الأربعاء 2017/08/09

هل بسقوط بشار الأسد تسقط تونس؟

ربما سنراهم قريبا في شوارع بيونغ يانغ، حاملين صور القائد كم جونغ أون هاتفين بحياته وحياة كوريا الشمالية.

ولن يكون من المستبعد ساعتها أن يقولوا لنا بأنهم فعلوا ما فعلوا تعبيرا عن كرههم لأمريكا ونصرة لمن يتحداها ويرفض الخضوع لها، وأنه لولا صمود الكوريين الشماليين وقائدهم ووقوفهم بوجه الأمريكان لكان مصير التونسيين الآن شبيها بمصير الهنود الحمر.

وسوف لن يهمهم أو يفرق معهم حينها أن يكون شعب تلك الدولة العجيبة مكمم الأفواه وفاقدا لأدنى الحقوق الآدمية، مادام زعيمه الفذ مصمما على أن يعيد على مسامع الدنيا بأنه يحارب الوحش الكوني، بضراوة وبسالة وأنه بات قادرا على ضربه في عقر داره.

فأسهل ما يمكن أن يفعله الأعضاء التسعة والعشرون لاتحاد نقابات العمال في تونس، الذين وصلوا الأسبوع الماضي دمشق، والتقوا بشار الأسد، هو أن يجدوا أي شماعة يعلقون عليها مواقفهم وأعمالهم.

وآخر ما قد يثيرهم أو يشغلهم هو أن يعرفوا إن كان الواقف فوق التلال قد ارتقى فوق حشد من الجماجم والأشلاء والأنقاض، حتى يبدو شامخا ومهابا أم لا.

ولأجل ذلك فقد تسابقوا للقاء الأسد حاملين له باقات الكلام الوردي الناعم، واستمعوا له بانتباه وهو يطمئنهم على أنه مرتاح البال وينام ملء جفونه قرير العين، ولا يرى أن الحياة في دمشق تختلف عن أي عاصمة مستقرة ومزدهرة في العالم.

لقد قال الأمين العام المساعد للاتحاد، وهو رئيس الوفد النقابي الزائر، في حديث لتلفزيون «الميادين» إنه نقل لبشار الأسد  «تحيات الشعب التونسي والرسالة الوحيدة من كل الشعب التونسي ومن كل العمال والنقابيين في تونس، بأننا مع سوريا قلبا وقالبا ونساندها في هذه الحرب ونتمنى لها أن تنجح».

ولم يكن ممكنا بالطبع لبوعلي المباركي أن يقول شيئا آخر كأن يسأل مضيفه مثلا عن ملايين القتلى والجرحى والمشردين والمفقودين والسجناء، الذين ذهبوا ضحية حربه المجنونة، وعما إذا لم يكن من الأفضل والأجدى لو أنه لم يأمر حرسه ودباباته وشبيحته بأن تسحق من دون شفقة أو رحمة أولى المظاهرات التي خرجت للمطالبة برحيله، وسلك بدلا من كل ذلك طريقا آخر للرد عليها؟ ولم يكن ممكنا أو مقبولا أيضا أن يقول له ولو بشكل عابر إن كان يشعر بينه وبين نفسه بوخز الضمير وبأنه مسؤول عن مئات آلاف الأرواح البريئة التي أزهقت، ارضاء لغروره وشهوته في البقاء بأي ثمن في السلطة؟

وبالمثل فإن كل ما ردده باقي أعضاء الوفد أمام الأسد وأمام وسائل الإعلام الحكومية لم يختلف كثيرا عن كلام المباركي، فقد ذكروا هم أيضا بأنهم جاءوا «للوقوف إلى جانب أشقائنا وشعبنا في سوريا، ودعمه في مواجهة خطر ا"لإرهابيين " أعداء الحياة» مثلما صرح بذلك حسين العباسي الأمين العام السابق، الذي استلم قبل عامين جائزة نوبل للسلام، وأنهم يشيدون بسوريا «قلعة النضال التي أفشلت بصمودها كل ما حيك ضدها» على حد تعبير عبد السلام جراد الأمين العام الأسبق للاتحاد زمن بن علي.

