بالآلاف من الاعتقالات السياسية. لكن الحكومات التي تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين، بما في ذلك لبنان وألمانيا، تتعرض لضغوط سياسية داخلية لإعطاء اللاجئين حوافز تمكّنهم من العودة إلى ديارهم. كانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين حذرت الحكومات من الإعادة القسرية، الأمر الذي يتعارض مع القانون الدولي. على الرغم من امتثال البلدان المضيفة لهذه التعليمات، إلا أنها تواصل نهج سياسات تؤدي إلى نتائج مماثلة، الأمر الذي يدعو للقلق.

اختار شاب، اسمه آسر، العودة إلى سوريا من ألمانيا بعد عدم قدرته على تجاوز المشاكل البيروقراطية من أجل تأمين سفر خطيبته من سوريا باتجاه ألمانيا. وكان الحافز الإضافي هو عرض الحكومة الألمانية عليه منحة قدرها 1200 يورو (نحو 1300 دولار) لمساعدته على العودة إلى سوريا، هذا بالإضافة إلى تزايد المشاعر المعادية للاجئين في وطنه الجديد.

بعد أسبوعين من وصوله إلى دمشق، تم استدعاؤه للاستجواب في فرع المخابرات المحلي. اتصل هاتفيا بعائلته وقال لهم إنه سيعود إلى المنزل قريبا. لكن لم يسمع عنه أحد شيئا منذ ذلك الحين. دفع والداه، الذين فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم خوفا من انتقام النظام، لوسيط أخبرهم بأن آسر قد تم احتجازه. يستخدم الوسطاء على نطاق واسع لجمع المعلومات عن المختفين والمعتقلين لأن النظام لا يقدم هذه المعلومات بشكل رسمي.

ابن عمّ آسر، الذي لا يزال في ألمانيا، أخبر "فورين بوليسي" بقصة آسر، لكن شريطة عدم الكشف عن هويته. وقال: "حاول عدة مرات المطالبة بلم شمله [مع خطيبته]، لكنه لم يستطع". "لقد افتقدها وبدأ يشعر بالتعب والاكتئاب. كان هذا السبب الرئيسي وراء مغادرته ألمانيا".

إن المنحة الألمانية التي استعملها آسر للعودة إلى سوريا جزء من برنامج يعرف باسم "Starthilfe ، والذي يترجم إلى "مساعدة للبدء". كانت ألمانيا قد خصصت 43 مليون دولار للبرنامج، والذي يهدف ظاهريا لتخفيف الضغوط المالية على الأشخاص الذين قرروا بالفعل العودة إلى بلادهم. وعلى الرغم من ذلك يرى منتقدون أن هذا البرنامج ما هو إلا طريقة لدفع اللاجئين إلى المخاطرة بالعودة إلى سوريا.

كما اختفى جاسم، وهو سوري آخر غادر ألمانيا في ظروف مماثلة. وقال ابن عمه محمد، الذي لا يزال في ألمانيا، لم يستطع جاسم الحصول على الأوراق المطلوبة لالتحاق زوجته به. فقد حرقت جميع وثائقهم في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق حيث كانوا يعيشون، خلال معركة بين النظام والثوار.

يقول ابن عمه إن جاسم "غادر ألمانيا واعتقل بالقرب من الحدود اللبنانية السورية، ولم نسمع عنه أي شيء بعد ذلك "، مضيفا أنه دون زوجته، لم يستطع جاسم التكيف مع الحياة في ألمانيا، وهي ثقافة غريبة عنه. "لم يستطع التكيف معها".

لا أحد يتهِمُ ألمانيا بالتصرف بطريقة غير مشروعة في قضيتي آسر وجاسم، فكلاهما عاد طوعا. لكن رد الفعل العكسي على سياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تجاه اللاجئين في عام 2015 أجبر الحكومة على اتباع سياسات تضع اللاجئين السوريين في نفس الخطر الذي هربوا منه. تثير هذه الدينامية تساؤلات حول ما إذا كان من واجب الحكومات رعاية اللاجئين الذين يعودون إلى بلادهم بطريقة تتعارض مع النص القانوني.

