الأربعاء 2018/07/04

الإندبندنت: تنظيم الدولة يعيد تجميع صفوفه بهدوء في سوريا

بقلم: كيم سينغوبتا

المصدر: الإندبندنت

ترجمة: مركز الجسر الدراسات


 خروج تنظيم الدولة من الظلال وعودته إلى ساحات المعارك في سوريا جاءت عبر شن هذا الأخير سلسلة من الهجمات في الرقة، العاصمة السابقة لخلافته المزعومة، حيث يزعم تكبيد الروس خسائر جمة طالت جنوداً في صفوفهم، كما قام باعتقال وإعدام مقاتلي عدد من المليشيات المتناحرة، والاستيلاء على الأراضي مع إنشاء قواعد جديدة له. إن عودة الجهاديين، الذين يُفترَض أنهم هُزموا بشكل شامل، تحدث في ظل ديناميكيات سريعة التغيّر.

قامت "الإندبندنت" بإجراء مقابلات مع المليشيات الكردية وعدد من المسؤولين الغربيين والأتراك الذين قاموا بإعطاء صورة معقّدة عن المناورات التي تقوم بها المجموعات من كلا جانبي الصراع: فقد أدى تغير التحالفات والخيانات التي طالت صفوف هذه الجماعات إلى عودة ظهور أكثر الجماعات الإرهابية دموية. إذ يُعتقد أن هناك ما يزيد على 8 آلاف و10 آلاف مقاتل تابع لتنظيم الدولة في سوريا والعراق. وهو رقم يفوق بعشر مرات الرقم الذي تركته الولايات المتحدة خلفها إبان انسحابها من العراق عام 2011. في غضون ثلاث سنوات، ومع ذلك، استرجع مقاتلو تنظيم الدولة مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا فكانوا على مشارف دخول بغداد.

قُتِل مؤخراً "حذيفة البدري"، أحد أبناء أبي بكر البغدادي، خلال هجوم على القوات الروسية وقوات النظام في حمص. لكن البغدادي لا يزال طليقا، رغم المحاولات المتكررة من الأمريكيين والروس لقتله. تحدثت تقارير غير مؤكدة، عن وجوده في مدينة القائم العراقية، وقيل إن "أمراءه" -أي القادة التابعين له- يعودون الآن إلى مواقعهم السابقة قبل أن يُضطروا إلى الفرار منها خلال الحملة الجوية التي شنها التحالف على معاقل تنظيم الدولة.

وقال سامي عبده، مقاتل في صفوف الثوار، كان قد حارب ضد تنظيم الدولة مع عدد من كتائب الثوار، بما في ذلك أحرار الشام، "لقد كررت الدول الغربية على مسامعنا في كثير من الأحيان كيف تمت هزيمة تنظيم الدولة وتم القضاء عليه بشكل كلي..لكن الأمر يختلف على الأرض. فقد هرب الكثير منهم بسياراتهم وأسلحتهم؛ لكننا نراهم هنا مرة أخرى. فقد تغيرت الظروف وهم يستغلون ذلك ويزدادون قوة".

وكان دونالد ترامب قد أعلن اعتزامه إخراج القوات الأمريكية من سوريا، كما أمر بخفض امويل المشاريع العسكرية والمدنية هناك.

لقد دخلت القوات الكردية التي تستخدمها واشنطن لمحاربة تنظيم الدولة في معركة مع الجيش التركي الآن. وهناك خيبة أمل متنامية بين السكان المحليين حول الضرائب المفروضة والتجنيد الإجباري للسوريين من طرف بعض حلفاء الغرب الذين استولوا على أراضي تنظيم الدولة.

في الوقت نفسه، اتُهِمت "قوات سوريا الديمقراطية"، ( وهي وحدة كردية-عربية مختلطة يدعمها الجيش الأمريكي)، بالفشل في التحرك ضد جيب من المقاتلين الأجانب في تنظيم الدولة، وجاء رفضهم القيام بذلك على أساس خوفهم من أن ينسحب رعاتهم الدوليون من دعمهم.