ولكن أخطر تصريحاتهم ربما كانت تلك التي قالها واحد من أعضاء الوفد النقابي من «أننا لم نأت لنساعد سوريا وإنما لنشكرها جيشا وشعبا وقيادة لأنكم خضتم الحرب عن كل أحرار العالم، وعندما تتقدمون خطوة يتقهقر دعاة "الإرهاب"  عندنا»، وأنه لو سقطت سوريا لنصبت لنا المشانق في تونس».

وهو ما يعني أن تونس التي يعدها الجميع مثلا ونموذجا فريدا في محيطها العربي، لم تنجح لأنها اختارت الحوار والتوافق والديمقراطية، بل فقط لأن حاكما مستبدا لدولة عربية تبعد عنها آلاف الاميال، داس الحوار والديمقراطية في بلده بالجزمة، ومرغ أنف المطالبين بها في التراب، ولم يختر السير في الطريق الذي اختارته.

لكن من كان سينزعج حقا في تونس من نجاح الثورة في سوريا؟ وهل كانت ستنصب المشانق حينها؟ أم ستقام على العكس الاحتفالات؟ وما العلاقة بين السقوط المزعوم لسوريا، أو بالأحرى لرئيسها والمشانق والفوضى في تونس؟ لقد شرح عضو في المكتب التنفيذي لاتحاد العمال ما لم يفصله صاحب التصريح، وأخبر التونسيين في حديث لإحدى المحطات الإذاعية المحلية بأن «بشار والسوريين ليس لهم حقد على تونس، ورغم ما وقع من القلة ومن بعض الساسة، فإن السوريين ما يزالون يرحبون بالتونسيين» قبل أن يضيف أنه «على التونسيين الاعتذار للشعب السوري عن الفظاعات التي ارتكبت في حقه من طرف ما يقرب من أربعة آلاف ارهابي تم تسفيرهم من تونس، فضلا عن القرار المتسرع بقطع العلاقات مع سوريا».

وربما منعه بعض الحياء من أن يقول إن الفضل في حصول تونس قبل عامين على جائزة نوبل للسلام هو بقاء الأسد متربعا على عرش السلطة في بلده، وأنه لو حصل له مكروه أو غادر منصبه لأي سبب من الأسباب، فلن يبقى هناك سند أو نصير غيره لتونس.

ومن المؤكد أنكم سمعتم عن وقوف ديمقراطيات عريقة مثل فرنسا في صف الاستبداد، وكيف ساندت بقوة ولآخر لحظة نظام بن علي ولكنها المرة الأولى التي تسمعون فيها الآن شخصا أو جهة تقول إن الفضل في بقاء ديمقراطية وليدة في تونس، هو وجود نظام قمعي وتسلطي في سوريا.

إن الأمر أشبه بالأحجية الصعبة فمن يصدق أن نجاح التجارب الديمقراطية في سوريا وحتى ليبيا ومصر كان يمكن أن يعود بالشر والوبال على تونس؟ ألم يكن مثل ذلك النجاح سيزيدها على العكس قوة وصلابة، وسيفتح في وجوه آلاف من شبابها العاطل واليائس أبواب الحياة، بدل أبواب الموت التي أشرعت دفعة واحدة في وجهه؟ ثم ألم يكن وجود ديمقراطيات عربية أخرى مفيدا استراتيجيا وماليا واقتصاديا للتونسيين، وحفاظ المستبدين العرب على عروشهم علامة شؤم وتهديد مستمر لهم ولثورتهم؟ لا شك أن من يناصر المستبدين لن يعدم مبررا للتقرب منهم كالحرب على الارهاب، أو الحفاظ على الدولة، أو حتى معاداة الهيمنة والإمبريالية.

وربما لو عرف وزير الخارجية التونسي حين تساءل آواخر الشهر الماضي في حديث لصحيفة «لابراس»، «لماذا نذهب نحن التونسيون إلى السوريين لتقديم طلب في تعيين سفير تونسي هناك، رغم أن الحكومة السورية لم تطلب ذلك»؟ إن سبب كل تلك اللهفة على عودة العلاقات مع بشار هو أن هناك تونسيين يعتقدون أن بقاءه في منصبه الخالد هو شرط أساسي لبقاء تونس الناجحة والمستقرة.