السبت 2018/12/22

انسحاب الولايات المتحدة من سوريا.. حلم إيراني أصبح حقيقة


بقلم: ليز سلاي ولوفداي موريس

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


 

 

تعدّ إيران أكثرَ المستفيدين من قرار الرئيس ترامب بسحب القوات من سوريا، حيث أصبح بإمكانها اليوم توسيع رقعة نفوذها عبر الشرق الأوسط، في ظل اضمحلال نفوذ واشنطن الذي يعرف تراجعاً بالفعل.

أدّى التغيير المفاجئ في سياسة الولايات المتحدة بخصوص وجودها العسكري المحدود في إحدى المناطق النائية داخل سوريا (على الرغم من الأهمية الاستراتيجية التي تتميز بها هذه المنطقة في الشمال الشرقي للبلاد) إلى جعل حلفاء الولايات المتحدة في حالة دهشة، حيث اعتمد الكثير منهم على موقف إدارة ترامب الذي بدا صارما حينها تجاه إيران للتصدي للمكاسب التي حققتها على مدى السنوات الأخيرة الماضية.

يرى محللون أن قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا يفتح المجال أمام إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة، بما في ذلك إنشاء ممر بري يمر من طهران باتجاه البحر المتوسط ​​وتعزيز قدرتها على الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل. كما يشكك في قدرة واشنطن على الحفاظ على التزامها تجاه حلفاء آخرين في المنطقة؛ الشيء الذي من شأنه أن يدفع بالكثيرين منهم نحو روسيا، باعتبارها حليفاً لإيران.

يرى رياض قهوجي، مدير معهد الشرق الأدنى للتحليل العسكري في الخليج، وهو مستشار عسكري يعمل في دبي: "لقد تحقيق حلم الإيرانيين". مضيفاً: "لن تأخذ إيران إدارة ترامب على محمل الجد بعد اليوم، إذ إن قراراتها فردية ولن تشكل تهديدا بعد اليوم، ستصبح إيران أكثر جرأة لأنها تدرك أن إدارة ترامب لن تفعل شيئا لردعها".

أفادت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية أن مسؤولاً إيرانياً رفيع المستوى قال يوم الجمعة معلقاً على قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا، إن الولايات الأمريكية قد أقرت بفشلها في محاولاتها "السيطرة" على الشرق الأوسط.

وقال الجنرال محمد باكبور، قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني في مؤتمر صحفي له في طهران، "لقد توصّل الأمريكيون إلى استنتاجٍ مفاده أنهم لا يستطيعون فرض سلطتهم في كل من العراق وسوريا، ولا في المنطقة بأسرها".

 

سيكون الأثر الفوري لقرار انسحاب القوات الأمريكية على سوريا، حيث لعبت القوات الأمريكية دور الحاجز ضد التوسع الإيراني في جميع أنحاء البلاد، في الوقت الذي يحاول فيه نظام الأسد - المدعوم من المليشيات الإيرانية- السيطرة على المناطق التي ثارت عليه سنة 2011.

أصبحت المنطقة الواقعة شمال شرق سوريا، التي تضم نحو 2000 جندي أمريكي، لقمة سائغة للعديد من اللاعبين الإقليميين مع تزايد التنافس بين كل من تركيا والنظام للسيطرة عليها.

بالنسبة للأكراد، الموجودين في المنطقة، فهم يأملون في التوصل إلى اتفاق مع نظام الأسد، الأمر الذي من شأنه أن يدفع بالأتراك إلى شنّ هجوم، ويدفع بالنظام الإيراني نحو المناطق التي كانت فيما قبل تحت إشراف القوات الأمريكية.

إن أكبر مخاوف إسرائيل تتمثل في انسحاب الجيش الأمريكي من التنف، وهي منطقة صغيرة في سوريا على طول الحدود بين العراق والأردن.

لم تصرّح إدارة ترامب ما إذا كانت خطة الانسحاب ستشمل التنف، التي تضم نحو 250 عنصراً من وحدات القوات الخاصة، إلى جانب وحدة تتألف من الثوار السابقين في الجيش السوري الحر درّبها البنتاغون. وقال قائد هذه الوحدة إنهم تلقَّوا طلباً بالاستعداد للانسحاب الأمريكي، على الرغم من أنه لم يتم تحديد موعد لهم.