كان هناك حضور كبير لقوات الكوماندوز الفرنسية في سوريا، والتي جاءت لتحل محل القوات الأمريكية التي ستنسحب، لكنها قضت معظم وقتها في محاولات لوقف الصراع الداخلي بين الكتائب على الأرض. ومن المرجح أن تزداد شدة المنافسة على النفوذ مع احتمال وصول إيرادات مالية من السعودية والإمارات لتمويل مشاريع إعادة الإعمار.

هناك أيضا انقسامات ونزاعات بين حلفاء بشار الأسد الدوليين والمليشيات المحلية، حيث تقوم القوات الإيرانية بالانسحاب تحت ضغط روسي. كما تسعى موسكو أيضا إلى حل معظم الجماعات شبه العسكرية التابعة للنظام، بما في ذلك جماعات مثل الجناح المسلح لجمعية "البستان"، التي أنشأها ابن خال بشار الأسد، "رامي مخلوف".

ويقال إن هناك قوات شبه عسكرية تقاوم هذه التغييرات، حيث يُعتقد أن الروس قد طلبوا من فروع مختلفة لجهاز الاستخبارات التابع للنظام تخفيض عدد الاعتقالات الواسعة التي تسببت في استياء عميق بين الناس، وساعدت في تغذية المعارضة.

في الوقت نفسه، كبّد تنظيم الدولة الفتيّ القوات الروسية خسائر بشرية حيث قتل أربعة جنود على الأقل وأصيب خمسة آخرون خلال هجوم على بلدة "الميادين" في منطقة دير الزور الغنية بالنفط في الجنوب الشرقي، الشهر الماضي.

ويُعتقد أنه قد قُتِل أكثر من 40 عنصراً من تنظيم الدولة خلال هذه المواجهة. وأشار مسؤول أمني غربي إلى أن مقاتلي تنظيم الدولة "استخدموا عددًا كبيرًا من المركبات البرية التي استحوذوا عليها، وقاموا بإطلاق النار لأكثر من ساعة، ما يدل على أنهم مستعدون لتكبد هذا النوع من الخسائر في عملية واحدة، الشيء الذي يفيد بأنهم لا يمتلكون قوة بشرية هائلة".

في الأسابيع القليلة الماضية، أعدم تنظيم الدولة 6 أشخاص ينتمون إلى "هيئة تحرير الشام"، بالقرب من سلقين في الشمال، وقتلوا آخرين باستخدام عبوات ناسفة يدوية الصنع.

كما كانت هناك سلسلة من الهجمات التي قام بها تنظيم الدولة في منطقة البادية، غرب الفرات، ويتواجد مقاتلو التنظيم بشكل متزايد في منطقة حوض اليرموك ودير الزور.

أدى انهيار اتفاق بين "هيئة تحرير الشام" و"تنظيم الدولة" إلى تصاعد العنف. تزعُم هيئة تحرير الشام أنها اكتشفت أن "الخلايا النائمة" لتنظيم الدولة استعملت عبوات ناسفة يدوية الصنع لتوجيه ضربات على قواتها، الشيء الذي أدى إلى مقتل حوالي 50 عنصرا منهم.  ردا على ذلك، قام تنظيم الدولة بتصفية مقاتلي هيئة تحرير الشام الذين كان يحتجزهم.

أحد أسباب ما حدث، بحسب ما جاء على لسان بعض المقاتلين السوريين، هو أن أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، يحاول أن يَظهر أنه يحارب تنظيم الدولة، في محاولة للحصول على أموال من دول الخليج، وكذلك إخراج مجموعته من لائحة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية.

تنظيم الدولة مشغول بالعثور على حلفاء جدد:

هذا وقد فرّت مجموعة من مقاتلي تنظيم الدولة، بما في ذلك بعض الأفراد والأسر من الدول الإسكندنافية في الآونة الأخيرة، ووجدوا ملجأ لهم في "جيش خالد بن الوليد"، حيث تقول المجموعة نفسها إنها تقوم بتدريب أكثر من 100 مقاتل من تنظيم الدولة، استعدادا للقتال في المناطق الريفية الجديدة التي ستدخلها.

