الجمعة 2019/07/19

فايننشال تايمز: خوف اللاجئين السوريين يمنعهم من العودة

بقلم: كلوي كورنيش وآسر خطاب

المصدر: فايننشال تايمز

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يخشى اللاجئون السوريين من التعرض للاعتقال أو التجنيد في الوقت الذي تقترب فيه الحرب من نهايتها.

خلال صيف العام الماضي، قرر رضا، أب سوري لثلاثة أطفال يبلغ من العمر 29 ربيعا، أن الوقت قد حان لعبور الحدود اللبنانية والعودة إلى الوطن. فقد تضررت حمص، مسقط رأسه بشدة خلال الحرب السورية، لتصبح مرة أخرى تحت سيطرة النظام بعد سبع سنوات على مغادرتها.

بحلول شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، كان لا يزال يعتقد بأنه اتخذ القرار الصحيح عندما قرر العودة، وقال حينها: "الناس يعملون ويعيشون حياتهم بشكل طبيعي"، مضيفا أنه يشعر بالأمان بشكل نسبي.

ولكن بعد مرور عام تقريبا من عودته، انضم رضا لقوات النظام وهو اليوم بعيد عن حمص. لم يعد يعتقد أن قراره بمغادرة لبنان كان صائبا.

بعد فترة وجيزة من تجنيده وتعيينه ضمن القوات الاحتياطية التابعة للنظام، تم إرسال رضا إلى مكان يبعد مئات الأميال عن حمص، في ريف دمشق، تحديدا باتجاه أحد المعاقل السابقة للمعارضة، حيث تدمرت أحياء بأكملها نتيجة للضربات الجوية التي شنتها القوات الروسية وقوات النظام.

في الوقت نفسه، "لقد وصل الفساد مستويات لا تطاق في حمص؛ فأوضاع الذين لديهم علاقات مع النظام جيدة، أما البقية فلا يستطيعون فعل شيء سوى إطباق أفواههم وتحمل الظلم وإلا تعرضوا للاعتقال".

توشك الحرب التي دامت أكثر من ثماني سنوات على الانتهاء في سوريا. لكن لا يزال القتال مستمرا في آخر معقل المعارضة بالشمال الغربي للبلاد، حيث استطاع نظام الأسد فرض سيطرته على نحو ثلثي البلاد منذ عام 2018، بمساعدة قوة نيران حلفائه الروس والإيرانيين.

وكان الأسد حث اللاجئين على العودة إلى سوريا، متهما الدول المستضيفة "بالتمسك بقضية اللاجئين " من أجل الاستفادة من المساعدات الخارجية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد عاد نحو 3 ٪ فقط من اللاجئين إلى سوريا – ما يعادل 170 ألف شخص، منذ عام 2016 من أصل 5.6 مليون سوري فروا من العنف، حسبما تشير سجلات الأمم المتحدة.

يقول لاجئون فضلوا عدم العودة بسبب البنية التحتية المدمرة والاقتصاد المتدهور، إنهم يخشون من التعرض للتجنيد الإجباري والاعتقالات العشوائية ويخشون حالة انعدام الأمن التي تسود البلاد.

إن عزوفهم عن العودة إلى بلادهم قد شكّل معضلة بالنسبة لكل من تركيا ولبنان والأردن حيث استقبلت هذه البلدان أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين.

أنفقت الدول المانحة مليارات الدولارات على المساعدات المقدمة إلى هذه الدول الثلاث، أملا في تجنب موجة هجرة أخرى كالتي شهدتها أوروبا بين عامي 2015-2016 والتي أدت إلى إثارة غضب واستهجان الأحزاب اليمينية. تشتكي الدول المستضيفة بدورها من التدفق المستمر للاجئين –استقبلت حوالي 5.2 مليون لاجئ - حيث أضر بشكل كبير في بنيتها التحتية وأدى إلى تزايد العداء تجاه السوريين. يتعرض اللاجئون السوريون اليوم للكثير من الضغوطات لإجبارهم على العودة إلى ديارهم.

