الأحد 2016/05/29

هل وقعت السعودية في الفخ الإيراني؟

مع انقضاء أكثر من خمسة أعوام من عمر الثورة السورية، تفسّخت كلُّ الوعود ممن أسموا أنفسهم مجموعة أصدقاء سوريا لمساندة الشعب في إسقاط الأسد وحتى يدهم باتت مغلولة، وكثيرٌ من مواقفهم لا سيّما الأمريكية لا تكادُ تذكرُ مصيرَ الأسد بقدر ما تركّز على وجوب اجتثاث تنظيم الدولة تحت ذريعةِ الإرهاب أولاً.

إلا أن الثبات والتماسك في الموقف السعودي، لا يزال كما هو تجاه أهم مطلبٍ في الثورة بشأن رحيل بشار، وهو ما يظلّ يردّده عادل الجبير عبر عباراته المتنوّعة "على الأسد أن يختار إحدى الطريقتين لرحيله، إما من خلال العملية السياسية أو العمل العسكري" وكثيرًا ما أطلقها ويُطلقها في الاجتماعات والمؤتمرات التي تتعلّق أو حتى لا تتعلّق بالشأن السوري، عبارة وعلى الرّغم من وجهة نظر الكثيرين فقدت تأثيرها وحيويتها، إلا أنّها تعكس إصرار وتصميم السعودية على رفض وجود النظام الذي تَعتبرهُ يدَ إيران الطامحة في وصل امتداد نفوذها من العراق إلى سوريا، وأما لبنان فهي بيد القبضة الإيرانية كون حزب الله الإرهابي هو اليد الضاربة فيها والذي يستغلّ أيّ منصّة إعلامية ليهاجم السعودية، إضافة إلى التغوّل الحوثي في اليمن، لتكون بذلك طوَّقت الخليج واقتربت أكثر منه في سعي لتنفيذ مشروع الهلال الشيعي والتغيير الديمغرافي.

السعودية حمَلتْ على نفسِها مواجهة ذلك فشكّلت عاصفة الحزم في اليمن وقطعت الإمداد المالي عن لبنان، وفي سوريا قدّمت الكثير من السلاح والعتاد في سبيل إيقاف المليشيات الأجنبية الإيرانية التي أصبح دورها مكشوفاً ، وتجلّى ذلك مؤخرًا في مقتلة خان طومان بحلب، التي هلك فيها العشرات من العناصر الإيرانية وحتى من قوات المغاوير الخاصّة، الأمر الذي تراه السعودية في مصلحتها لدرجة أنّها وعدت بضخّ مزيد من الأسلحة الثقيلة للمعارضة، في سبيل إيقاف الوحش الإيراني الذي يريد التهام المنطقة، ولا يتوقف عن العبث والتدخّل في شؤون الدول العربية داخليًا، بما فيها المملكة التي فوجئت بعد إعدامها رجل الدين الشيعي نمر نمر بأعمال حرق وتخريب في سفارتها وقنصليتها بإيران، لتصل الأمور إلى القطيعة الدبلوماسيّة بين الطرفين.

في العراق

اليوم وفي معركة الفلوجة، أعلنت السعودية تأييدها طردَ تنظيم الدولة منها، ودعمت تلك العملية مؤكّدة أنَّ الجيش العراقي قادرٌ على ذلك، وقبل أيام من بدء المعركة نرى السفير السعودي في بغداد يقدّم التهاني للقوات العراقية في مسارح العمليات العسكرية، وواقع الحال يؤكد أنّ الجيش العراقي جثة هامدة، ومن يقود المعارك على الأرض هي مليشيات الحشد الشعبي ذات الولاء المطلق لإيران، ومليشيات أخرى شيعية تنادي بصرخات تعشّقت فيها رياح طائفية عمياء جهّزت سيوفها لضرب عنق المدينة السُّنية، ومما يثير الدهشة أيضًا تُجاه الموقف السعودي الداعمِ معركةَ الفلوجة قيامُ مليشيات الحشد بدك المدينة بصواريخ تحمل صور نمر نمر، في إشارة واضحة إلى نيتّها استباحة المدينة وسبيَها انتقامًا لإعدامه، ووجود قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني مشاركًا في اجتماعاتٍ للإشراف على خرائط المعركة مع قادةٍ من ميليشيات الحشد الشعبي دليلٌ قاطع على قيادة إيران للمعركة بشكل مباشر ومؤشر طائفي خطير جدا.

