الجمعة 2019/03/08

“الأسد أو نحرق البلد”: هكذا استطاع النظام أن يسود


بقلم: رجاء عبد الرحيم

المصدر: وول ستريت جورنال

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


قبل أن تتم كتابة هذه العبارة على الجدران وحفرها على السيارات، سمعها جنود النظام في الاجتماعات التي كانت مخصصة لمناقشة كيفية قمع الانتفاضة المناهضة للنظام التي اجتاحت سوريا عام 2011..."الأسد أو نحرق البلاد".

كانت هذه الكلمات الصادمة تحذيرا موجها لأولئك الذين يتحدون بشار الأسد. وعندما تحولت الاحتجاجات إلى حرب، قام الأسد، مدعوما بالطائفة العلوية المتشددة، بالتصدي للتهديد فدمر البلاد من أجل إحكام قبضته على السلطة.

يتذكر عبد الجبار العكيدي، وهو كولونيل سابق في جيش النظام: "في جل اجتماعاتنا، كان الضباط العلويون يكررون عبارة - الأسد أو نحرق البلد". مضيفا: "كنت أعلم أن الأسد لن يتخلى عن السلطة حتى يدمر البلد بأكمله ويريق الدماء في الشوارع".

اليوم، وبعد نحو ثماني سنوات من الصراع، أصبح انتصار الأسد أمرا وشيكا. لقد استعادت قواته السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد، بمساعدة القوة الجوية الروسية والمليشيات الأجنبية المدعومة من إيران. وعلى الرغم من الفظائع الموثقة التي ارتكبها نظامه، إلا أن الدول العربية، والتي نبذته لفترة طويلة، قد بدأت بتطبيع العلاقات معه، من الواضح أنها قبلت بفكرة بقاء النظام.

فقد أعادت كل من الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق، كما قام الرئيس السوداني عمر البشير مؤخرا بزيارة دمشق للقاء الأسد، وهي الزيارة الأولى من نوعها لزعيم عربي منذ عام 2011.

ومع اقتراب هزيمة تنظيم الدولة، أعلنت الولايات المتحدة عن خطط لسحب قواتها التي تتألف من نحو 2000 جندي من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد شمال شرق سوريا، وهي خطوة يمكن أن تسمح لنظام الأسد باستعادة كل شبر من البلاد، كما تعهد في وقت سابق.

من أجل التغلب على الانتفاضة التي هددت حكمه والنجاة من شفير الموت، اتبع الأسد مخططا واضحا منذ الأيام الأولى للصراع.

عندما خرج المتظاهرون لأول مرة إلى الشوارع قبل ثماني سنوات، قرر الأسد عدم تقديم تنازلات سياسية بسيطة والتي كان من شأنها أن تحل الأزمة، فقد خشي الموالون له من أن تؤدي هذه التنازلات إلى زيادة عدد الأصوات المطالبة بالتغيير.

وبدلا من ذلك، اختار نظامه القيام بحملة قمع عنيفة ضد المتظاهرين فأطلق عليهم اسم "الإرهابيين"، ودفع بالمعارضة إلى المواجهة المسلحة.

قال فريدريك هوف بخصوص هذا الأمر، وهو كان مشرفا على السياسة السورية في وزارة الخارجية الأمريكية خلال ولاية الرئيس أوباما الأولى: "إذا استطاع تحويل ما يحدث الآن إلى صراع طائفي، أو إلى كفاح مسلح، فإنه يستطيع البقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى".

خلفت الحرب التي تلت هذه الأحداث أكثر من نصف مليون قتيل. فقد مات الكثيرون جراء النقص الذي تعانيه المنشآت الصحية المدمرة، التي كان أهدافا للهجمات العسكرية التي قام بها نظام الأسد. تعيش أغلب العائلات في الطوابق الأرضية للمباني المدمرة، ويدرس أطفالهم في مدارس لا تتوفر لا على نوافذ أو أبواب.

