السبت 2018/07/21

فورين بوليسي: الكرملين يحتفل بنتائج هلسنكي لبعض الوقت


بقلم: ألكسندر جابوي

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


حقق فلاديمير بوتين هدفه بإحراج الولايات المتحدة، لكن الروس يستعدون لرد فعل عنيف مرتقب من واشنطن.

قال سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي في تقييم أولي له حول اجتماع القمة الذي جمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي، إن القمة كانت "مذهلة، وأكثر من رائعة". حقق بوتين فوزه الخاص به في مقابلة مع وكالة (فوكس نيوز) بعد الاجتماع مباشرة، كما صرح في 19 تموز/ يوليو أمام أعضاء السلك الدبلوماسي الروسي قائلا: "لقد تم أخيرا عقد قمة تتيح فرصة  للتحدث بشكل مباشر"، مضيفاً أن القمة "كانت ناجحة بشكل عام وأدت إلى اتفاقات مثمرة"، فقد أشادت الوكالات الإخبارية الحكومية الروسية بالقمة وأداء بوتين طيلة خمسة أيام متتالية.

لقد كانت ردود الفعل التي عرفتها موسكو في الأيام القليلة الماضية شبيهة بالأجواء العامة التي تلت انتصار ترامب في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2016، عندما احتفل المسؤولون الروس لأيام بفوزه. فليس من الصعب فهم جو الاحتفالات التي تجري في موسكو الآن. إذا كان هدف الكرملين من الاجتماع بأكمله هو إحراج الولايات المتحدة، فقد كان أداء ترامب جيداً، حيث سخر بشكل علني من النتائج التي توصلت إليها المخابرات الأمريكية حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، واستهزأ بالتحقيق الذي قام به المفتش الخاص روبرت مولر في القضية.

من المرجح أن يندم الكرملين عما قريب على عقده القمة في المقام الأول، كما إنه من المرجَّح أن يؤدي الأداء الكارثي لترامب إلى عواقب غير متعمَّدة قد تضرّ بروسيا في نهاية المطاف.

توجَّه كلا الجانبان إلى قمة هلسنكي في 16 تموز/ يوليو الحالي، ولدى كلّ منهما سقف توقّعات منخفض، كما إن النتائج الفعلية للاجتماع جاءت متباينة. يعرف بوتين وفريقه حق المعرفة أن الخلافات التي بين روسيا والغرب حول قضايا مثل أوكرانيا وسوريا عميقة، وليس لها حلول سريعة. كان تجديد معاهدة "ستارت"، ووضع حدّ للاتهامات المتبادلة بشأن انتهاك معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى للحد من انتشار الأسلحة النووية، المجال الوحيد الذي بدا واعداً لاستئناف حوار رفيع مستوى بين البلدين.

ولهذا السبب فقد كانت خطة الكرملين بخصوص القمة بسيطة: فالهدف كان الاستفادة من الفوائد الرمزية لجعل ترامب وبوتين معاً على الساحة العالمية وإعطاء الرئيسين الضوء الأخضر لبدأ المباحثات التي طال انتظارها بشأن استراتيجية الحد من انتشار الأسلحة.  ركزت الجهود التي تلت القمة على قناة الاتصال الوحيدة الفعالة وهي تفعيل الحوار العسكري الذي يشرف عليه رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دونفورد ورئيس هيئة الأركان العامة الروسية فاليري غيراسيموف. انطلاقاً من تصريحات ترامب وبوتين الافتتاحية فقد تم تحقيق هذه الأهداف، وعلى الرغم من ذلك فإن الشيطان يكمن في التفاصيل.

فلو افترضنا أن نتائج القمة قد اقتصرت على هذه الإنجازات فقط، لكان ما يزال أمام بوتين الكثير ليحتفل به. بالنسبة للروس فإن المساواة الرمزية مع الولايات المتحدة تشكّل انتصاراً كبيراً،  والواضح أن ترامب يرغب في فتح صفحة جديدة بخصوص العلاقات الأميركية الروسية، حيث أعرب عن استعداده، في إحدى التغريدات التي نشرها عبر حسابه تويتر بعد القمة، لاجتماع جديد ببوتين قائلاً: " أتطلّع إلى اجتماعنا الثاني حتى نتمكن من البدء في تنفيذ بعض الأمور العديدة التي نوقشت، بما في ذلك وقف الإرهاب، وتحقيق الأمن لإسرائيل، والحدّ من انتشار الأسلحة النووية، والهجمات الإلكترونية، والتجارة، وملف أوكرانيا، والسلام في الشرق الأوسط، وكوريا الشمالية وغيرها. هناك العديد من الملفات، بعضها سهل والآخر صعب، لكن يمكن حلها جميعًا!". لقد أكد ترامب مكانة روسيا كقوة عظمى تتساوى في ذلك مع الولايات المتحدة أو الصين.

