الخميس 2018/05/31

نحو الحداثة من أوسخ أبوابها !

"تتحول المملكة العربية السعودية إلى دولة حديثة تتماشى مع المجتمعات المدنية؛ الغربية منها والشرقية، بعد أن تأخرت عن ذلك لعقود بسبب الرجعية والتمسك بالتقاليد، على حساب التقدم بالمجالات العلمية ومواكبة التطور، دولةٌ تطوي صفحة سطوة رجال الدين على السلطة وتحكُّمِ الإيديولوجيا بأعمق تفاصيل الحياة، لا أفقَ متفوحةً للفساد والفاسدين في دولتنا الجديدة، ولا أرضية خِصبة للإرهاب والإسلام السياسي".

 

انتهى الاقتباس وما سبق لمحة استعراضية للعناوين التي يتبناها أنصار التحول الجديد في المملكة، وتحديدا المدافعين عن أفكار وهرطقات ولي العهد محمد بن سلمان، وهذه الشعارات التي لا يمل أنصار ابن سلمان من تكرارها في كل محفل، تبدو في ظاهرها مشجعة ومبشرة لفئة من السعوديين ممن يعرفون بالليبراليين، لكن بعض التناقضات التي تحملها تلك الشعارات تكشف عن مدى زيفها، وعن كونها لا تعدو مجرَّدَ مبررات لمحاولة تبسيط النفق المظلم الذي تدخله البلاد على يد أصغر ولي عهد منذ تأسيسها.

 

في سعيهم لتحقيق نظام مدني قريب من العلمانية، يلخص منظّرو رؤيةِ ابن سلمان "الإصلاح المنظور" بامرأة تقود السيارة دون غطاء وجه، أو بأسواق لا تغلق أبوابها في أوقات الصلاة مثلما جرت العادة، أو حتى بمساجد لا يصل صوت الأذان والصلاة فيها إلى أبعد من جدرانها، وذلك وفق ما يعكسه الضخ الإعلامي من القنوات والصحف السعودية المتكفلة بمهمة تطبيع التحولات الجديدة، ففي بعض الشاشات الشهيرة تكاد لا ترى حالياً سوى أخبارِ الحفلات والرقص والسينما في المملكة يتزامن هذا مع هجوم غير معهود على التيارات الدينية، حتى المقرب منها للسلطة في بعض الأحيان.

 

مفهوم الحداثة في شبه الجزيرة العربية وإذ يتزامن مع موجة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، فإنه لا تُعرف حتى الآن المرجعيةُ التي يستند إليها، فأبجديات الديمقراطية - كما هو معلوم - هي ضمان حرية المواطنين، وحقِّهم في اختيار ممثليهم عبر برلمان وانتخابات، فضلا عن تحقيق العدالة في القضاء وعدم التفريق بين كامل مكونات الشعب على أي أساس، وذلك ما تبدو السعودية حاليا بعيدة عنه أكثر من أي وقت مضى، فالأمير الصغير استفتح إجراءاته بموجة قمع داخل العائلة الحاكمة، لم يُستثن منها أقرب الشخصيات إليه، والمملكة حاليا في مراتب متأخرة جداً بمعيار حقوق الإنسان بحسب مؤشرات دولية.

 

لو افترضنا أن لدى محمد بن سلمان مبرراته في السياسة الازدواجية التي ينتهجها في تحويل شكل السعودية مع إهمال العديد من الجوانب التي يتعطش إليها السعوديون منذ عقود فإن الخوض قليلا في بنية المجتمع وتاريخه وعاداته ينسف إمكانية نجاح كل محاولات التغيير التي يهرول لها الأمير السعودي، فمن المعلوم أن أهم ركيزة تقوم عليها السعودية هي بنية المجتمع المحافظ المتمسك بالجذور الدينية سواء بشكل سلبي أو إيجابي، وأي محاولة لتفكيك هذه البنية ستؤدي ربما إلى خروج المجتمع عن السيطرة وانهياره وتفككه، ولا أزعم هنا أن ابن سلمان حريص على عدم تفكك المجتمع ولكن تداعيات ذلك ستمس بالتأكيد نظام الحكم، الذي يعتمد منذ تأسيسه على رجال الدين كملهمين للشعب بما يهوى ولاة الأمر.

 

استطاع المحيطون بابن سلمان أن يقنعوه بأن تحقيق حلمه بالوصول إلى الحكم، وبناء إمبراطوريته الخاصة، لا يلزمه سوى الحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، وذلك ثمنه التبنّي الكامل للرؤية الأمريكية في المنطقة، سواء محليا بالانقلاب على الأسس القديمة المرتبطة بهوية المجتمع، أو إقليميا ببيع القضية الفلسطينية والتطبيع مع الاحتلال، والتخلي عن الشعبين السوري والعراقي وغيرهم، فضلا عن الدخول في عداوات مجانية وغير محسوبة العواقب كمخاصمة تركيا لصالح المشروع الأمريكي.

 

على اعتبار أنه وصل مراحل متقدمة في هدفه المنشود لا شك أن ولي العهد يطبق النصائح المسداة إليه بشأن بشكل دقيق غير مكترث للأخطاء التي تتراكم حوله شيئا فشيئا والتي ستظهر آثارها على البلاد في شتى الجوانب، لكنه سيدرك يوما أن ثمة فارقا كبيرا بين الحداثة، وتطبيق الإملاءات، فلنهوض الدول قواعدُ لا يغفلها عاقل وله في ذلك أمثلة لا تحصى للدول الناشئة كتركيا وماليزيا وغيرها،. فإن كان مسشارو الأمير الصغير أبلغوه أن مفتاح الحداثة راقصة تلف على خصرها علم المملكة ..فسنقول له : أبشر ولي العهد لقد دخلت البلاد الحداثة بفضلك من أوسخ أبوابها !