لكن عودة ظهور تنظيم الدولة في الرقة، "العاصمة"، التي اعتُبر سقوطها دليلا على زواله، ما هو إلا إشارة رمزية إلى المقاتلين الذين لا يزالون في المدينة حتى الساعة.  فقد قُتل نحو 20 عنصراً من "قوات سوريا الديموقراطية" خلال أربع هجمات منفصلة في مدينة الرقة وقرية حمام التركمان والرصافة القريبتين من المدينة الشهر الماضي. اتُّهِمت "الخلايا النائمة" التابعة لتنظيم الدولة بشن هذه الهجمات، بعد أن كانت قد تسللت إلى المدينة خلال الشهور الماضية.

غادر عصام الرقة قبل ستة أسابيع نحو الحدود التركية. كان قد هرب عندما استولى تنظيم الدولة على المدينة، ولم يعد إليها إلا عند استعادة السيطرة عليها.

يقول عصام، طالب الهندسة سابقاً، والذي تحفظ على نشر اسمه العائلي خوفاً على حياة عائلته التي لا تزال في المدينة "عليَّ أن أرحل مجدداً لأن الأمور قد بدأت تسوء" مضيفاً.. "لقد بدأت (قوات سوريا الديمقراطية) بإجبار الناس على الانضمام إليها، مدَّعين أن هذا واجب يقع على عاتقنا، ولكنه مجرد استخدام للقوة ولا أريد الانضمام إليهم.. هناك أيضا الكثير من الغضب الشعبي حول الضرائب، والأشخاص الذين يضطرون لدفع رشاوٍ للمسؤولين، واشتباكات بين "قوات سوريا الديمقراطية" والمتطوعين المحليين (لواء ثوار الرقة)... لقد عاد تنظيم الدولة سراً في الرقة، وهو أمر خطير. هناك بعض الناس الذين يقولون إن الحياة كانت أفضل بوجوده. أعتقد أنه من الغباء قول ذلك، والواقع أن الكثير من الناس ممتعضون مما يحدث".

هناك علامات تدل على وجود مخطط لشن حملة على منطقتي البوكمال والبادية من طرف تنظيم الدولة حيث حصلت اشتباكات بين التنظيم والمليشيات التي تدعمها إيران. وجَّه كل من الإيرانيين وقوات النظام أصابع الاتهام للقوات التي تدعمها الولايات المتحدة بالسماح بمرور تنظيم الدولة إلى المناطق لاستهداف مليشياتهم.

أدّت التغييرات في إدارة ترامب إلى صعود شخصيات بارزة، بما في ذلك مستشار الرئيس للأمن القومي، جون بولتون، الذي جاء بخطط جديدة، وتخلى عن خطط سلفه الجنرال إتش. إم. ماكماستر، لخوض حرب سرية ضد طهران في سوريا.

لكن هناك أيضا مزاعم بأن النظام يغض الطرف عن هجمات تنظيم الدولة بل ويصل حد تسهيل قيام هذا الأخير بهجماته. قال اللواء فيليكس غيدني، نائب قائد القوات الدولية في كل من سوريا والعراق: "ما زلنا نشعر بالقلق من أن النظام غير راغب أو غير قادر على التعامل مع هذا التهديد. من وجهة نظرنا، يبدو أن تنظيم الدولة يتحرك في مناطق النظام دون عقاب ".

ووفقاً لنشطاء السوريين، فقد التقى قادة النظام وقوات تنظيم الدولة في "منطقة الحصن"، شمال شرق السويداء في 17 يونيو / حزيران الماضي، وبعد عدة ساعات من هذا اللقاء، توجه نحو 100 مقاتل من تنظيم الدولة باتجاه "حوض اليرموك" في الوقت الذي كانت فيه قوات النظام تمضي قدماً، للسيطرة على الأراضي التي تركها مقاتلو التنظيم خلفهم.