كان لدى المسؤولين الروس سبب إضافي للرضا عن أداء بوتين في القمة، فعلى الرغم من أن الرئيس الروسي قد أخطأ عندما قال إنه أيّد دونالد ترامب قبل الانتخابات لأنه دافع علناً عن تحسين العلاقات مع روسيا، فقد كان بوتين أكثر هدوءاً وانضباطاً ورصانة من نظيره الأمريكي. رفض بوتين مرة أخرى الاتهامات الأمريكية رفضاً باتاً من خلال إنكارها، على الرغم من الأدلة التفصيلية الواردة في لائحة الاتهامات الأخيرة التي قدمها مولر. واقترح بوتين بشكل مخادع أن يلجأ مولر إلى الحكومة الروسية للحصول على المساعدة في استجواب بعض ضباط الاستخبارات الروسية الـ 12 الذين وجّهت إليهم اتهامات بسبب أدوارهم في اختراق أنظمة الكمبيوتر التابعة للجنة الوطنية الديمقراطية.

لقي أداء بوتين الساخر في هلسنكي صدى لدى العامة من الروس، إذ ليس من المستغرب أن يؤكد بوتين خلال الخطاب الذي ألقاه في 19 تموز / يوليو الحالي أمام كبار الدبلوماسيين الروس، أن "هناك قوى في الولايات المتحدة مستعدّة للتضحية بروسيا والولايات المتحدة، لتعزيز طموحاتهم في نشوب صراعات سياسية داخلية في أمريكا".

تقلّص الانتصار الكبير الذي حققه بوتين في هلسنكي بسبب هامشه الكبير. وقد أثارت تصريحات ترامب في هلسنكي، التي كانت لصالح روسيا بشكل غير متوقع، صدمة في واشنطن وعواصم غربية أخرى. ومن المفارقات، أن يكون أداء ترامب في المؤتمر الصحفي السبب في تدمير المكاسب التي حققها الكرملين في هلسنكي، حيث بدأ الصدى الذي خلّفه الاجتماع بالتلاشي بسرعة، ويبدو أنه سيتم تذكُّر قمة هلسنكي كواحدة من أكثر اللحظات كارثية في المواجهة الروسية الأمريكية الطويلة الأمد.

في الأيام الأخيرة الماضية، بدأ الكونغرس الأمريكي في التفكير لإيجاد طرق لتجنب الضرر الذي أحدثه سلوك الرئيس الأمريكي الذي أثار موجة من الانتقادات. كما إن جهود ترامب الخرقاء لتصحيح الانطباع الذي خلفه في قمة هلسنكي قد جعلت الأمور أسوأ بكثير مما كانت عليه.

يناقش مجلس الشيوخ الأمريكي الآن مشروع قانون قدمه كل من السيناتور مارك روبيو، من الحزب الجمهوري، والسيناتور كريس فان هولن، من الحزب الديمقراطي، في يناير / كانون الثاني الماضي، يقضي بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا في حال إثبات تدخل هذه الأخيرة بانتخابات منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. يوم الأربعاء الماضي، قدم كل من السيناتور جون باراسو والسيناتور كوري غاردنر، كلاهما من الحزب الجمهوري، مشروع قانون يستهدف نورد ستريم 2، وهو خط أنابيب غاز روسي جديد يمر عبر الأراضي الأوكرانية نحو ألمانيا، وهو أحد المشاريع التي يفضّلها بوتين.

بالنظر إلى التاريخ الحديث، فمن المحتمل أن يوافق الكونغرس على أحد المشروعين على الأقل، الشيء الذي من شأنه أن يشكّل تهديداً للاقتصاد الروسي. كما سيكون لدى الحكومة الأمريكية حافز أكبر لتمديد العقوبات التي فرضت على روسيا العام الماضي. إلا أنه مع تزايد المُعادين لروسيا في صفوف النخبة الأمريكية يبدو أن حماسة ترامب من أجل التوصل إلى تفاهم مع بوتين ستحقق نتيجة عكسية لما هو متوقع.

لقد بدأ الكرملين الآن في وضع هذا الخطر الحقيقي في الحسبان. ففي خطابه الذي ألقاه في 19 تموز/ يوليو الحالي في وزارة الخارجية، حذّر بوتين من قوة أعضاء المؤسّسات الأمريكية قائلاً إنه "لا يمكن الاستهانة بقوتهم، فهم قادرون على تأليف قصص غير منطقية وجعل الملايين من مواطنيهم يصدقونها. نعم، يمكنهم فعل هذا حقًا. أنا لا أقول هذا للتوبيخ أو كي أثني على أي شخص... أنا أقول هذا حتى نضع ذلك في الحسبان خلال عملنا معهم ".

تتعدى المشاكل التي تتخلل العلاقات الثنائية بين البلدين مسألة الخوف الروسي من المؤسسات الأمريكية، بل إن ترامب نفسه هو من طرح أكبر مشكلة في الآونة الأخيرة. إن انعدام انضباطه وعدم قدرته على التحدث بشكل مقنع وصارم تجاه روسيا أدى مرة أخرى إلى إثارة المشاكل في واشنطن. على إثر ذلك وبعد مشاهدة المؤتمر الصحفي يوم الإثنين الماضي، تبادل بعض الروس الأثرياء والأقوياء الذين يعرفون الغرب جيداً رسائل نصية مفادها: "إن هذا الأحمق يزيد الأمور سوءاً، وسوف تؤول الأمور إلى نهاية سيئة." سوف يندم الكرملين على انتصار هلسنكي قريباً.