الأربعاء 2017/08/30

خلف قضبان سجون الأسد…الكشف عن الجحيم الذي واجهته المعتقلات في السجون السورية ( مترجم )

مقالة لـ "بيثان ماكيرنان" في صحيفة الانديبندنت البريطانية

ترجمة: فريق تحرير الجسر

حصري: النسوة اللاتي نجون من الاغتصاب والتعذيب في غياهب سجون نظام الأسد يمهدن الطريق لشن حرب قانونية ضد مجرمي الحرب.

كانت زهيرة (وهو اسم مستعار) في ربيعها الـ 45 عندما اعتُقلت من مقر عملها ضواحي دمشق سنة 2013، وفور وصولها إلى مطار المزة العسكري، تم تجريدها من ملابسها بدواعي التفتيش وربطها إلى سرير ليغتصبها خمسة جنود بشكل جماعي.  اغتُصبت "زهيرة" على مدى أربعة عشر يوما وهددت بالاغتصاب مرارا وتكرارا.

فخلال إحدى جلسات التحقيق، تقول زهيرة إنه تم اغتصابها بأبشع الطرق ،  في الوقت الذي كان  يقوم فيه أحد الجنود بتصوير ذلك وتهديدها بعرض الفيديو على عائلتها وأهلها. وعلى مدى خمسة أشهر تم نقلها من منشأة لأخرى فبالإضافة إلى الاعتداءات الجنسية الوحشية ، تعرضت زهيرة للضرب المبرح المنتظم.. في إحدى المرات، تعرضت زهيرة للصعق والضرب بواسطة أنبوب مطاطي بينما قاموا مرة أخرى بتعليقها لمدة ساعة وصفعها.

أثناء جلسات التحقيق في المزة، يتم احتجاز زهيرة في السجن الانفرادي في غرفة مظلمة لا تزيد مساحتها عن متر في متر في فرع المخابرات العسكرية رقم 235، نامت زهيرة برفقة 48 سجينة أخرى في غرفة لا تتجاوز مساحتها ثلاثة أمتار في أربعة، حيث تضطر السجينات إلى التناوب من أجل النوم. في حين لا يسمح لهن باستعمال المرحاض سوى مرة واحد كل 12 ساعة والاستحمام كل 40 يوماً.

لم يتم الافراج عن زهيرة من ( جحيم) عدرا إلا بعد تدهور حالتها الصحية بشكل خطير، حيث كانت تفقد الوعي، الشيء الذي دفع سجانيها إلى نقلها  للمستشفى خوف موتها. وعند وصولها إلى المنشأة الطبية، شخص الأطباء إصابتها بكل من الالتهاب الكلوي والتهاب الدم وكذا فقر الدم.

كان ضروريا أن تظل في المستشفى لمدة أربعة أشهر من أجل إجراء عمليات جراحية تصحيحية للسلس البولي والبرازي الذي كانت تعاني منه نتيجة تعرضها للاغتصاب المتكرر. . فليس من السهل قراءة قصة زهيرة، ولا يمكن تخيل ما حدث معها .

لكن قامت زهيرة بالإضافة إلى العشرات من النساء القويات بمشاركة  قصصهن مع مجموعة من الأطباء والمحامين السوريين المنفيين الذين قاموا بتوثيق ما حدث لهن في سجون بشار الأسد في تقرير جديد.

تقول إحدى النسوة الحوامل التي اعتقلت لأن النظام اشتبَه بإعطاء زوجها الدواء للثوار، إنها رأت جثثاً تُجر في ممرات السجون مخلفة وراءها  آثار الدماء، مضيفة أن صرخات الذين كانوا يتعرضون للتعذيب لا تزال تقض مضجعها.

كما قالت سجينة سابقة إنها احتُجِزت في حجرة شديد السواد مدة ستة أيام مع إحدى الجثث ، و تُركت شفرة حلاقة عمداً هناك حيث استعملتها أثناء محاولتها الانتحار.

تؤثر الآثار النفسية والجسدية  الناجمة عن الاعتقال على هؤلاء النسوة سلباً لبقية حياتهم. فأغلبهن يشعرن بالخزي، كما إن علاقاتهن مع أهلهن وذويهن قد تغيرت نتيجة وصمة العار التي تخلفها الاعتداءات الجنسية والاغتصاب.

من خلال تسليط الضوء على ما يقع في سجون الأسد تأمل هؤلاء النساء بأن يؤدي إلى ضغط دولي يسمح للمفتشين  بالدخول إلى سوريا ووقف تملص النظام من العقاب ، إذ تشكّل شهاداتهم فرصة كذلك لخضوع عناصر في "النظام السوري" والشرطة والجيش للمساءلة  القانونية  في محاكمات لجرائم حرب  بالمستقبل.

وبحسب ما صرح به أحد الجراحين وأحد مؤسسي المنظمة غير الحكومية المعروفة باسم "محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان" في اتصال هاتفي له من غازي عنتاب على الحدود التركية السورية "يقول محامون دوليون إن هذا هو على الأغلب أقوى دليل لدينا".  مضيفاً : "تعد هذه أحسن فرصة سنحت لنا من أجل تحقيق العدالة التي ارتكبت ضد الإنسانية"  ، فلم يكن من الممكن فعلُ الكثير فيما يخص الحصول على تعويض قانوني بالنسبة لضحايا الحرب الطاحنة القائمة في سوريا على مدى ست سنوات. إذ ليست هناك الكثير من السبل المتاحة أمامهم.

وكانت كارلا ديل بونتي، وهي مُدَّعية عامة بارزة، قد استقالت من منصبها في لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في "الحرب الأهلية" الدائرة في سوريا، في وقت سابق من هذا الشهر، جراء شعورها بالإحباط وعدم قدرة اللجنة على محاربة المجرمين.

