الأربعاء 2018/06/13

الخيارات المتاحة أمام إيران لمواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل ( ترجمة )


المصدر: ستراتفور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


لقد تضررت إيران بشكل كبير في الآونة الأخيرة بقائمة التحديات المتزايدة أمامها: كانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفرض المزيد من العقوبات الأمريكية عليها وإصرار إسرائيل على مهاجمتها داخل سوريا لمنع ترسيخ  نفوذها هناك. ومثل أي دولة عازمة على الدفاع عن نفسها، تسعى إيران إلى الرد على هاتين القوّتين العسكريتين. إذ إن موقفها دفاعي محض لا يمكن أن تتراجع عنه في ظل تزايد الضغوط عليها لتغيير هذا الموقف.

في الوقت الذي تبدو فيه إيران عازمة على الاستفادة بأكبر شكل ممكن من المنافع الاقتصادية التي يتيحها الإطار الحالي لخطة العمل الشاملة المشتركة، فإنها تخشى الدخول في تصعيد بسبب أعمالها الانتقامية خوفاً من الدفع بالاتحاد الأوروبي إلى الخروج من الاتفاق النووي الذي لا يزال طرفاً فيه. يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل أن تلحقا الضرر بإيران أكثر بكثير إذا ما قورن بما يمكن لإيران القيام به، إذ ستقوم طهران بالرد من خلال وسائل غير متكافئة، مثل الحرب الإلكترونية، أو من خلال دعم قوات في أماكن مثل اليمن حيث عليها تحمل النفقات.

 

المجازفة:

في أوائل أيار/ مايو الماضي، أطلقت القوات الإيرانية وابلاً من الصواريخ على مرتفعات الجولان. على مر سنوات، قامت إسرائيل بتوجيه ضربات لإيران وحلفائها داخل سوريا، في محاولة لمنع إيران من ترسيخ نفوذها هناك. في ظل رغبتها المُلحة بالرد، قامت إيران بشن أول هجوم مباشر على الأراضي الإسرائيلية في 9 أيار/ مايو الماضي.

لقد كان التصعيد ملحوظاً وأسفر عن هجوم إسرائيلي واسع النطاق أضر بشكل كبير بمكانة إيران داخل سوريا. كما سلط الضوء على ديناميكية التحديات التي تواجهها إيران في أعقاب الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة وفرض عقوبات جديدة. مع شروع إسرائيل والولايات المتحدة في حملة ضغط كبيرة - كانت تتم في بعض الأحيان عبر التنسيق بين الطرفين- لإضعاف نفوذ إيران الإقليمي، أصبحت طهران مضطرة للرد. ففي الوقت الذي تمتلك فيه إيران مجموعة كبيرة من الوسائل للرد، فإنها تواجه خصمين عسكريين متفوّقين من الناحية التكنولوجية والاقتصادية، حيث إن ردّ إسرائيل على إيران في هضبة الجولان وفرض العقوبات المتكرّرة عليها من قِبَل الولايات المتحدة، بتأثيرها الهائل على القطاع المالي العالمي، يوضح هذا التفوق.

عند تقرير كيفية الرد على الولايات المتحدة وإسرائيل، يجب على إيران أن تضع في الحسبان التداعيات الدبلوماسية لضرباتها، وعلى الخصوص بالنسبة للأوروبيين الذين تحاول إيران الحفاظ على علاقتها معهم كجزء من استراتيجيتها الرامية إلى إبعاد نفسها عن العقوبات الأمريكية. لا تترك هذه المقاربة الكثير من الخيارات الجيدة أمام إيران. فعلى المدى القريب، على الأقل، ستقوم إيران بالتصعيد من خلال شن حرب إلكترونية ضد أصول الدولة والشركات في إسرائيل والولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وستستغل الحرب بالوكالة في غزة واليمن وأفغانستان. ومع ذلك، فكلما زاد الضغط الذي تمارسه إسرائيل والولايات المتحدة على إيران،  سعت طهران إلى التصعيد أكثر واستخدام طرق أكثر حزماً.

