الأربعاء 2016/03/02

هل تحسم تركيا ترددها وتتدخل عسكرياً في سوريا ؟

فرضت تطورات جبهة ريف حلب الشمالي التي تهدف إلى خنق المعارضة وفصلها عن التواصل الجغرافي والسياسي واللوجستي مع تركيا، من جهة، والمشروع السياسي الكردي في شمال سورية، والذي يهدد على المدى البعيد تركيا بسيناريوهات التقسيم أو الحكم الذاتي لأكرادها، من جهة أخرى، تغييراً جوهرياً على الموقف التركي الموصوف بالتردد في الملف السوري.

فبعد أن اكتفت أنقرة بالدعم العسكري والسياسي لفصائل المعارضة السورية خلال سنوات الثورة السورية، تجد تركيا نفسها في خضم النار السورية لا سيما بعد تفجيرات اسطنبول وأنقرة الأخيرة، واتهام تركيا لقوات الحماية الكردية بالمشاركة مع حزب العمال الكردستاني بالوقوف خلف وراء التفجير الذي أودى بحياة 28 شخصًا، وتحذيرها من عمليات مشابهة وشيكة.

لم تعد الأزمة السورية بالنسبة لتركيا مشكلة دولة جارة بقدر ما أضحت شأنًا داخليًا تركيًا، والتطورات الأخيرة تطرح مسألة التدخل العسكري التركي في سورية كخيار مفروض على أنقرة. ثمة عدة عوامل تشجع أنقرة على اتخاذ قرار بالتدخل العسكري بصرف النظر عن شكله ومداه، فالأزمة السورية أصبحت مرتبطة بشكل مباشر بأمنها القومي، والتقدم المضطرد للمشروع الكردي السياسي على الحدود الجنوبية يتداخل مع الوضع التركي الداخلي بعد تفجير أنقرة، كما أن تعقيدات الوضع الميداني السوري يوحي بهزيمة محتملة أو تراجع كبير للمعارضة، وانعكاسات ذلك على تركيا، قد يدفعها للتدخل بهدف محاولة تعديل الكفة، لا سيما أن تركيا تتوقع أن ينعكس ذلك موجات مستقبلية كبيرة من اللجوء نحو حدودها في حال فتحت جبهة حلب على مصراعيها.

يعزز من اندفاع أنقرة نحو الخيار العسكري استمرار سريان تفويض البرلمان التركي للحكومة والجيش بعمليات عسكرية خارج الحدود، وتوفر تأييد داخلي لتدخل مفترض للحكومة في سورية، خصوصًا فيما يتعلق بمواجهة الفصائل الكردية المسلحة وحماية التركمان، وغياب أي خلافات أو تناقضات في السلطة التنفيذية بوجود حكومة متجانسة من حزب واحد ومتفقة في الرأي مع الرئيس، كما يغري التفوق العسكري التركي على كل من النظام وتنظيم الدولة وقوات حماية الشعب هذا الخيار خصوصًا إذا ما كان تدخلاً محدوداً، وبصرف النظر عن دعم الغرب، ولا سيما حلف الناتو الملزم بحسب قوانينه بمساندة تركيا حال تعرضها لأي هجوم، فإن واشنطن التي انكفأ دورها في سورية لصالح موسكو، ترى في التدخل التركي خطة بديلة عن ابتزاز روسيا لها في هذا الملف، فهي تدعم من الخلف، كما جرت عادة واشنطن في عهد الرئيس أوباما، تدخلاً تركياً محدوداً للوقوف في وجه النفوذ الروسي في سورية من جهة، وإرضاء الحلفاء العرب والإقليميين كالسعودية وقطر، من جهة أخرى.

ما يحفز تركيا على الإقدام على هذه الخطوة التي قد تكون كرهان الروليت الروسي، أن نتائج ومخرجات الانتظار والترقب قد تكون كارثية بالنسبة لها، مما قد يدفعها للمبادرة قبل أن يفقد أي تدخل مستقبلي معناه والفائدة المرجوة منه.

قد يكون تفوق روسيا عسكريًا وسيطرتها التامة على الأجواء السورية، أحد المعيقات التي تجعل تركيا مترددة لتجنب المواجهة العسكرية المباشرة والمنفردة معها، فضلاً عن الخوف من خذلان حلف الناتو، وتشظي فصائل المعارضة المسلحة في سورية، ووجود معارضة داخل الجيش في تركيا لأي تورط في سورية. لكن التدخل التركي العسكري في سورية (فيما لو حصل) سوف يندرج ضمن بنود المحافظة على الأمن القومي التركي، لا لحسابات متعلقة بسورية سياسياً أو عسكرياً، وهو ما قد يمنح أنقرة توحداً في الصف الداخلي من جهة، ومبرراً معقولاً أمام المجتمع الدولي من جهة أخرى.

يدرك صانع القرار التركي أن التدخل العسكري في سورية سيكون توريطًا له بشكل أو بآخر، ولذلك فالمهم بالنسبة له شكل التدخل ومرجعيته، وهو ما يلاحظه المتابع لما يصرح به المسؤولون الأتراك يومياً من أن الملف السوري والتدخل العسكري البري "المحدود" سيكون في سياق الحفاظ على الأمن القومي من جهة، وبتر مقومات قيام أي مشروع سياسي لأكراد سورية من جهة أخرى، وما يشير إلى قرب هذا التدخل، التصريحات الأمريكية عن وجود خطة بديلة هي الخطة ب، والتي أيدتها تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في حال فشل الهدنة في شورية، فما هي إلا أيام، وربما ساعات، حتى يتم الإعلان رسمياً عن فشل اتفاق "وقف الأعمال العدائية" لتبدأ مرحلة جديدة هي الخطة البديلة ب، والتي تعني باختصار، اجتياحاً برياً تركياً لشمال سورية وصولاً إلى مدينتي حلب وإدلب!