اختفى الآلاف من المواطنين السوريين ببساطة في السجون التابعة للنظام، دون معرفة مصيرهم أو مكان وجودهم منذ بداية الحرب. وقد أصبح اللاجئون العائدون إلى بلادهم عرضة لهذه المعاملة القاسية. شارك بعض الذين يعيشون الآن كلاجئين في الاحتجاجات أو يُشتبه في أنهم ينتمون إلى جماعات الثوار. لدى البعض أقارب شاركوا في تلك الاحتجاجات، ولو لم يشاركوا هم أنفسهم. وقد أشار النظام إلى أنه يعتبر مغادرة البلد سببا للاشتباه.

وقالت بيليندا بارتولوتشي، وهي مستشارة في السياسة القانونية للمنظمة الألمانية لحقوق اللاجئين "برو أسيل"، إن قرار برلين تقييد لم شمل الأسرة، قد يجبر الأشخاص الذين هربوا من الحرب والتعذيب على اتخاذ قرارات كارثية، بما في ذلك العودة إلى بلد قد يتعرضون فيه " للاضطهاد أو القتل أو العيش في أوضاع لا إنسانية". وقالت بارتولوتشي: "يبدو أن الحكومة الألمانية لا تستوعب تأثير سياساتها"، مضيفة أنه في الوقت الذي لا تنتهك فيه الحكومة الألمانية القانون الدولي، فإن هناك أسئلة أخلاقية يجب الإجابة عنها ومعرفة ما إذا كانت تساهم في قرار العودة للأشخاص الذين لا يزالون عرضة لخطر الاضطهاد. تقول بارتولوتشي: "يجب على المرء أن يسأل نفسه إذا ما كان هذا هو مفهوم حقوق الإنسان التي يجب تعزيزه".

قال بيل فريليك عضو في "هيومن رايتس ووتش" إن هناك مجموعة من العوامل من شأنها أن تدفع بعدد من اللاجئين إلى العودة بشكل قسري حتى في ظل غياب سياسة رسمية. وقال: "بمقتضى مفهوم الإعادة القسرية البناءة "، فإن الأثر التراكمي للأوضاع في البلد المضيف، الذي لا ينتهك أي منها مبدأ عدم الإعادة القسرية، يمكن أن يجبر اللاجئ فعليا على العودة الأمر الذي يعد انتهاك للقانون الدولي العرفي".

تتبع أحمد حسين، الرئيس التنفيذي لإحدى المنظمات الحقوقية، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا والتي تعنى بقضايا الفلسطينيين في سوريا، على وجه التحديد عودة اللاجئين السوريين الفلسطينيين. كان كل من آسر وجاسم فلسطينيين سوريين. وقال إنه في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2018، ألقت قوات النظام القبض على عدد من اللاجئين الفلسطينيين الذين عادوا إلى سوريا من بلد أوروبي بعد رفض طلباتهم لإعادة جمع شمل الأسرة.

وقال حسين: "تم اعتقال مجموعة من اللاجئين بعد أن استدعتهم الشرطة في مطار دمشق للاستجواب في فرع فلسطين". مضيفا: "تبقى ظروفهم ومكان وجودهم غير معروفة."

وكان يوسف وهبي، وهو ناشط سوري مقيم في ألمانيا، قد سمع أيضا بهذه الاعتقالات. وقال إنه يعتقد أن هناك الآن ما يكفي من الشهادات لإثارة أسئلة حول السياسة الألمانية. وقال: "الألمان لا يجبرونهم على العودة، ولكن إذا أراد أحدهم العودة، فإنهم يسمحون لهم بالرحيل". مضيفا: "من الناحية الأخلاقية، هناك عدة مشاكل، أعتقد أنهم يقومون بحملة لتشجيع الناس على العودة. كان من الأجدر القول إن الوضع غير آمن، لكن السياسة الألمانية لا تسمح لهم بذلك.

