الخميس 2017/09/07

الحماقة السعودية تخدم الأسد…وتحقق نصرا كبيرا لإيران

المقال نشرته مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية بعنوان " الأزمة السعودية القطرية تفضي إلى نصر كبير لصالح إيران".

فازت إيران بجولة أخرى في الحرب الباردة الدائرة بينها وبين السعودية، التي تسيطر حاليا على المشهد السياسي في الشرق الأوسط، حيث تعزى بشكل كبير إلى حماقة المملكة العربية السعودية.

قامت الرياض بعزل قطر إلى زاوية دبلوماسية ضيقة، تتمثل في الحصار الذي فرضته عليها مع حلفائها الخليجيين، وافترضت هذه الأخيرة عودة قطر إلى الحضن المفتوح للأخ الأكبر.

استند هذا الافتراض على الاعتقاد القائم بأن قطر الصغيرة تعتمد اعتمادا كبيرا على جارتها في كل من التجارة والملاحة الجوية والمواد الغذائية وغيرها من السلع التي لن تستطيع دونها الصمود في وجه الحظر الاقتصادي والجوي المفروض؛ ولكن ما حدث جاء عكس ماكان متوقعا.

رفضت قطر بشدة جميع المطالب السعودية، بما في ذلك إغلاق قناة الجزيرة، وقبل كل شيء، وقف العلاقات مع إيران، والتي تشترك معها في أكبر خزان للغاز الطبيعي في العالم، وقد استطاعت قطر أن تتجاوز الحظر المفروض لسببين رئيسيين:

أولا: سارعت كل من إيران ، وهو مايثير الدهشة، وتركيا، التي كانت على علاقة جيدة مع السعودية، إلى مساعدة قطر للتغلب على العقوبات من خلال كسر الحصار بشحن و نقل الإمدادات جواً إلى الإمارة الصغيرة.

ثانيا: فشلت السعودية في أن تأخذ بالحسبان مدى قوة العلاقات الأمريكية القطرية، والتي تستند بالأساس إلى أن أكبر القواعد الجوية الأمريكية في المنطقة توجد في قطر والتي يعتبرها البنتاغون ضرورية للعمليات الجوية في كل من أفغانستان وسوريا.

فعلى الرغم من تصريحات الرئيس ترامب المناهضة لقطر، والتي تميزت بجهل تام للقيمة الاستراتيجية لدولة قطر بالنسبة للولايات المتحدة، فإن رد وزارة الخارجية سواءا سرا أو جهرا جاء مختلفا تماما. فأدركت الرياض أن أي تهديد باستعمال القوة ضد قطر سيواجَه بمعارضة أمريكية ويضر بالأهداف الكبرى لشراكتها الاستراتيجية في الخليج العربي مع واشنطن.

وفي ظل هذه الظروف، يمكن لقطر أن لا تعبأ بما يفعله السعوديون، وهذا ما فعلته قطر بالظبط؛ ففي 23 آب / اغسطس، أعلنت قطر قرار "تعزيز علاقاتها الثنائية مع إيران في جميع المجالات" وإعادة سفيرها إلى طهران على أعقاب اتصال هاتفي بين وزيري الخارجية القطري والإيراني، ويعد هذا القرار انتصارا مهما لإيران وتقدما كبيرا في محاولتها تطبيع العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، الذي تحصل فيه السعودية على حصة الأسد.

فللتقارب الرسمي الذي حصل بين إيران وقطر نفس الأهمية، ومن المرجح أن يكون له آثار كبيرة على الجبهة السورية، فقد عزفت كل من إيران وقطر على وترين مختلفين بخصوص النزاع السوري حتى الآن، حيث تدعم إيران بشار الأسد، في الحين الذي تدعم فيه كل من قطر و السعودية وتركيا مجموعة متنافرة من قوات المعارضة.

ومن المرجح أن تقلل قطر، التي تبدو منشغلة بسبب خلافها مع السعودية، من مشاركتها في سوريا وتقلل - إن لم توقف -تمويل قوات مناهضة للأسد.

ومن المهم أيضا أن تقارب إيران مع قطر يأتي على أعقاب تحسن العلاقات بين طهران وتركيا، كما ساهمت التحركات السعودية غير المدروسة ضد قطر في التقارب بين كل من أنقرة وطهران.

لدى تركيا مصالح كبيرة في قطر، إذ تقوم بإنشاء قاعدة عسكرية في قطر كجزء من خطة فرض قوتها في الشرق الأوسط، كما إن كلا من أمير قطر والرئيس أردوغان على وفاق تام ، حيث أفيد بأن أمير قطر قد أرسل 150 جنديا من خيرة القوات القطرية لحماية أردوغان في أعقاب محاولة الانقلاب ضده في يوليو تموز 2016.

أما الآن، فقد حان دور تركيا لرد الجميل إذ سمح البرلمان التركي بنشر قوات تركية تتراوح بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف جندي تركي في قطر لمساعدة الأمير على الحفاظ على "الأمن الداخلي"، وهي بذلك قد انشقت عن السعودية بشكل صريح، واصطفت مع إيران حول قضية قطر بغض النظر عن خلافاتهم حول سوريا.

فقد عملت كل من أنقرة وطهران على تقليل هذه الخلافات أيضا، فعلى مايبدو أن أنقرة هي من تقدم كل التنازلات، فقد رضخت إلى واقع أن الأسد، الذي تدعمه إيران، لا يمكن إزالته بالقوة. وقد أعلن هذا التحول في السياسة التركية، على مدى سنة كاملة، قد أعلن عنه رئيس الوزراء التركي في 20 آب / أغسطس حين قال بأن تركيا ترغب في "تسوية الأزمة بمشاركة جميع الأطراف الفاعلة الرئيسية، بمن فيهم بشار الأسد" .

وهذا انتصار كبير لإيران، فطهران عازمة في استمرار دعمها للأسد ونشر قوات حليفها حزب الله، إلى جانب بعض من عناصر قوات القدس.

وقامت السعودية، نتيجة لسوء تقديراتها القائمة بالأساس على الغضب أكثر من أي شيء آخر، بتمهيد الطريق للانتصارات الدبلوماسية الإيرانية الأخيرة.

فقد بدأت دبلوماسية طهران الجيدة، وصبرها اللامتناهي أخيرا في تحقيق مكاسب لها على الأرض؛ إذ إن التقارب الإيراني الشيعي مع قطر وتركيا -والتي تعد بلدانا ذات غالبية سنية -بدأ في دحض الأسطورة القائلة بأن الصراع في الشرق الأوسط يقوم على خلاف سني-شيعي عائد إلى نحو 1400 سنة. وبالنظر إلى أن الغالبية العظمى في العالم العربي من السنة، فقد كان ذريعة لأجندة التسلح السعودي.

فقد بدأ ينكشف للعيان أن مناطق السيادة و السلطة البحتة هي التي تزيد من حدة التنافس بين السعودية وإيران وليست العداوات الطائفية القديمة.