السبت 2016/04/23

هل تضحّي موسكو بطهران مقابل صفقة جنيف؟

رغم ما يبدو من تحالف بين موسكو وطهران لدعم نظام الأسد في سورية، إلا أن العلاقة بين روسيا وإيران أضعف كثيراً مما يتخيل، والوضع الحالي في سورية يمثل صورةً غير حقيقية لطبيعة الوضع السياسي والاقتصادي والعسكري بين إيران وروسيا.

فكرة التحالف الروسي الإيراني ذات قيمة حقيقية بالنسبة لهما من حيث الظاهر، لأسباب عدة، منها أن كلتا الدولتين تهدفان بالأساس إلى إنهاء الهيمنة الأميركية من خلال بدء حرب باردة مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فضلاً عن انحياز الروس لصالح إيران في المفاوضات النووية، حيث تدعم روسيا برنامج طهران النووي من خلال مساعدتها في بناء المفاعلات لتحصل إيران على المزيد من الامتيازات، مثل رفع العقوبات خلال مفاوضات الاتفاق النووي. كما ترى روسيا في إيران الكثير من الفرص الاقتصادية، وبخاصةً بعد رفع العقوبات عنها.

الفترات التي تحسنت فيها العلاقات بين الولايات المتحدة من جهة، وبين روسيا وإيران من جهة أخرى، قد صحبها هدوء نسبي في العلاقة بين طهران وموسكو، فالهدف الأساسي لروسيا هو تحقيق توازن عالمي بينها وبين الولايات المتحدة، بما يضمن لها تحقيق مصالحها دوليّاً، ومع تحقق هذا الهدف، تختلف الاتجاهات الروسية بالتبعية، ما قد يجعل إيران أداة في يد روسيا لتحقيق هذا التوازن المنشود، وقد لا ترغب روسيا في التحالف معها بالأساس في حال وصلت إلى العلاقة المطلوبة مع الولايات المتحدة، وهو ما حدث سابقاً عام 1995، حيث تم توقيع اتفاق تعاون بين روسيا والولايات المتحدة، ومرت العلاقة الإيرانية - الروسية على إثره بفترة برود طويلة.

وعلى الرغم من قيام الدولتين بحملات عسكرية موسعة لصالح نظام الأسد، فإن كلاً منهما يملك نموذجاً مختلفاً لما يريده بالنسبة لسوريا، حيث تسعى روسيا من جانبها من خلال الحفاظ على نظام الأسد إلى الإبقاء على أحد عملائها الكبار في المنطقة، في حين ترغب إيران في أن تكون سوريا خاضعةً بالكامل لقبضة طهران، ما قد يعني ترجمة تلك الرغبات إلى أفعال مختلفة، فطريقة روسيا لتثبيت حكم الأسد ونظامه هي دعم مؤسسات النظام، وتسليح وتقوية قوات الجيش الموالية للنظام، فيما بشار الأسد نفسه قد لا يكون عنصراً أساسياً بالنسبة للروس، بل حتى إن سقوطه قد يحوّل سورية إلى وحدة لخدمة المصالح الروسية في الشرق الأوسط.

على النقيض، تسعى إيران من خلال تدخلها في سورية إلى استمرار بشار الأسد نفسه، وتقويض سلطة الدولة في الوقت ذاته، وزيادة اعتمادها على إيران. فرغبة إيران القوية في استمرار الأسد نفسه تنبع من قناعتها الكاملة بأن نفوذها الحالي في سوريا مرتبطٌ بوجوده، في الوقت الذي يدين فيه الأسد بالولاء التام لإيران بسبب الدعم الكامل الذي يحظى به عسكرياً واقتصادياً.

إرسال النظام الإيراني قوات عسكرية خاصة إلى سورية، للمرة الأولى منذ عام 1979، هدفه زيادة نفوذ طهران وتأثيرها في سورية، في ظلّ ما وصفته بالخلاف الواضح بين النظام السوري والقيادة الروسية حول كيفية إدارة محادثات جنيف.

وجدت إيران في هذا الخلاف فرصة مناسبة للتقرب أكثر من نظام الأسد، تنفيذاً لتعهدها بألا تسمح بأي مساومة حول مصير بشار الأسد في المحادثات، مصرّةً على عرضها بأن يتم إدخال وجوه معارِضة في حكومة وحدة وطنية بدل حلّ هيئة الحكم الانتقالية صاحبة الصلاحيات التنفيذية الكاملة التي نصّ عليها اتفاق جنيف 2012.

المسؤولون الإيرانيون قلقون من اتفاق محتمل بين الروس والأميركيين ينص على إطاحة الأسد قبل انتهاء ولايته في عام 2021، وهو ما جزم به علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى، علي خامنئي، الذي وضع مصير الأسد في خانة «الخط الأحمر الإيراني».

لا يهدد الخلاف بين إيران وروسيا حول سورية حتى الآن على الأقل التحالف القائم بينهما، فطهران هي من جاءت بالروس عسكرياً لمنع سقوط نظام الأسد ولموازنة النفوذ الأميركي، كما يرى الإيرانيون. بالنسبة للنظام في إيران، أي محاولة لإطاحة الأسد ستضرب النفوذ الإيراني في سورية، وسنقاوم ذلك مهما كان الثمن، ما يفسر التغيير الاستراتيجي للسياسة الإيرانية التي كانت قائمة، منذ عام 1979، على إدارة المعارك المعنية بها في منطقة الشرق الأوسط بالوكالة من خلال الحرس الثوري والميليشيات المحلية التابعة له سواء كانت في العراق أو سورية أو لبنان، فهل تتحول إيران إلى عقدة الحل السياسي في سورية بسبب مواقفها وطموحها السياسي، وهل تصطدم برغبة أميركية - روسية مشتركة لإيجاد حل تخرج فيه إيران الخاسر الأكبر والوحيد؟!