وقال حسين إن ثلاثة أشخاص على الأقل عادوا إلى سوريا من لبنان اختفوا أيضا. تدعي الحكومة اللبنانية أن 110،000 سوريا قد عادوا طواعية إلى سوريا خلال العام الماضي – لكن الرقم الرسمي للمفوضية هو 17،000. وقالت إيلينا هودجز وهي باحثة في منظمة "سوا للتنمية" ومقرها بيروت إن الأرقام التي أصدرتها الحكومة اللبنانية مبالغ فيها وأن ادعاءها بأن الناس غادروا طواعية قضية مثيرة للجدل. وقالت: "إن ما يثير الجدل هو الخط الفاصل بين ما هو "قسري "وما هو"طوعي ".

منذ بداية الحرب السورية، جعل لبنان من الصعب على أكثر من مليون لاجئ سوري البقاء في البلاد. وفرضت الحكومة اللبنانية قيودا على التوظيف وجعلت من الصعب والمكلف الحصول على الإقامة القانونية. فعانى الكثير من اللاجئين من ارتفاع الديون ونقص الغذاء. والآن، أُجبر آلاف الأطفال على الزواج المبكر أو التسول في الشوارع. يقول معظم السوريين في لبنان إنهم ما زالوا يعتقدون أن العودة غير آمنة، في حين يقول البعض الآخر إنهم مضطرون إلى العودة فقط لأنهم يجدون أنه من المستحيل العيش في الظروف البائسة المسموح لهم بها.

تقول هودجز: "تدعي الحكومة اللبنانية أن جميع عمليات العودة طوعية حتى الآن، ولذلك فهي تحترم مبدأ عدم الإعادة القسري" مضيفة بالقول: "يرى المدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني أن الضغط المتزايد على اللاجئين للعودة، إلى جانب الظروف المتدهورة في البلدان المضيفة والمخاطر المتعلقة بالمخاطر في سوريا تجعل من عودة اللاجئين أمرا غير طوعي بشكل تلقائي".

تنص اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 بوضوح على أن الإعادة القسرية للاجئين غير مسموح بها إذا "كانت تعرّض حياة أو حرية هؤلاء للتهديد بسبب العِرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى مجموعة اجتماعية معينة أو رأي سياسي"، ما يجعل مسؤولية اللاجئين الذين يعودون طواعية على عاتق الدول المضيفة. يطالب النشطاء الآن بأن يكون ممثلو المفوضية حاضرين في كل مرة يحاول فيها أي سوري العودة، لتقديم المشورة وتعريف العائدين بالأوضاع الأمنية بشكل دقيق، مع مراعاة ظروفهم الشخصية. على الرغم من أن الاعتقالات قد تكون عشوائية، إلا أن عودة أولئك الذي شاركوا في الاحتجاجات المناهضة للنظام يواجهون تهديدا كبيرا.

صحيح أن بشار الأسد وحلفاءه لا يلقون بقنابلهم على المناطق التي استعادوها. ومع ذلك، فإن جهازه الأمني، المتهم بارتكاب التعذيب والقيام بآلاف الاعتقالات غير القانونية، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء ما زال قائما. الصيف الماضي، وربما عن غير قصد، أثار نظام الأسد موضوع انتهاكات حقوق الإنسان عندما بدأ بالإفراج عن شهادات وفاة المئات الذين لقوا حتفهم أثناء احتجازهم. تقول "هيومن رايتس ووتش" بخصوص هذا الموضوع إن الاعتقالات مستمرة بحق أولئك الذين ظلوا في مناطق الثوار بعد أن استعادها النظام، مثل محافظة درعا، التي سيطر عليها النظام في تموز/ يوليو من العام 2018.

واستنادا إلى أعداد المضطهدين العائدين، فإن الأرقام لا تزال صغيرة نسبيا. لا يزال هناك وقت لحمايتهم. لكن الدول المضيفة، التي تحرص على تلبية مطالب ناخبيها، يبدو أنها لا تدرك حجم المخاطر التي لا تزال قائمة.