الأربعاء 2018/05/09

يا من قبلتم بالهوان عقوداً: سقطرى ليست “أبو موسى وطنب الصغرى والكبرى”

في العام 1971 احتلت إيران ثلاث جزر إماراتية في بحر الخليج العربي كانت تحتلها بريطانيا، وهي جزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى إضافة لجزيرة أبو موسى التي تم احتلالها من خلال مذكرة تفاهم مبرمةٍ بين حاكم الشارقة والحكومة الإيرانية تحت إشراف الحكومة البريطانية، والجدير ذكره أن تلك الجزر الثلاث التي هَجّرتْ منها إيران أهلها تحمل أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة تزخر بالثروات الطبيعية على الرغم من صغر تلك الجزر، كما تمتلك موقعاً حيوياً تشرف من خلاله على مضيق هرمز.

ومنذ العام واحد وسبعين وحتى اليوم أي بعد نحو 47 عاماً ، لم يكن هناك أي تحرك إماراتي جاد لانتزاع الجزر من السيطرة الإيرانية سوى دعوات متقطعة ما بين الفينة والأخرى إلى مغادرة إيران للجزر تنظر إليها طهران كما ينظر القط إلى تهديدات الفأر، بحكم منطق القوة التي تعدّها طهران عاملاً أسهَم في ردع الإمارات عن القيام بعمل عسكري يعيد لها جزرها.

اليوم تتبع الإمارات الأسلوب نفسه الذي تعاملت به إيران معها في قضية الجزر لكن ضد دولة اليمن الضعيفة التي تعيش في الوقت الحالي تدهوراً اقتصادياً وعسكرياً وإنسانياً حَسبت الإمارات أنه لن يمكن اليمنيين من الرد على عنجهيتها ومنطق الاستقواء الذي تعاملت به حكومة أبو ظبي ضدهم في جزيرة سقطرى صاحبة الموقع الاستراتيجي الذي لا يقل أهمية عن موقع الجزر الثلاث الإماراتية، فكان اليمنيون على الرغم من وضعهم الكارثي في هذا الوقت شوكة في حلق الإمارات التي ظنت أن الحال لمسؤولي اليمن سيكون مثل حال حكامها الذين لم تحركهم نحو 5 عقود لطرد الإيرانيين من الجزر الثلاث.

كشفت أزمة سقطرى مزيداً من الأطماع الإماراتية في الأراضي اليمنية التي تدخلت فيها إلى جانب السعودية ودول أخرى تحت مسمى التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، فأبو ظبي التي تتوغل في المناطق الساحلية جنوب البلاد وتركّزُ جهدها لقتال تنظيم القاعدة في حضرموت؛ هذه المنطقة الغنية بالنفط شرق اليمن لا يبدو أنها توقفت عند هذا الحد، لتعبُرَ بقواتٍ عسكرية عبر طائرات إلى منطقةٍ وسط البحر لا يوجد فيها أي عنصر لمليشيات الحوثيين الذين كانوا ذريعة للأطماع الإماراتية في البلاد، وهذا ما أثار حفيظة اليمنيين الذين واصلوا تظاهراتهم منددين بما اعتبروه احتلالاً إماراتياً.

وبينما لا يختلف يمنيان على عدم شرعنة الخطوة الإماراتية المستفزة التي تزامنت مع وصول رئيس الوزراء اليمني إلى الجزيرة، لا يبدو أن خطوة الإمارات هذه ستمثّل دعماً لأي يمنيٍّ سوى لمليشيات الحوثي التي تعول على مثل تلك الممارسات، وبالتالي فإنها تصب في مشروع التوسع الإيراني في وقت يشهد حراكاً سعودياً لمحاولة تحجيم نفوذ طهران أدى إلى شراء الرياض أسلحة بقيمة مليارات الدولارات من عدة دول غربية، وهذا ما يدلل على وجود تضاد في مصالح أبرز حليفين في التحالف. بين السعودية التي تحاول إبعاد الحوثيين عن حدودها وصواريخهم الباليستية عن أراضيها وعجزها عن الوصول إلى هذا الهدف منذ نحو 3 سنوات، وبين الإمارات التي لم يعدْ خافياً محاولتها تجزئة اليمن وتهيئة ظروف انقسامية بين مكوّنات اليمنيين فيما يصب في مشروعها التوسعي الذي يقول الكثير من اليمنيين إنه لا يختلف كثيراً عن المشروع الإيراني.

السعودية التي تدرك خطورة الموقف بدت في الأزمة محاولة التهدئة بين الطرفين والتوسط بحيث لا تتسع الفجوة بين هادي وأبو ظبي لما لها من أضرار كبيرة على الصعيد الميداني، فأوفدت لجنة إلى الجزيرة اجتمعت مع المسؤولين اليمنيين هناك يوم الجمعة الماضية لكنها خرجت دون أن تعطي سوى وعود بالضغط لإنهاء الأزمة في الجزيرة التي يطالب فيها اليمنيون بضرورة عودة الوضع فيها إلى ما كان قبل هجوم القوات الإماراتية التي استولت على المرافق السيادية في الجزيرة وطردت الموظفين اليمنيين.

ومع احتدام الموقف وتصعيد التصريحات بين المسؤولين اليمنيين والإماراتيين وسط عجز سعودي عن إنهاء الاحتلال الإماراتي في الجزيرة ثمة مؤشرات قادمة لا محالة أولها اهتزاز تماسك التحالف العربي الذي يترنح أصلاً، ولاسيما مع وجود أنباء عن نية السودان سحب قواتها وهذا ما قد يؤدي إلى خروج الخلافات بين السعودية والإمارات إلى العلن وحدوث شرخ بين الطرفين اللذين كانا أبرز دولتين دبرتا مشاريع الثورات المضادة، وتبقى إيران التي تتابع ما يجري في جزيرة سقطرى وغيرها من المناطق التي تمارس فيها الإمارات نفس أسلوبها هي المستفيد الأول.. لكنْ في كل الأحوال فإن ما حصل في سقطرى سيكون وصمة عار على حكام الإمارات ليس من ناحية انتفاض اليمنيين ضد الاحتلال فحسب، بل إنه أعطى درساً للإماراتيين مفاده: إن قبلتم بالذل والهوان على احتلال إيران جزركم منذ عقود فإننا لن نقبل باحتلالكم لجزيرتنا وأرضنا رغم ما نمر به من فاقة جعلتموها ذريعة ركبتم بها على ظهورنا، ومن غير المستعبد بعد أزمة الجزيرة أن تنتفض المدن اليمنية الأخرى في الجنوب ضد الهيمنة الإماراتية.