وقد صرحت كارلا قبيل إعلان خبر استقالتها موضحة " أنها تستسلم" مضيفة أن " الدول في مجلس الأمن لا تريد العدالة"، مردفة أنه كان يجب على مجلس الأمن أن يعين محكمة كالتي عُينت في نزاعات كل من رواندا ويوغسلافيا، وهو ما اعترض عليه العضو الدائم في مجلس الأمن وحليف نظام الأسد روسيا. مضيفة أنه في الوقت الذي قامت فيه لجنة التحقيق بالقيام بالآلاف من المقابلات والعديد من الوثائق المتعلقة بجرائم الحرب المرتكبة من جميع الأطراف في سوريا، كان كل هذا دون جدوى بلا محاكمة، وأضافت قائلة " فلم نحقق أي نجاح يُذكر" فيما يتعلق بتقديم مرتكبي جرائم الحرب في سوريا للمحاسبة، وأضافت " لقد واجهنا الكثير من الصعوبات على مدار خمس سنوات " ؛ ففي ظل عجز الأمم المتحدة وعدم إمكانية تشكيل محكمة تابعة للمحكمة الدولية ، بدء محامو العدالة الانتقالية وحقوق الانسان باستعمال أساليب جديدة.

ففي آذار الماضي، وافقت المحكمة الإسبانية على النظر في قضية تعذيب وقتل سائق شاحنة يبلغ من العمر 43 سنة على يد "النظام السوري"، لأن شقيقة الرجل، وهي مواطنة إسبانية كانت هي المدعية.  إذ يُعتبر أقارب ضحايا جرائم الحرب التي ارتكبت ضد الإنسانية في أماكن أخرى أيضاً ضحايا بموجب القانون الدولي ، ويعد قرار القاضي الإسباني بالنظر في هذه القضية حدثاً مهماً ومن المرجح أن  تتم محاكمة مسؤولين سوريين رفيعي المستوى.

وقد صرحت منظمة "غورنيكا  37 انترناشيونال جاستيس تشامبرز" للمحاماة، الموجودة في العاصمة الإسبانية مدريد والتي قامت برفع القضية، صرحت في بيان لها، "بأنها ستسمح بشكل خاص للمحاكم بالتحقيق في التعذيب والإعدامات التي طالت آلاف المدنيين في مراكز الاحتجاز غير القانونية" التي يديرها نظام الأسد.

وهذا يعني احتمالية إصدار مذكرة توقيف دولية في حق تسعة مسؤولين سوريين لهم علاقة بالقضية، ما يعني إمكانية احتجاز ممتلكاتهم أو اتهامهم في حال سفرهم إلى الخارج.

في الوقت الذي ألغي فيه القرار بسبب اختلاف آراء لجنة القضاة الإسبانية الشهر الماضي، فقد تم استئناف القضية، وقال "ستيفان جي راب"، وهو سفير أمريكي سابق لدى مكتب العدالة الجنائية العالمية، وعضو غير مقيم حاليا في المعهد العالمي للعدالة في لاهاي، وهو من ساعد في تهيئة الإجراءات، كان قال لصحيفة الإندبندنت البريطانية بأنهم سيرفعون القضية إلى المحكمة الإسبانية العليا إن لزم الأمر مضيفاً أن " محامي المنظمة على ثقة تامة بعدالة القانون وأنهم سينتصرون في الأخير" ، مردفاً أنه " بالنظر لسنوات العذاب التي ذاقها عشرات الآلاف من العوائل جراء اختفاء أفراد منهم قسراً في سجون نظام الأسد، والتي تعد أيضاً مسألة مبدأ مهمة"  قام مجموعة من الضحايا والناجين السوريين الذين يعيشون في ألمانيا الآن برفع دعوى قضائية تستنند على التحقيق الذي قامت به المنظمة الغير حكومية المسماة ب المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان.

إذ تمثل هذه القضية قضية من نوع آخر، تقوم على مفهوم الولاية القضائية العالمية التي تسمح لدول بأن تطالب بالولاية القضائية على المتهم بغض النظر عن مكان ارتكابه للجرائم، وذلك لشدة هول الادعاءات.

إذ يُعتقد أن أكثر من 65 ألف شخص قد لقوا حتفهم في سجون النظام على مدى السنوات الست الماضية، بينما تعرض الآلاف المؤلفة لسوء المعاملة إبان احتجازهم.

تعد هذه المزاعم جرائم ضد الإنسانية وهي بالتالي على قدر كبير من الخطورة التي لا يمكن تجاهل عدم تحكيمها للمراجعة القضائية كما سيرى المدعي العام. ويأمل ناشطو منظمة "أطباء ومحامون من أجل الإنسان" أن يتم النظر إلى النتائج التي توصلوا إليها، والتي تم جمعها طبقاً لمعايير "بروتوكول إسطنبول" وهو ما تتبعه الأمم المتحدة للتعرف وتوثيق علامات وآثار التعذيب، كي يُستعمل التوثيق دليلا في المحكمة لقضايا مستقبلية تقوم على الأساس نفسه.

وقال عضو في المنظمة نفسها " كانت أعداد النسوة اللائي تعرضن لقصص مروعة كبيرة، ولم يكن من السهل اختيار القصص التي يمكن إدراجُها في هذا التقرير مضيفاً: " لطالما أحسست بالضعف خلال الحرب، فهذا توثيق لما حدث معنا، بغض النظر عن بشاعته، لكنه على الأرجح السبيل الوحيد الذي يمكّننا من خلاله تحقيق بعض من العدالة للشعب السوري".