الخميس 2016/05/26

تفجيرات طرطوس وجبلة… إلا الشماتة أعيت من يداويها!

قد يكون ما يأتي من تحليل صادماً لمشاعر كثير من أنصار الثورة السورية والمتعاطفين معها، فبعد نحو خمس سنوات أو يزيد من القتل والتدمير الممنهج لبعض المناطق غير المحسوبة على ما يسمى بالحاضنة الشعبية لنظام الاسد، واستهداف المدنيين ليل نهار، تهز التفجيرات مدن الساحل السوري، خاصة طرطوس وجبلة.

مصطلح الحاضنة الشعبية، وهو مصطلح يحتاج إلى تدقيق وتمحيص في ظل بقاء الآلاف من المدنيين في مناطق سيطرة النظام من دون أن يكون لديهم القدرة على مغادرتها، لا يبرر التشفي أو الشماتة بأي تفجير أو زهق أرواح أي اناس، حتى ولو كانوا مخالفين لك في الرأي والأيديولوجيا، ولعل الآية الكريمة: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا» أقوى دليل في هذا السياق في مواجهة بعض الرؤوس الحامية من المتأسلمين.

علينا أن نتفق بداية أن سلسلة التفجيرات التي ضربت المدينتين من الدقة والشمول بمكان أنها تذكرنا بتفجيرات بغداد، بعد احتلال العراق من قبل الأمريكان عام 2003، وأن حجمها وشمولها لا يمكن أن يكون بالبساطة التي يمكن أن يقوم بها تنظيم واحد مهما امتلك من تجهيزات وخبرات من دون دعم لوجستي أو تسهيلات كبيرة مقدمة من جهات أخرى. وبالعودة إلى سلسلة التفجيرات التي هزت مدينتي طرطوس وجبلة، وهي تفجيرات بصرف النظر عن المستهدف فيها، يجب أن تدان من الجميع، لأنها تستهدف الوطن في النهاية، ومن يعتز بالانتماء لوطنه يؤلمه مشاهد القتل والدمار، ولا يلتفت إلى هوية أو جنس المستهدف أياً كان، فالمنتمي إلى وطن.. يهزه أي ألم يصيبه.

ثاني الملاحظات التي يمكن تسجيلها على التفجيرات، ترديد ما قيل إنها «معقل العلويين» في سورية، ومن يعرف تاريخ المدينتين (لمن هو مهتم بالتصنيف والتقسيم) يدرك أنهما مدينتان يغلب على سكانهما الأصليين الطابع الإسلامي السني، ومن منا ليس له أصدقاء من المدينتين وخبر أهلهما وطيبتهما؟ فالقول إن الاستهداف مبرر لأنها من معاقل النظام أو العلويين فيه سلخ للمدينتين عن تاريخهما وانتمائهما الحقيقي وتسليمهما إلى أحضان النظام وأزلامه بالمجان، هذا إن صح أنه يمثل طائفته التي لطالما تبرأت منه ومن أفعاله، اللهم إلا المنتفعين منهم والمرتبطين بمافيا الأسد!

ثالث الملاحظات ما قيل عن تبني «تنظيم الدولة» أو «داعش» للتفجيرات التي أوقعت ما يزيد عن 120 قتيلا ومئات الجرحى، ومن يدقق في البيان، الذي خرج ولم تتبنه وكالة أعماق التابعة لـ«داعش»، يدرك أن مصطلح «العلويين» غير موجود في قاموس التنظيم، وأنه يشير إليهم بالمرتدين والنصيريين، فكيف يتبنى التنظيم على الفور (كما جرت العادة) مثل هذه التفجيرات المنفذة بمنتهى الدقة، ثم يعجز عن كتابة بيان التبني لها!

رابع الملاحظات أن العمليات الانتقامية التي انطلقت بمجرد الإعلان عن التفجيرات والارتفاع المتسارع في أرقام القتلى والجرحى، تؤكد أن المستفيد منها والدافع من ورائها هو شن موجة جديدة من التهجير لكل من نزح إلى مدن الساحل السوري من مدن الداخل، سواء كانوا من موالين للنظام أو حتى من الرماديين الذين لا يزالون يمثلون شريحة مهمة في المجتمع السوري. وتحريك ملف النازحين في ظل الانقسام الدولي حول استقبالهم وسبله، يظل الملف الأسهل بالنسبة لنظام الأسد في مواجهة المجتمع الدولي كما يعلم الجميع.

كل المؤشرات والدلائل دوماً تبحث عن المستفيد من مثل هذه التفجيرات المهولة، ولطالما كانت الأنظمة القمعية في كل دول العالم المستفيد الأكبر منها، في خدمة هاجسها الأمني أو حروبها الدونكيشوتية في مواجهة الإرهاب، كما تزعم، فكيف بنظام الأسد الذي يبرع في تمثيل دور الضحية من هجمات الإرهاب لتبرير هيمنته الأمنية على سورية قبل الثورة، ثم لإدانة الثورة وانصارها وتحويلهم إلى مجرد مرتزقة وإرهابيين في نظر العالم وتخويف المجتمع الدولي من نتائج إزاحته عن حكم سورية؟

خلاصة القول إن على السوريين أن يتضامنوا في وجه عدوهم الحقيقي والمحيق بهم، الذي لا يبالي بالتضحية باقرب الناس إليه للبقاء على سدة الحكم، أما الشماتة والفرح باستهداف مناطق تنتزع منها هويتها لإلصاقها بمشروع دويلة الأسد، بزعم أنها علوية أو غير ذلك من المصطلحات الدخيلة على ثقافة السوريين، فهو لا يخدم في النهاية سوى الأسد وحلفائه ومشروعه التفتيتي لسورية.

القول إن «داعش» يدافع عن مظلومية السنة في سورية وينتقم لهم باستهداف العلويين ومعاقلهم، هو أشبه ما يكون بتسليم ما تبقى من ثورة السوريين لمقاليد الإرهاب، الذي لطالما ناضل السوريون لنفي تهمته عنهم، منذ أول يوم خرجوا فيه للمطالبة بالحرية والكرامة، فهل ننجر إلى معادلة الأسد.. أو «داعش» للاختيار بين السيئ والأسوأ لمجرد التشفي والنكاية، وجميع السوريين يعلم ما بين الأسد و»داعش» من اتصال وتواصل؟

هي لحظات قليلة تلك التي تهدأ فيها النفوس وتعود العقول إلى رشدها، لترى الأمور في ميزان الواقع والحق، فتش عن المستفيد من هذه التفجيرات… تدرك من قام بها، أما لغة التشفي والشماتة والنكاية، فهي لغة لن تجر سورية وأهلها إلا إلى القاع الذي يريد الأسد وحلفاؤه!