الخميس 2017/06/08

هل يورط ترامب السعودية بعمل عسكري ضد قطر؟

تتسارع الأحداث في منطقة الخليج بشكل يجعل المتابع يوقن أن ما يجري ليس ردَّ فعل سريعاً، إنما هو مخطَّط يُرسم منذ حين، وَجدت السعودية والإمارات الظرف سانحاً لتطبيقه، والقضاء بشكل غيرِ محسوب العواقب على ما تبقى من آثار الكيان المعروف باسم "مجلس التعاون الخليجي".

لا شك أن الخلافات بين قطر والسعودية ليست بالجديدة، أمام إشكالات الحدود التقليدية بين الدولتين، إضافة إلى الطموح الذي تعيشه الدوحة لِلعب دور أكبرَ من جغرافيتها في المنطقة، وأمام حالة الهيمنة التي تفرضها الرياض على بقية دول الخليج من جهة أخرى، لكن الخلافاتِ لم تصل يوماً من الأيام إلى الحد الذي وصلت إليه حالياً من قطع الحدود البرية والبحرية والجوية.

خبراء القانون الدولي قرؤوا في الإجراءات السعودية الإماراتية البحرينية إعلان حرب صريحاً، يخشى مراقبون من تصاعد إجراءاته، في ظل عدم انصياع الدوحة للشروط "المجحفة" التي وضعتها الرياض وأبو ظبي، كشرط لعودة العلاقات على ما كانت عليه قبل القطيعة.

وبات من نافلة القول أن زيارة ترامب الأخيرة للرياض رتّبت فيما يبدو أصول الحملة الخليجية ضد قطر، ويبدو كذلك - في قراءة ما - أن المبلغ الذي حصل عليه ترامب لا يتعلق بإجراءات حماية ضد إيران، بل إنه ثمن سكوت واشنطن ورضاها عن إجراءات كان "آل سعود وآل نهيان" يخطِّطان لها تحت جنح الظلام، ووجدا في سياسة إدارة ترامب "الهوجاء" ما يماشيها، إذ يصعب أن تتخذ ثلاث دول خليجية هذه الخطوة التصعيديّة قبل ضوء أخضر أميركي يُخشى أن يتوسع ليشمل أبعاداً أخرى.

ما يجري اليوم في الخليج يعيد إلى الأذهان شيئاً من المشهد الذي جرى عام 1990 ، حين غزا الرئيس العراقي صدام حسين الكويت، وقامت حينها حرب الخليج الثانية "عاصفة الصحراء"، التي أجبرت بغداد على الانسحاب وسط ضغط عربي ودولي، وفرض عقوبات على العراق، بالإضافة إلى خسائر فادحة وتدمير البنية التحتية العراقية والكويتية، وكان اللافت في تلك الحرب أن صدام حسين وقتها لم يقم بما قام بها إلا بعد "ضوء أخضر أميركي" جعل جورج بوش الأب يشير لصدام بإمكانية القيام بالغزو، وما حصل بعد ذلك أن الولايات المتحدة أوقعت النظام العراقي بالفخ، وحصلت على ما تريد من الدولة الغازية والدولة المغزوّة معاً.

هذا السيناريو الشيطاني يقول مراقبون ومحللون إن ترامب يحاول إعادة تمثيله مرة أخرى في الخليج مع اختلافٍ نوعي في الظروف والمعطيات الإقليمية والدولية .. بينما يستبعد فريق آخر هذا السيناريو تماماً، ونستعرض فيما يلي حجج الفريقين:

إمكانية توريط ترامب للسعودية في حرب ضد قطر:

يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الظروف الحالية مهيأة للسعودية أكثر من أي وقت مضى للانقضاض على غريمتها في زعامة الخليج، والإقدام على خطوة عسكرية تخلط أوراق المنطقة المختلطة أصلاً، وتعيد ترتيب البيت الخليجي بما يتناسب والمتغيراتِ الإقليمية والدولية، دون أن تدرك الأسرة السعودية أن ما تقوم به سيسرع زوالها من حيث لا تعلم.