منذ عام 2011، هرب نحو نصف سكان البلد البالغ عددهم 22 مليون نسمة من منازلهم، ما تسبب في أزمة دولية واسعة للاجئين ساهمت في إثارة الاستياء ضد المهاجرين في أوروبا.

لم يستجب نظام الأسد لطلباتنا بإجراء مقابلات معه كما لم يعلق على الاتهامات الموجهة له. خلال اجتماع عام له في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال الأسد إن نظامه دفع ثمنا باهظا للحفاظ على البلاد.

في محاولته للبقاء بالسلطة، سيدفع الشعب السوري أكبر ثمن.

في بداية الانتفاضة السورية، اختلف نظام الأسد حول كيفية الرد على التظاهرات مع بعض المسؤولين الذين أيدوا الحوار والإصلاح السياسي بحسب السفير الأمريكي السابق روبرت فورد. قال حينها الجنرال أحمد طلاس، الذي كان ضابطا في وزارة الداخلية التابعة للنظام، إنه سمع من زملائه أن الأسد لا يفضل العنف.

لقد دفع الجنرالات المتشددون بالأسد إلى تبني استراتيجية القبضة الحديدية، كما قال فورد، مضيفا أن الأسد "لم يكن راغبا في المخاطرة والقيام بإصلاحات في نهاية المطاف".

قال محمد المصري، الذي كان نقيبا في جيش النظام في ذلك الوقت، إنه خلال إحدى مظاهرات الرقة في مارس / آذار عام 2012، أصدر قادة شرطة النظام أوامر بعدم إطلاق النار، لكن القوات الجوية كانت تطلق النار على المتظاهرين على الرغم من ذلك، ما أسفر عن مقتل أحدهم. يضيف المصري قوله في إشارة إلى فحوى استجواب لاحق قامت به قوات الأمن للقوات الجوية أن: "أوامر القتل جاءت مباشرة من القصر".

خلال لجوئه إلى القوة، كان لدى الأسد كتيب تعليمات جاهز. في أواخر سبعينات القرن الماضي، واجه والده، حافظ الأسد، انتفاضة قامت بها جماعة الإخوان المسلمين، والتي شملت الاغتيالات الطائفية والسيارات الملغمة. يقول عمرو العظم، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط وعلم الإنسان في جامعة شاوني ستيت بولاية أوهايو، إن النظام استغل الهجمات التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين للحصول على الدعم لما سيفعله فيما بعد ضد الإخوان.

في عام 1982، سحق حافظ الأسد تمرد الإخوان بقتل الآلاف في مدينة حماة وتدمير بعض أحيائها؛ حيث حاصر جيش النظام المدينة وقصفها لشهر كامل.

عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع في دمشق والمدن السورية الأخرى عام 2011، استغل ابن حافظ الأسد مرة أخرى مخاوف العامة وتوجسهم من المتطرفين في الوقت الذي أطلق فيه حملة قمع وحشية ضد المتظاهرين.

وأضاف العظم: "لقد زرعوا بذور هذه المخاوف في انتفاضة حماة من خلال شيطنة جزء من المجتمع السوري، من خلال قدرتهم على قول إما نحن أو هم. لدى النظام استراتيجية متطورة يؤدي تفعيلها إلى نتائج كارثية".

في نهاية أيام/ مايو من عام 2011، أفرج نظام الأسد عن أكثر من ألف سجين سياسي. رأى الكثيرون هذه الخطوة في بادئ الأمر أنها طريقة لامتصاص الغضب الشعبي ضد النظام. في حين يرى يحيى العريضي، الذي كان في السابق مستشارا إعلاميا للنظام ورئيسا سابقا لإحدى القنوات الرسمية، هو وآخرون ممن كانوا على اطلاع على ما يجري، أن هذه الخطوة زادت من شبح الطائفية والتطرف.