يرى معظم السوريين أن العودة إلى ديارهم تعني إما الموت في الحرب أو الاختفاء داخل غياهب سجون النظام. وقد وثقت العديد من منظمات حقوق الإنسان الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون على نطاق واسع داخل سجون النظام من تعذيب وإساءة.

يقول رضا إن أسوأ شيء في سوريا اليوم هو حالة الرعب التي يعيشها السوريون، وشعورهم بالخوف من أن يتم الإبلاغ عنهم من أقرب الناس إليهم، موضحا: "إذا أزعجت أحدهم، فكل ما عليه فعله هو أن يكتب تقريرا عنك للمخابرات لتختفي بعدها، لن ترى النور أبدا ما لم تكن لديك علاقات جيدة".

ترى جماعات حقوق الإنسان الدولية أنه من الصعب تعقب العائدين إلى سوريا، حيث شبهت سحر مندور، وهي باحثة في منظمة العفو الدولية، سوريا "بالثقب الأسود". لكن حسب تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي تتخذ من سوريا مقرا لها، فقد تم اعتقال نحو 2000 سوري ممن عادوا بين عامي 2017 و2019.

مع رغبة النظام في إحكام قبضته على المناطق التي استعادها وتأكيد هيمنته على المناطق التي لم تسيطر عليها المعارضة يوما، يرى محللون أن إصلاح الأجهزة الأمنية التابعة للنظام أمر مستبعد.

قالت نورا غازي، مديرة منظمة "نو فوتو زون"، وهي منظمة غير حكومية تدعم عائلات المعتقلين، إن "سوريا ليست آمنة على الإطلاق" بالنسبة لأولئك الذين "غادروا سوريا لأنهم كانوا يخشون التعرض للاعتقال أو الاختفاء القسري"،

يارا، لاجئة سورية تبلغ من العمر 52 عاما وتعيش في إحدى الخيام في شمال لبنان، لديها أسباب تدفعها للخوف من العودة. اعتقل ابنها عندما دخل سوريا بحثا عن علاج عام 2014، وظل محتجزا طيلة خمس سنوات. حسب ما جاء على لسان أفراد أسرته، فقد كانت جريمته الوحيدة أنه قريب أحد المعارضين: كان شقيق يارا قائدا عسكريا في قوات النظام لكنه انشق بعد ذلك. هربت العائلة من سوريا عام 2013 بعد اعتقال يارا واستجوابها من قبل قوات الأمن.

تقول يارا: "لقد عذبوا الكثير من الناس أمامي حتى أخبرهم بمكان وجود أخي"، مضيفة أنها لم تتعرض للتعذيب الجسدي لأن أحد أقاربها هو الآخر مسؤول عسكري رفيع المستوى في قوات النظام.

تعتقد يارا أن النظام يحتجز ابنها وثلاثة أخرين من عائلتها للضغط على شقيقها المنشق ليسلم نفسه.

على الرغم من مرض يارا وتراكم الديون عليها بعد انقطاع المساعدات، إلا أنها لا تفكر في العودة، موضحة بالقول: "اسمي موجود على قائمة المطلوبين، فهل تعتقد أن شخصا في مثل وضعي قد يجرؤ على العودة؟".

قالت سارة الكيالي، باحثة سورية في منظمة "هيومن رايتس ووتش": يواجه السوريون العديد من التهديدات الأخرى في المناطق التي وصلت فيها الحرب المفتوحة إلى نهايتها، كمضايقة المليشيات للمدنيين وابتزازهم عند نقاط التفتيش ومنع السلطات المحلية للمدنيين بدخول مناطقهم.

تخشى جماعات حقوق الإنسان من أن تعتبر الدول الأوروبية سوريا آمنة لعودة اللاجئين، فقد صنفت الدانمارك دمشق على أنها آمنة، ما يؤثر سلبا على مقدمي طلبات اللجوء الدمشقيين.

فحتى عندما يحاول اللاجئون العودة، لا يقبل النظام عودة الجميع، إذ تقوم الجهات الأمنية التابعة له بالتحري والاستقصاء عنهم أولا.

يصر رضا على أنه ليس نادما لكنه يعترف بأن الحياة أسهل في لبنان. قال : "هناك لم تكن لدي مشاكل مع السلطات".