السعودية بلا شك تُعادي تنظيمَ الدولة وتخشى في الوقت نفسه التغول الإيراني، تجدُ نفسَها اليوم " كبالع الموس على الحدَّين" فالتنظيم لطالما هدد أركان العائلة الملكية ،ومتوعدًا بضربات قاسية، وإيران في نفس الوقت تخطّط لخنق الخليج والسعودية خاصة، عبر تجنيد عملاء في دول مجلس التعاون الخليجي، بهدف صنع فوضى خلاّقة وشحن المنطقة طائفيا.. لكنّ الكمّاشة الإيرانية أخطر بكثير من تنظيم الدولة، فالتنظيم الآن يواجه حربًا متعدّدة الجبهات أدّت إلى تقليص نفوذه وتحجيمه بشكل لافت، وبات في موقف دفاعيٍّ بحْتٍ على خلاف ما كان عليه سابقا من الهجوم، والمليشيات الإيرانية لا تُواجه عدوًا كالذي يواجهه التنظيم ولا بأقلّ النسب، فالتنظيم يواجه أعداءً لا حصر لهم ولا تزال مناطق نفوذه في تآكل مستمر، ومن يقاتل الآن ضد تلك المليشيات هو تنظيم الدولة في العراق، والثوار في سوريا، ما يجعل الموقف السعودي أمام تيار معاكس تمامًا لمواجهة إيران، فهي بذلك وبصورةٍ غير مباشرة تفتحُ لها البابَ في العراق بينما تُحاوِلُ إغلاقَه في سوريا، وباتتْ ذريعةُ محاربة التنظيم في العراق شمّاعةً تحاول إيران من خلالها الإيقاع بالسعودية الراغبةِ استئصالَ الأسدِ طريقِ إيران إلى دول المنطقة.

المليشيات الإيرانية لديها سجلّ حافل في التنكيل بالسنة، ومشاهد المقدادية وتكريت وديالى وغيرها لم تعرفها بشرية قط لشدة بشاعتها وفظاعتها، إحراقٌ وتقطيع جثث وحتى شرب دماء جثامين نساء وأطفال لا علاقة لهم بالتنظيم سوى الاشتراك في نفس المذهب السني، ما يثيرُ تخوّفًا كبيرا على مصير 65 ألف مدني محاصر في الفلوجة، بمعركةٍ لا قيمة فيها للضوء الأخضر للولايات المتحدة أمام المواقف العربية الصامتة عن مشاركة الحشد الطائفي، وإغلاق حيدر العبادي أذنه أمام مطالبات أهل الأنبار بعدم إشراك مليشيا الحشد.

في أجواء المعركة تتعالى أصوات شعارات سنثأر من قتلة النمر، وسنستمر في طريق الحسين، والجميعُ يعلم ما يحمل أصحاب هؤلاء الشعارات في صدروهم من غل وحقد دفين، ومع تواصل الدعم ومواصلة خنق الفلوجة ربما ستسقط المدينة بيد إيران، وحينها ماذا ستفعل السعودية؟ هل ستُبارك لهؤلاء العناصر الذين يستميتون للانتقام وسفك الدماء دخولَهم الفلوجة، وبالتالي المساعدة في وصل اليد الإيرانية للاقتراب من الموصل ما يُسهل وصولها إلى ســـــوريا التي تضخ فيها السعودية دعمًا عسكريًا وسياسيًا أيضًا في سبيــل منع مشروع التغيير الديمغرافي واجتثاث السرطان الإيراني الذي يتغلغل في جسدها !!