وسط الاتهامات والاتهامات المضادة، يقال إن "قوات سوريا الديمقراطية" تؤجل شن هجوم في منطقة "هجين" حيث توجد مجموعة من مقاتلي تنظيم الدولة الأجانب، من بينهم غربيون. لقد قامت قوات "قسد" بتأجيل هذه العملية مرات عديدة، متعللة بأن القيام بذلك سيساعد ببساطة في التخلي عن الدور الذي تقوم به هذه القوات من طرف التحالف الدولي، بحسب ما ورد في عدة مصادر.

وقال أبو مرتضى، (عضو سابق في "قوات سوريا الديموقراطية"): "نعرف أن القلق الرئيسي للأمريكيين والدول الأوروبية هم المقاتلون الأجانب الذين لا يزالون هنا، ربما قد لا يكون هذا ما يقلق قادتهم العسكريين، لكننا نعتقد أن هذا ما تشعر به حكوماتهم.. فلماذا نمنحهم ذريعة لخفض مساعدتهم بشكل أكبر من خلال إزالة كل هؤلاء الأجانب الذين جاؤوا للقتال من أجل تنظيم الدولة؟ إن هناك أسباباً أخرى تدفع بالتحالف إلى ملاحقة الأجانب للقضاء عليهم؛ لكن لدينا أولويات أخرى".

وعلى الجانب الآخر، لقد كانت هناك محاولات لحماية المصالح المكتسبة، عبر دعم النظام لمليشيات يقال إنها تعارض خطط إعادة الهيكلة التي اقترحها الكرملين.

جاء في تقرير صدر مؤخراً عن مجلس الشؤون الدولية الروسي، والذي تضم هيئته الرئاسية، دميتري بيسكوف، المتحدث الصحفي لفلاديمير بوتين والذي صرح  قائلا: "إن هناك هياكل شبه عسكرية وعشائر تشبه المافيا ، وشركات عسكرية خاصة بالإضافة إلى مليشيات إقليمية وقبَلية ومنظمات سياسية معسكرة، هي من تقوّض استقرار النظام". مضيفاً "لقد حاولت كل هذه المكونات منذ البداية وضع أقدامها في مؤسسات النظام أو السيطرة على مصادر الدخل المختلفة. ليس سرا أن "الشبيحة" التي تعمل تحت إشراف "قوات الدفاع الوطني" تسيطر على نقاط التفتيش، الأمر الذي يعني عمليا أنهم يستطيعون الوصول إلى الأجهزة الفاسدة".

إن "حزب الله السوري"، الذي يموّله حزب الله اللبناني والإيرانيون، يرفض تسليم نقاط تفتيشهم في حي المهاجرين بدمشق، وهو أمر طالب به الروس.

وقد أرسلت "قوات الدفاع الوطني" عريضة إلى الأسد طالبت فيها بالسماح لها بالاحتفاظ بنقاط التفتيش التابعة لها، كما قيل إن قسم الاستخبارات الجوية قد عارض الدعوات الروسية بترك نقاط التفتيش.

تحدثت نورا الجيزاوي، الناشطة التي سجنها نظام الأسد والتي عملت لاحقا كنائب لرئيس جماعة المعارضة في المنفى (المجلس الوطني السوري)، تحدثت كيف ساعد المشهد السياسي والعسكري الممزق تنظيم الدولة: "تنظيم الدولة لم يتم تدميره على الرغم مما زعم بعض الناس، وهو الآن يستغلّ ما يجري".

مضيفة: "لقد كانوا جيدين في التلاعب بالوضع على كلا الجانبين، واستغلال الظلم الذي تعرض له الناس من جانب المعارضة، لإبرام صفقات مع النظام.. إن الشيء المؤكد بخصوص تنظيم الدولة، هو أنه قد أظهر الكثير من الصبر لتحقيق هدفه. ربما لم تُظهر الدول الغربية صبراً كافياً في الماضي، أو لم تكن لها رؤية بعيدة المدى. ما نحتاج إليه الآن هو الضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي حقيقي وأن نواجه تنظيم الدولة قبل أن يصبح أكثر قوة وتدميراً".