كان من بين الذين تم الإفراج عنهم أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، والجهاديين الذين قاتلوا في العراق ضد الولايات المتحدة والرجال الذين لهم صلات بتنظيم القاعدة؛ ليحتل البعض منهم مراكز قيادية في الفصائل الإسلامية في صفوف جماعات المعارضة، التي قاتلت بعضها بالقدر الذي قاتلت به قوات النظام في كثير من الأحيان.

يقول بسام بربندي، وهو دبلوماسي سابق في وزارة خارجية النظام انشق عام 2013، "يدرك الأسد أنه على الرغم من أنهم جميعا إسلاميون، إلا أنهم من مدارس مختلفة، وسوف يقاتلون بعضهم البعض".

إن هيمنة الإسلاميين في نهاية المطاف وما تبعها من ظهور عناصر متطرفة داخل المعارضة زادت من حدة الفوضى. الأمر الذي أثار مخاوف البلدان التي أبدت دعمها للمعارضة في وقت مبكر.

لقد زاد ظهور تنظيم الدولة في ظل الفوضى التي عرفتها الحرب السورية من حدة هذه المخاوف لحد استئثاره بالقلق العالمي وبالتالي إبعاد الأنظار عن نظام الأسد القمعي.

وقال هوف، المسؤول السابق في وزارة الخارجية: "لقد كان الأثر النهائي والعكسي لكل ما كان يحدث هو تقديم بشار الأسد كعامل مهم لاستقرار سوريا".

بينما كان النظام يطلق السجناء الإسلاميين، ملأ زنازين سجونه الفارغة بالآلاف من النشطاء المعارضين. لقد أدى اختفاء العديد من نشطاء السلام إلى اتخاذ الانتفاضة منحى عنيفا.

شكلت المظاهرات التي تجاوزت الانقسامات الدينية والطائفية في سوريا تحديا كبيرا لنظام الأسد، الذي طالما قدم نفسه على أنه حامي الأقليات في دولة ذات أغلبية سنية مسلمة. عندما بدأت المظاهرات التي شارك فيها كل من السنة والعلويين والمسيحيين في حزيران/ يونيو من عام 2011 في محافظة اللاذقية الساحلية على البحر المتوسط ​​، سعى النظام إلى وضع حد لمظاهر المعارضة الموحدة، فأمر الضباط العسكريين بنزع لباسهم الرسمي والنزول إلى الشوارع والاندساس في صفوف المتظاهرين في بلدة جبلة، ورفع شعارات إسلامية، والدعوة إلى الخلافة ولعنة العلويين، حسب ما جاء على لسان العقيد الركن فاتح حسون، وهو ضابط منشق من جيش النظام.

في أوائل عام 2012، بعد مرور عام على بدء الانتفاضة السورية، أظهر النظام الوحشية الكامنة وراء عبارة "الأسد أو نحرق البلد" في مدينة حمص.

يتذكر الجنرال سالم إدريس، ضابط سوري آخر انشق في وقت لاحق، جيدا هذه العبارة على جدران مبنى عسكري في حمص، وعلى جدران مكتب لحزب البعث التابع للأسد وجدران إحدى المدارس في حي بابا عمرو الذي كان يسيطر عليه الثوار.

بعد أسابيع فقط، شنت قوات النظام هجوما على ذلك الحي، حيث بدأت بمحاصرته وقطعت الكهرباء وشبكة الاتصالات عنه. شنت بعدها قوات النظام هجمات متتالية باستخدام قذائف الهاون والدبابات والصواريخ مخلفة وراءها 244 مدنيا خلال شهر.

أجبر هذا الهجوم الثوار على الانسحاب، وعندما قامت قوات النظام باقتحام الحي أطلقوا النار وقتلوا ما لا يقل عن 53 مدنيا، كما حدث في المجزرة التي قام بها والد الأسد في حماة.