ويضع أصحاب هذا الفريق مجموعة من المعطيات التي تدعم رأيهم :

1- حملت قطر على عاتقها دعم حركات التحرر العربية التي توَّجتها موجة الربيع العربي، تلك الموجة التي هدَّدت بشكل مباشر مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ما جعل واشنطن توعز إلى حكام الإمارات بقيادة موجة باتت تعرف باسم "الثورة المضادة" بهدف إعادة دول الربيع العربي إلى حكم العسكر أو الحرس القديم لرؤساءَ خلعتهم الشعوب ( مصر وتونس نموذجاً) ، وعرقلة حصول التغيير في دول أخرى ( سوريا واليمن نموذجاً)، وبعد أن وجدت واشنطن أن مسعى "الثورات المضادة" لا يحقق مآربه كما ينبغي، أعطت الإذن لوكلائها ( آل سعود وآل نهيان) ببدء الحملة والمقاطعة ضد قطر.

2- لا يمكن للأسلحة التي وقعت السعودية عقودها مع واشنطن أن تصدأ في مخازنها، بل لا بد من استنزاف اقتصاد المملكة المريضة بحرب تفتح شهيتها على شراء المزيد، وباعتبار أن هذه الحرب لا يمكن في أية حال أن تكون ضد "إسرائيل"، ويستعبد كذلك أن تكون ضد إيران ووكلائها في المنطقة، لم يبق إلا أن تكون موجهة ضد قطر، مع استبعاد أن تكون موجهة ضد الحوثيين في اليمن لأسباب يطول ذكرها الآن.

3- ردّة الفعل الأولية لترامب بعد يوم من مقاطعة قطر فضحت ما كان مبيّتاً، إذ قال إن قادة الخليج أشاروا إلى قطر عند الحديث عن تمويل الإرهاب والتطرف، ما فهم أنه وقوف صريح لترامب ضد الدوحة، ثم مالبث البيت الأبيض أن استدرك هذه "الهفوة الترامبية" بحديثه عن نية التوسط لحل الأزمة، وامتداحه دور قطر في مكافحة الإرهاب.

استبعاد قيام السعودية بعمل عسكري ضد قطر:

أصحاب هذا الفريق يأخذون في الحسبان صحة المعطيات السابقة ولا يدحضونها، بل يقولون إن الظروف والمعطيات تختلف بين 1990 و 2017، وإن قطر ليست العراق، وحكام الدوحة لسوا كصدام حسين، وفقاً لما يأتي:

1- لا يوجد إجماع خليجي أو عربي أو إقليمي أو حتى دولي ضد قطر كما كان الأمر ضد صدام حسين، بل إن السمة العامة للأزمة الحالية هي أن أصدقاء قطر أكثر عدداً ووزناً ممن يناصبونها العداء.

2- لا يمكن الحديث عن عمل عسكري ضد قطر في ظل وجود قاعدة العديد العسكرية، التي جعلت البنتاغون ممنوناً للدوحة على وجودها في بيئة آمنة لم تشهد أية مشاكل منذ إنشائها، فلا مصلحة لواشنطن في البحث عن مكان جديد لقيادة عملياتها الوسطى، بعد نقل قاعدتها من السعودية عام 2003 .

3- قطر تملك حليفاً قوياً وازناً قادراً على أن يغير الحسابات عند تعرض حليفه للخطر، وهو تركيا، التي اتخذت قراراً بالفعل بإرسال 5000 جندي إلى قاعدتها العسكرية في قطر، وهذا ما يجعل فكرة العمل العسكري ضد الدوحة أشبه بشرارة لحرب إقليمية ..أو حتى عالمية.

4-الوضع الاقتصادي لقطر يجعل من يفكر في غزوها يعيد حساباته ويفكر ملياً، فصدام حسين في 1990 كان للتو خرج من حربه مع إيران، جيش منهك واقتصاد شبه منهار، وهذا ما لا ينطبق نهائياً على الوضع القطري.

نتيجة:

يمكن إضافة حجج أخرى إلى آراء الفريقين، ومهما يكن من أمر فإن الثابت أن السعودية لو تورطت في أي عمل عسكري ضد قطر فإن الثمن بالنسبة إليها لن يكون اقتصادياً وحسب، بل إن الطرف الذي ربما يورطها، هو الطرف الذي سينقضّ عليها ويردعها عن قطر، وينهي حكم آل سعود هناك إلى الأبد، وهذا ما حصل عندما ورطت أمريكا صدام حسين في الكويت وطرته منها مع ثمن باهظ لا يزال العراق يدفع ثمنه إلى اليوم.