 

حرب إيران الإلكترونية:

تمتلك إيران العديد من الأنظمة التي يمكن أن تستخدمها في حربها الإلكترونية ضد أعدائها. من المحتمل أن تستهدف طهران أصولاً في كل من إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج (أو خصومها الأساسيين الذين يعملون ضد مصالحها الإقليمية) لكنها ستتجنّب في الوقت الحالي استهداف الأصول الأوروبية خلال جميع مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة المهمة، التي ستأتي في أعقاب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.

لقد استخدمت إيران قدراتها في الماضي القريب، إذ تشمل هجماتها الإلكترونية الرئيسية هجمة فيروس شمعون عام 2012 على شركة النفط الوطنية "أرامكو السعودية"، والهجوم الذي وقع عام 2017 على شركة بتروكيماويات سعودية، وهجمة حجب الخدمة في عام 2012 التي استهدفت 46 بنكاً أميركياً.

لتنفيذ مثل هذه الأنواع من الهجمات، استخدمت إيران في الغالب جماعات المرتزقة، أو قراصنة فرديِّين يصعب تتبُّع علاقاتهم مع إيران. ومن المتوقع أن تقوم إيران باستخدام هذه الوسائل مرة أخرى، إذ يمنح، الجيش الإلكتروني الإيراني -الذي يعتبر الذراع غير الرسمية للحرس الثوري- لطهران خيار شن حربٍ إلكترونية على الدول المعادية لها.

 

الخطوة التالية.. هجمات مجهولة المصدر:

لن تكون الهجمات الإلكترونية بحد ذاتها كافية لإرضاء المتشددين الإيرانيين، خاصة مع تضاؤل الفوائد المتبقية من الاتفاق النووي. سوف يحاول هؤلاء الضغط لاتخاذ إجراءات أشد حزماً ضد حلفاء إسرائيل والولايات المتحدة. إذ سيكون بإمكان إيران خيارات لتحقيق ذلك في أماكن مثل أفغانستان وغزة واليمن، وذلك بمساعدة وكلاء لا تربطهم صِلات واضحة بإيران. وبينما لا يستطيع هؤلاء الوكلاء تغيير ميزان القوة بشكلٍ كبير، فإنَّ بإمكانهم زيادةَ حجم التكاليف الدبلوماسية والسياسية للهجمات التي تقوم بها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران.

في أفغانستان، يمكن لإيران استخدام صلاتها بحركة طالبان لتعزيز قدرتها على مواصلة التمرد ضد القوات الأمريكية والحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في كابول. سيساعد هذا الدعم في تشجيع حركة طالبان على الضغط وتحقيق المزيد من الانتصارات العسكرية، في الوقت الذي تقوّض فيه أهدافَ الولايات المتحدة بالتفاوض للتوصل إلى تسوية في أفغانستان.  كما ستواصل إيران دعمها للحوثيين في اليمن، ما يساعد هذه المجموعة المتمردة في الحفاظ على برنامجها للصواريخ الباليستية. من المعروف أن إيران تمدّ الحوثيين بالمعدات والتدريب للقتال ضد قوات الولايات المتحدة ودول الخليج، على الرغم من أنها تنكر ذلك.

أما في حربها ضد إسرائيل، فستعتمد إيران على صلاتها بحماس، وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، للقيام بهجمات على الحدود الإسرائيلية الجنوبية، سواء من خلال إطلاق الصواريخ، أو من خلال القيام بمحاولات تسلل. ويشكل الحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة عائقا كبيرا أمام قدرة إيران على إمداد حلفائها الفلسطينيين وتمويلهم، ومع ذلك، فإن محاولة دعم  الفلسطينيين مفيدة لإيران؛ لأنها تُجبر السعودية والإمارات وغيرهما على إدانة العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، والنأي بنفسها عن تحالفهما المتنامي مع إسرائيل، إضافة إلى أنها تقوم بخلق فجوة دبلوماسية بين واشنطن وحلفائها الآخرين كالأردن، وتتسبب في اضطرابات بصفة متزايدة بالأردن الذي يعتبر موطناً للعديد من الفلسطينيين.