في الوقت الذي استخدم فيه النظام الأسلحة الكيمياوية على نطاق واسع في آب/ أغسطس من عام 2013، أصبح العالم معتادا على موجة العنف التي اجتاحت البلاد. أدت إحدى الهجمات باستخدام غاز السارين إلى مقتل أكثر من 1400 شخص.

اتهمت الدول الإقليمية والغربية نظام الأسد بشن الهجوم الكيماوي، لكن الأسد ألقى باللوم على خصومه ووافق على التخلص من ترسانته الكيمياوية. على الرغم من عدم التخلص منها بالكامل، إلا أن تعهده هذا جنّبه التعرض لرد انتقامي من قبل إدارة أوباما، التي اعتبرت أن استخدام الأسلحة الكيمياوية ضد المدنيين "خطا أحمر" لا ينبغي تجاوزه في ذلك الوقت.

في ذلك العام، تزايد تهديد تنظيم الدولة، الذي استولى على مساحات شاسعة من الأراضي السورية، ومع ذلك استمر نظام الأسد في توجيه قوته النارية ضد الفصائل الرئيسية من جماعات المعارضة التي غالبا ما يطلق عليها اسم "المعارضة المعتدلة". أدت الأعمال الوحشية لتنظيم الدولة، كقطع رؤوس الرهائن إلى شد أنظار العالم باتجاه الجماعة الإرهابية. وبالتالي لم يعد العالم يعير اهتماما كبيرا للأسد أو ما يقوم به من أعمال وحشية.

ما يزال الآلاف من معتقلي النظام مجهولي المصير. وكانت منظمة العفو الدولية وصفت في تقرير لها عام 2017 سجن صيدنايا التابع للنظام بأنه مكان للقيام بعمليات قتل خارج سلطة القانون بصورة ممنهجة، والتي ترقى إلى مستوى "الإبادة الممنهجة".

قال هوف، الذي يعمل الآن في المجلس الأطلسي التابع لمركز رفيق الحريري لشؤون الشرق الأوسط "في بداية عام 2013، كان أعضاء الإدارة الأمريكية يقولون عبارات من قبيل "بشار فظيع، إنه مجرم حرب، ولكن إذا تم إسقاطه من هو البديل؟".

اليوم، في المدن المتضررة كحلب، هناك أحياء مدمرة عن بكرة أبيها. أجزاء كبيرة من السوق القديم تم تدميرها بالنيران. كما تضرر المسجد الكبير الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثاني عشر والقلعة التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الثالث عشر، جراء هجمات المدفعية وإطلاق النار لسنوات.

ومع ذلك، فقد أعيد نشر صور الأسد في كل مكان فور سيطرة النظام على هذه الأراضي.

تواصل الولايات المتحدة دعوتها إلى التوصل حل سياسي للصراع. خلال العام الماضي، قدمت إدارة ترامب مشروع قانون يفرض عقوبات إضافية على نظام الأسد ومسؤوليه لمحاسبتهم "على ذبح المدنيين وغيرها من الفظائع التي ارتكبت في حقهم".

على الرغم من هذه الجهود، يبدو أن الأسد هو الفائز في هذه الحرب الطويلة الأمد. في آذار/ مارس من عام 2018، اتجه شرقا من دمشق نحو ضواحي الغوطة الشرقية للالتقاء بالقوات التابعة له والمتواجدة على الخطوط الأمامية.

خلف تلك الخطوط كانت هناك منطقة معروفة بتواجد الثوار بها، بمجرد تعرضها لهجوم بغاز السارين، تجمع المدنيون في الطوابق الأرضية خوفا من هجمات الهاون وصواريخ النظام. أصبحت تلك المنطقة بأكملها تحت سيطرة النظام خلال أسابيع فقط.

بينما كان الأسد متوجها نحو الجنود المتجمعين والمباني التي دمرت في السابق والدبابات تطفو فوق الركام، هتفوا بشعارات تؤكد سيطرة عائلة الأسد على سوريا: "بالروح، بالدم نفديك يا بشار".