تقع قاعدة التنف الأمريكية على المعبر الحدودي بين العراق وسوريا، على طول أقصر طريق يربط بين طهران والعاصمة السورية دمشق، وهو طريق يمكن أن تستخدمه إيران لزيادة أعداد صواريخ وقذائف ترسانة حزب الله في لبنان.

يقول محلّلون إسرائيليون إنّ قرار الولايات المتحدة بالانسحاب دون تقديم خطة للفترة التي تلي هذا الانسحاب، يشكك في الافتراض الإسرائيلي القائل بأننا نستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتنا من إيران.

كما قال عوفر زالزبرغ، المحلل الإسرائيلي في مجموعة الأزمات الدولية: " تجد إسرائيل اليوم نفسها وحيدة في مواجهة الوجود العسكري الإيراني في سوريا" مضيفاً: "إن هذا القرار يغذّي الفكرة السائدة في المنطقة حول انسحاب القوات الأمريكية منها، وإن لم تكن صحيحة تماماً. لقد أفرح هذا الخبر الكثير من الدول وعلى رأسها طهران وموسكو".

فإيران بالفعل على وشك استعادة أحد الممرّات البرية التي تمرّ عبر العراق وسوريا ولبنان، والتي تربط المعبر الحدودي العراقي بالسوري، الذي يربط بدوره مدينة البوكمال السورية ببلدة القائم العراقية. يُعدّ هذا الموقع بؤرة للصراع الجيوسياسي الذي يضم كلا من تنظيم الدولة ونظام الأسد والمليشيات التي تدعمها إيران وروسيا والولايات المتحدة و"قوات سوريا الديمقراطية" التي تدعمها هذه الأخيرة.

 

يقول الجنرال الإسرائيلي "إيلي بن مئير" الذي كان يرأس في السابق قسم الأبحاث وتحليل المعلومات في الجيش الإسرائيلي إن انسحاب القوات الأمريكية من الحدود السورية أثار قلق إسرائيل من أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من العراق أيضاً، ويقدّر عددها هناك بنحو 5200 جندي أمريكي، يقوم معظمهم بتدريب وتقديم الخدمات الاستشارية للقوات العراقية.

تملك الولايات المتحدة قاعدة على الجانب الآخر من حدود مدينة البوكمال، في مدينة القائم، التي ستحول دون وصول النفوذ الإيراني إلى المنطقة بعد مغادرة القوات الأمريكية، في الوقت الذي يفرض فيه الوجود العسكري الأمريكي في العراق على نطاق أوسع بعض القيود على سعي إيران لفرض سيطرتها بشكل كامل على البلاد.

وقال مئير في مؤتمر صحفي: "إن ما يهم إسرائيل اليوم هو كيفية إعادة تشكيل الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وخاصة على الحدود العراقية - السورية، في حال انسحبت القوات الأمريكية من سوريا"، مضيفاً.. "تسعى إيران إلى لعب دور أكبر في سوريا، لكن الوضع في العراق يعتبر إشكالياً أيضاً".

وقال هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي الأسبق، إن قرار الانسحاب من سوريا بذريعة هزيمة تنظيم الدولة، كما ادعى ترامب، من المرجح أن يزيد من أعداد الأصوات الشيعية المطالبة بإخراج القوات الأمريكية من العراق. يقول إنه من المحتمل أن تكثف الجهود داخل البرلمان العراقي، حيث تسيطر جماعات المليشيات التي تدعمها إيران على ثلث المقاعد، من أجل الحصول على المزيد من الدعم من معارضي الوجود العسكري الأمريكي في العراق، والدفع باتجاه سحب القوات الأمريكية من هناك. وأضاف زيباري.. "إن المنطق الذي يقضي بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا عقب هزيمة تنظيم الدولة، يستوجب انسحاب هذه القوات من العراق بعد هزيمة تنظيم الدولة هناك".