ولكن بسبب مكانتها الاستراتيجية في سوريا، من المحتمل أن تحاول إيران التواري عن الأنظار هناك على المدى القصير وتجنب الدخول في مواجهة كتلك التي جرت في مايو/أيار 2018 مع إسرائيل. لكن إذا قتلت إسرائيل القادة الإيرانيين، أو إذا امتدت مواجهاتها متجاوزة سوريا إلى لبنان، أو الخليج، أو حتى إيران نفسها، فمن المحتمل جداً أن تحاول إيران شن هجوم آخر على الجبهة الشمالية الإسرائيلية.

تعتبر القوات الأمريكية وحلفاؤها معرضة لهجمات الميليشيات التابعة لإيران، وكذلك القوات الإيرانية نفسها في شمال شرق سوريا.

كما يمكن لإيران استخدام قواتها بالوكالة لضرب السفارات والقنصليات الأميركية والإسرائيلية، وغيرها من الأهداف الحكومية والاستراتيجية في جميع أنحاء العالم. وقد نُفذت هذه الهجمات من قبل، كان أبرزها تفجيراً انتحارياً في بلغاريا عام 2012 استهدف سياحاً إسرائيليين، وهجوماً عام 1996 على القوات الأميركية بالسعودية، وهجمات انتحارية في الأرجنتين استهدفت السفارة الإسرائيلية في عام 1992 ومركزا للجالية اليهودية عام 1994. ويمكن لإيران أيضا استهداف القوات الأميركية بالخليج العربي كما فعلت في الماضي. وعلى الرغم من اعتبار هذه الإجراءات متطرفة، فقد تقوم إيران بتخريب الرحلات التجارية التي تمر عبر مضيق هرمز.

 

الابتعاد عن المواجهة:

ستؤثر ضربات إيران الانتقامية على الأصول الإلكترونية المرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج العربي. إذ يمكنها أن تستهدف أي كيان أو مجموعة من الكيانات في القطاعات الرئيسية مثل البنية التحتية للبنوك والطاقة أو المواقع الحكومية والخاصة.

تُعد دول الخليج أكثر عرضة للخطر، لأنها تفتقر لوسائل الرد مقارنة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. وعلى الرغم من قدرة إيران على استهداف الشركات أو البلدان الأوروبية، إلا أنها لن تقوم بذلك نظراً للأهمية التي تعتليها علاقاتها الدبلوماسية مع أوروبا.

وكما هو الحال مع جميع الخيارات المتاحة أمامها، يمكن لإيران أن تزيد من مدى هجماتها الإلكترونية ونطاقها رداً على تحركات إسرائيل والولايات المتحدة. فإذا ما تسبّبت الضربات المباشرة ضد إيران في الضغط على النظام، فإنه قد يوسع من هجماته الإلكترونية لتشمل البنيات التحتية المهمة في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وقد تستهدف محطات توليد الطاقة والمستشفيات والمواقع العسكرية، إضافة إلى أن طهران قد توسع أنشطتها لتغطي الشركات والأصول الأوروبية عندما تنهار مفاوضات خطة العمل المشتركة الثانية، لما بعد الانسحاب بشكل حتمي.

 

بيت القصيد:

في ظل بحث الولايات المتحدة وإسرائيل عن أسباب لضرب إيران، ومع استمرار المفاوضات مع الأوروبيين، ستسعى طهران إلى استخدام خيارات أقل خطراً للرد على خصومها، لكنها تعلم بأن هناك مستوى معيناً من التصعيد قد يؤدي إلى هجمات لن تستطيع التعامل معها. لذا، ستواصل إيران الاعتماد على الهجمات الإلكترونية وبعض الهجمات الأخرى للانتقام من إسرائيل والولايات المتحدة، في طريق بحثها عن طرق للوقوف في وجههما دون الدخول في مواجهة مع البلدين. وستتخذ في الوقت نفسه إجراءات لتفادي الدخول في نزاعات مع الأوروبيين قدر الإمكان، ذلك ما لم تتفكك خطة العمل المشتركة الشاملة. أما في حال حدوث ذلك فستصبح الأصول الأوروبية أكثر عرضة لهجمات إيران.