الجمعة 2019/05/24

هل تحول الجنوب السوري إلى “كابوس مقلق” لنظام الأسد؟

لا تغير ملموساً حتى الآن في انتهاج الأسد سياسةَ القمع والاعتقالات والتصفية ضد كل من يعارضه، رغم مرور 8 سنوات من عمر الثورة السورية، والتي امتدت وصمدت بسبب انتهاج الأسد العقلية الاستبدادية ضد المتظاهرين الحالمين بالتغيير والحرية.

اعتقد بعض "المتفائلين" بإمكانية تغيير عقلية النظام، أن الأخير سيلين في المناطق التي سيطر عليها بعد أن كانت خارجة عن سيطرته لسنوات طويلة، بدءا من ريف دمشق وصولا إلى درعا وحمص وغيرها من المناطق، وذلك من منطلق أن نظام الأسد بحاجة الآن إلى "الصفح والتسامح" من أجل كسب الحاضنة الشعبية في تلك المناطق التي كانت من قبل ثائرة عليه، وحاول أبناؤها إسقاطه سلماً وحرباً، لكن ذلك ما استبعده الكثير ممن عايش ويعلم حجم الحقد الذي يكنه نظام الأسد لكل من ينتقد سوء الوضع المعيشي أو الخدمي، فكيف بمن حارب وقاتل وسعى بكل ما أوتي من قوة إلى إسقاط الأسد !

يندرج ما ذُكر آنفاً على الجنوب السوري الذي سيطرت عليه قوات الأسد والمليشيات الإيرانية في تموز 2018 ، بعد اتفاق "تسوية" أشرف عليه وتولى تنفيذه الاحتلال الروسي، ويعاني أصحاب "التسويات" خاصة القياديين منهم من حملة شبه يومية لقوات الأسد تهدف لاعتقالهم، فضلا عن تصفية آخرين.

خلال الأسبوع الماضي بلغ التوتر ذروته بين فصائل "التسوية" ونظام الأسد في عدة مناطق بريف درعا، كان أكثرها حدة في مدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حيث اندلع التصعيد بعد محاولة قوات الأسد اعتقال قيادي سابق بالجيش الحر يدعى "خالد زهرة"، لكن نظام الأسد فشل في اعتقاله واعتقل بدلاً منه شقيقه وشخصاً آخر من المدينة بعد اشتباك أوقع قتلى من قوات الأسد بينهم ضابط، ما دفع النظام إلى فرض حصار خانق على المدينة مطالباً بتسليم قتلة عناصره، وهذا ما رفضه الأهالي الذين تواصلوا مع وفد روسي لفك الحصار وتهدئة الوضع، لكن لم يتم الاتفاق حتى الآن مع إصرار النظام على تسليم مطلوبين وإصرار فصائل "التسوية" على الإفراج عمن تم اعتقاله.

الوضع في غرب درعا لا يختلف كثيراً عن شمالها، إذ تشهد بلدة جلين شبه انقلاب على قوات الأسد، بعد أن سيطرت فصائل "التسوية" على عدد من المفارز التابعة لنظام الأسد، واندلع التوتر في البلدة بعد اعتقال قوات الأسد القيادي السابق في الجيش الحر "هيسم حرير".

وتقول مصادر من داخل جلين إن الأهالي طالبوا الأسد بإطلاق سراح "حرير" لكن النظام لم يعترف باعتقاله أو وجوده في سجونه، وسط توتر شعبي متصاعد ضد مواصلة النظام انتهاك اتفاق "التسوية"، ورفض فصائل "التسوية" إطلاق سراح عدد ممن تم احتجازهم من قوات الأسد رداً على اعتقال "حرير"، بل وتهديدهم باعتقال المزيد من رجالات النظام في البلدة.

يشير كل ذلك إلى إمكانية تفجر الوضع ضد نظام الأسد في الجنوب السوري، خاصة مع الاحتقان المتزايد في العديد من البلدات ضد مليشيات الأسد التي عاثت فساداً وتحاول الانتقام من كل من خرج سابقاً بالمظاهرات، الأمر الذي جعل موقعي اتفاق "التسوية" في حذر دائم وترقب واستعداد لأي انقلاب محتمل من قبل نظام الأسد، ومما يزيد من توجس قادة وعناصر "المصالحات" أن نظام الأسد عمل من خلال أذرعه إلى تصفية العديد من قادة الاتفاق رغم أنهم سهلوا سيطرته على الجنوب السوري، وذلك يعود ربما إلى محاولته قص أجنحة جميع القادة الذين لهم كلمة في المنطقة، إضافة للحقد السابق عليهم لحملهم السلاح ضده في وقت سابق.

ومما يزيد من علامات التخوين المتبادل بين النظام وفصائل "المصالحات" الهجمات المسلحة التي يشنها مسلحون مجهولون ضد حواجز الطرفين، فبمجرد تعرض حاجز لقوات الأسد لهجوم تتجه أنظارهم إلى عناصر "التسوية"، وكذلك بمجرد تعرض عناصر أو قادة "التسوية" لهجوم او اغتيالات تتجه أنظارهم كذلك إلى مخابرات الأسد وأذرعها.

ومن الواضح أن هناك عمليات هجومية من قبل الطرفين ضد بعضهما البعض، لكن في ذات الوقت لا يجب إغفال حقيقة أن هناك العديد من أبناء حوران هم من يقومون بتلك العمليات لرفضهم اتفاقَ "التسوية"، وكذلك لمعارضتهم وجود مليشيات الأسد في مناطقهم بعد أن عاشوا لمدد تزيد عن 5 سنوات أحراراً.

اللافت أن روسيا لم تعط نظام الأسد الضوء الأخضر في استباحة الجنوب السوري على طريقته المفضلة في القتل والتنكيل والبطش بيد من حديد، ما يشير إلى أنها تخشى من احتمال اندلاع ثورة جديدة في منطقة حوران التي تمتاز بطبيعة أهلها العشائرية، وهذا ما فاقم المشكلة بالنسبة لنظام الأسد وجعله في موقف ضعيف إلى حد ما في الجنوب السوري، ومع استمرار انتهاكات قوات الأسد من الممكن أن يمتد الغضب الشعبي ضد النظام من الصنمين إلى جلين إلى مناطق أخرى أدرك أبناؤها كذبة "تسامح وعفو" النظام الذي زج بمقاتلي "التسويات" في الخطوط الأمامية في معارك ريف حماة، ومَنْ لم يزجه في المحرقة يحاول اعتقاله أو تصفيته بدم بارد، ومثل هذا حدث كثيراً.