الثلاثاء 2019/01/29

النتائج غير المباشرة لقرار ترامب بالانسحاب من سوريا

بقلم: لارا سليغمان

المصدر: فورين بوليسي

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

لدى روسيا اليوم نفوذ واسع في المنطقة، في الوقت الذي يتعرض فيه الأكراد لتهديد وجودي، وتعزّز إيران موقفها خارج حدودها الجغرافية.

ما هذه إلا بعض من النتائج العرَضية لقرار ترامب المتسرّع، القاضي بسحب القوات الأمريكية من سوريا، الذي أُعلِن عنه الشهر الماضي.

أثار هذا القرار معارضة واسعة في واشنطن، ودفع بكل من وزير الدفاع الأمريكي ومسؤول بارز آخر إلى تقديم استقالتهما.

على الرغم من أن الانسحاب لا يزال في بداياته -وربما لن يتمّ بشكل كامل كما تصوّره ترامب - إلا أن هذا القرار قد أدّى بالفعل إلى تغيير في التحالفات والمصالح داخل بلاد عصفت بها سنوات من الحرب والتنافس الإقليمي.

قال جون ألترمان، نائب رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، خلال حدث بواشنطن في 23 كانون الثاني / يناير الحالي: "إن التصريح بأننا سنغادر دون شروط وعلى الفور، سيدفع بكل تلك القوى الموجودة هناك إلى عقد صفقاتها الخاصة" مضيفاً: "لقد تلاشت مصالح الولايات المتحدة وقدرتها على التأثير في المنطقة بين ليلة وضحاها".

وقالت دانا سترول، عضوة بارزة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن لدى موسكو مصلحة كبيرة في الحفاظ على نفوذها بسوريا، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية.

لطالما كانت سوريا سوقاً مُربحة لقطاعي الدفاع والاستخبارات الروسيين، كما إن بقاء بشار الأسد في السلطة انتصار استراتيجي لموسكو، التي دعمت الدكتاتور السوري.

يخشى عدة مراقبين من أن يمهّد نفوذ روسيا في سوريا الطريق لموسكو وطهران، لتعزيز نفوذهما في المنطقة، ويساعد الأسد على استعادة السلطة التي كان يتمتع بها قبل اندلاع الحرب.

منذ إعلان انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، أصبحت روسيا الوسيط الوحيد بين كل من نظام الأسد وتركيا و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)- التي تعد حليفا أميركيا مهماً في الحرب التي تقودها هذه الأخيرة ضد تنظيم الدولة-، في المفاوضات التي تدور حول شمال شرق سوريا.

تتكوّن "قوات سوريا الديمقراطية" من غالبية كردية، تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني (ب ك ك)، الذي صنّفته الولايات المتحدة جماعة إرهابية.

ترى "سترول" أن مصير الأكراد على المِحك. إذ إن انسحاب القوات الأمريكية، يجعلهم أكثر عرضة لهجوم وشيك من الأتراك عبر الحدود. وفي السياق نفسه، فقدت هذه المجموعة أي فرصة للتفاوض مع نظام الأسد على المنطقة. علّقت بقولها: "يُعد وضع الأكراد اليوم وجودياً".

ومما زاد الأمور سوءاً بالنسبة للأكراد، سعي تركيا لإنشاء "منطقة آمنة" تمتد 20 ميلا بين تركيا والأكراد في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد.

خلال العام الماضي، قامت القوات التركية بالسيطرة على منطقة عفرين التي كانت تحت سيطرة الأكراد في وقت سابق، وتوعدت تركيا بالقيام بعملية مماثلة في مدينة منبج، الواقعة على على بعد نحو 20 ميلا باتجاه الشرق.

خوفا من أن تقوم تركيا بشن هجوم شامل، طلبت قوات سوريا الديموقراطية "قسد" من موسكو ودمشق تخصيص قوات لحمايتها. تقول "سترول" بخصوص هذا الأمر "لقد وفرنا لروسيا الفرصة المثالية لتظهر بصورة البطل اليوم".

يحاول بوتين الحيلولة دون سيطرة الأتراك على الأراضي السورية. في اجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الشهر، حاول تجديد المعاهدة الأمنية التي وقعتها كل من تركيا وسوريا سنة 1998.

إن الهدف الرئيسي لبوتين يكمن في جعل الأسد مسؤولاً عن المنطقة الحدودية.

يوم السبت الماضي، أفادت وكالة أنباء رسمية تابعة للنظام أن هذا الأخير يطالب تركيا بسحب قواتها من سوريا، قبل تطبيق بنود هذه المعاهدة مرة أخرى. وأوضحت "سترول" أن التعامل مع روسيا ونظام الأسد بالنسبة للأكراد خياران سيئان، مضيفة: "سيختار الأكراد إبرام صفقة مع الأسد مع اقتراب موعد العملية التركية".

ترى "سترول" أن مصير المقاتلين السنّة الذين يدعمون المعارضة السورية ضد نظام الأسد موضع شك أيضاً.

إذا ما أبرم الأكراد صفقة مع الأسد، فمن المرجح أن تصبح المناطق ذات الأغلبية السنية معزولة. دون الحصول على دعم الولايات المتحدة، ستصبح قوات سوريا الديموقراطية "قسد"، كياناً ضعيفاً ويمكن لتنظيم الدولة أن يستغل هذا الضعف.

وقالت "سترول" بخصوص هذا الموضوع "لا أعتقد أن بإمكان قوات سوريا الديمقراطية "قسد" أن تحافظ على وجودها ككيان منظم" مضيفة: "لقد أزيح الخطر عن تنظيم الدولة، كما إن الحملة الأمريكية لم ترضِ أمريكا".

في هذه الأثناء، تعمل كل من روسيا ونظام الأسد في الاتجاه المعاكس، حيث تسعى إيران لنشر نفوذها في جميع أنحاء البلاد، بهدف إنشاء جسر بري يمر من إيران عبر العراق وسوريا وصولا إلى لبنان.

يقوم قادة إيران بتطبيق مفهوم القوة الناعمة، مستخدمين استراتيجيات من تجربتهم مع حزب الله في لبنان، حيث رسخت إيران نفسها "ليس عسكريا فحسب، بل سياسيا، ودينيا وثقافيا"، كما جاء في مقالة لسترول وحنين غدار نشرها معهد واشنطن.

تقوم إيران بشراء العقارات في جميع أنحاء سوريا، كما تقوم ببناء قاعات للاجتماعات الشيعية والمساجد والمدارس، في محاولة لتغيير المجتمع السني عن طريق أناس تربطهم علاقات مع إيران ونظام الأسد.

كما إنها تقوم بتحويل المساجد السنّية المحلية إلى مراكز دينية وأضرحة شيعية، وتقوم بفتح مراكز لتعلم اللغة الفارسية، وفتح فرص لتوظيف الشباب بأجور عالية لاستهداف السكان السنة العاطلين عن العمل.

فأصبح البعض منهم يفضلون الانضمام إلى المليشيات التابعة لإيران، مقابل 200 دولار في الشهر، بدلا من تجنيدهم أو قتلهم على يد نظام الأسد.

قالت سترول بخصوص هذا الموضوع: "لن يتراجع الإيرانيون عن أهدافهم بكل تأكيد"، وأضافت أن أحد الخيارات المتاحة أمام الغرب هو محاولة إحداث شرخ بين روسيا وإيران.

قد لا يكون الاثنان منسجمين تماما، لكنهما يدركان جيدا أن العمل معا في مصلحتهما.

فلكليهما مصلحة في الحفاظ على نفوذه داخل سوريا: إيران من أجل إنشاء جسر بري، وروسيا من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وذلك من أجل تحقيق فرص اقتصادية.

لكن في ظل الموقف المتشدد الذي اتخذته كل من الولايات المتحدة وأوروبا ودول شرق أوسطية أخرى تجاه كلا البلدين، فقد شككت سترول في إمكانية نجاح هذا النهج.

"فهل سيتم تخفيف العقوبات المفروضة على إيران لإبعادها عن روسيا؟ أم سيتم تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا لإبعادها عن إيران؟.. تبقى كل هذه الخيارات غير مقبولة".